الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الوثيقةالأولى: تحديد مفاهيم المواطنة والتعايش بين الأديان

25 أكتوبر 2006 01:39
القاهرة - الاتحاد (خاص): هناك اضطراب نسبي في الروايات التي تناولت تواريخ الرسائل التي بعث بها الرسول الكريم إلى الملوك والرؤساء، فقد روى ابن سعد أنه عندما رجع من صلح الحديبية في ذي الحجة سنة 6 هجرية أرسل إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، وكتب إليهم كتاباً ، فخرج ستة نفر في يوم واحد ، وذلك في محرم سنة 7 من الهجرة، وذكرآخرون تواريخ مغايرة، ولم تؤثر هذه الخلافات على جوهر المهمة التي حملها على عاتقهم رجال مؤمنون عرفوا مغزاها ومعناها وأدركوا مبكرا دورها في مسيرة الدعوة الاسلامية · والمعروف أن قبائل العرب، كانت تمثل كل قبيلة كبرى منها دولة مستقلة، فعن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: لما أفسد الله صحيفة مكرهم، خرج النبي وأصحابه فعاشوا وخالطوا الناس، ورسول الله في تلك السنين يعرض نفسه على قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤيدوه أو يمنعوه ويقول ''لا أكره منكم أحدا على شيء من رضي الذي أدعو إليه قبله، ومن كرهه لم أكره، إنما أريد أن تحوزوني مما يراد بي من القتل، فتحوزوني حتى أبلغ رسالات ربي، ويقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء''· الدولة الدينية المدنية وتوجد الكثير من الوثائق التي تحدد العلاقات الدولية في الإسلام وتوضح أبعادها وأهدافها وتطورها المرحلي، منها،وثيقة إقامة '' الدولة الدينية المدنية'' حيث حددت في قسمها الأول حقوق وواجبات المسلمين في المدينة·وفي قسمها الثاني حقوق وواجبات اليهود المنضمين لهذه الدولة، قال ابن إسحاق: '' ·· وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار وادع فيه يهود ووادعهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترطوا عليه، أولاً: بسم الله الرحمن الرحيم· هذا كتاب محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس·· المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين وبني عوف·· وبني ساعدة· وبني الحارث·· وبني جشم·· وبني النجار·· وبني عمرو بن عوف·· وبني الذبين·· وبنو الأوس·· على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين· وثانياً: وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهود بني عوف مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته، وإن ليهود بني النجار·· ويهود بني الحارث·· وإن ليهود بني ساعدة·· وإن ليهود بني جشم·· وإن ليهود الأوس·· وإن ليهود بني ثعلبة·· مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم ·· وإن لليهود نفقتهم وإن بينهم النصر على من حارب هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين·· وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإن دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإن لهم على المؤمنين إلا ممن حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم·· وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم، وإنه من خرج فهو آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم''· عمـل سياسي قال الدكتور منير الغضبان في حوار معه ( موقع العالم الاسلامي ) أن هذه الوثيقة حددت لأول مرة في التاريخ مفهوم المواطنة ومفهوم التعايش الكامل بين الأديان في دولة واحدة، وتحديد الالتزامات على أبناء الوطن الواحد تجاه بعضهم، وتجاه دولتهم وتجاه حكومتهم وتجاه أعدائهم· وأوضح عبد الرحمن عبد الخالق رئيس مكتب تحقيق التراث بالكويت أن النبي بدأ مبكرا يدعو إلى عقيدة مغايرة للمعتقد السائد، ويجمع الناس حول هذا المعتقد، وهذا في حقيقته عمل سياسي حسب مفهوم الناس وعرفهم اليوم، وكذلك أوجد النبي الجماعة السرية، ثم الجماعة العلنية التي تدعو إلى تغيير نظم المجتمع، وعقيدته، وتستخدم كل وسائل الإعلام المتاحة من الاتصال الفردي، والخطبة، والمناداة، والمشاعر الخاصة، والحرب الإعلامية المضادة للفكر والعقيدة الجاهلية السائدة، وهذا كله عمل سياسي، وكذلك لجأ إلى طلب الحماية والنصرة من بعض الكفار كما فعل مع النجاشي في ''الحبشة''، حيث كتب له الرسول التماساً بأن يؤوي المسلمين الفارين بدينهم· وعندما استجارت مجموعة من المسلمين بالنجاشي ملك الحبشة في بداية الدعوة حماهم وتفرس في أقوالهم وأطوارهم بمرور الزمن وفي النور الذي يشع من ناصيتهم ومن طفح الإيمان في صدورهم طريقا إلى الحقيقة أسلم على الفور، وبقدر اعجاب النجاشي بأقوال وكلمات المسلمين فإنه أعجب أيضا بالفضائل التي تنم عنها حالاتهم الروحية· كان النجاشي مثالا للمروءة، فلم يطرد من استجار به بمجرد اتهامات رخيصة، وأوضح فكره هذا للوفد القادم من قريش، وأفاد بجلاء أنه لن يحكم بشيء ما لم يستمع إليهم أيضا، وعلى ضوء هذا دعي عدد من المسلمين إلى القصر وكان جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يترأسهم، وهو من أشراف مكة وابن عم الرسول والأخ الكبير لعلي ابن أبي طالب، وكان المسلمون قد اختاروه ناطقا باسمهم إذ كانوا صفا واحدا ووحدة متحدة كأنهم كيان واحد· وهذه الرابطة الوثيقة بينهم كانت ملفتة للأنظار· كان على الداخل أن يسجد للملك تعظيما له،لأن ذلك يعد من أصول التشريفات، إلا أن المسلمين لم يسجدوا له، إذ لا يجوز للمسلم أن يسجد لغير الله جل جلاله· وقد سرّ وفد المشركين تصرف المسلمين هذا، حيث فكروا أن النجاشي سيغضب عليهم ويطردهم من ديوانه، ولكن النجاشي كان مثالا للفضيلة، ثم سأل النجاشي المسلمين بعض الأسئلة، فأجابه جعفر رضي الله عنه : أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفوَاحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا الى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام · قال: فعدد عليه أمور الاسلام فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا ليردونا الى عبادة الأوثان وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا الى بلدك واخترناك على من سواك ورغبنا ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك · ثم استرسل جعفر بالكلام والنجاشي ينصت ملياً له، فسأله عن سيدنا عيسى عليه السلام ومريم عليها السلام، فتلا عليه جعفر رضي الله عنه سورة مريم في خشوع ولم يتمالك النجاشي نفسه فأجهش بالبكاء، نعم لا فرق قطعا لأن الوحي النازل على جميع الأنبياء صادر من منبع واحد· على هذا الأساس رد النجاشي المشركين مع ما حملوا إليه من الهدايا، وأعلن حمايته للمسلمين، لأنه شاهد أشعة عظيمة من الفضائل تشع من المسلمين رغم اللقاء القصير معهم· وكان هذا كافيا لاختياره الإسلام دينا· رسائل متبادلة ذكر كثير من المؤرخين أن الذي كتبه النبي إلى النجاشي ضمن رسائله الى الملوك والأمراء،مع عمرو بن أمية، جاء فيه بالنص : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله ، إلى النجاشي ملك الحبشة ، أسلم أنت ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، الملك ، القدوس، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته، ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة ، فحملت به ، فخلقه من روحه ، ونفخه كما خلق آدم بيده ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة عن طاعته ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت ، فاقبلوا نصيحتي ، والسلام على من اتبع الهدى· وبعث النجاشي مع ولده بجواب لكتاب النبي اعترف فيه بإقراره بالإسلام، وإن شاء الرسول أن يأتيه بالمدينة المنورة لأتاه، وأنه بعث إليه بابنه أرها بن الأصحم، وأن ابنه خرج في ستين نفساً من الحبشة فغرقت بهم سفينتهم في البحر، وثبت أن الرسول صلى صلاة الغائب عندما أخبره جبريل بوفاة النجاشي · وتتمحور الكلمات التي أرسل بها الرسول الى النجاشي حول مجموعة من العناصر·أبرزها، إثبات حقيقة النبي عيسى وأنه نبي من عند الله ،وحقيقة سيدنا آدم بأن قال له كن فكان،مما يدل على أن آدم عليه السلام بدوره خلق بطريقة لا تخضع للقوانين البيولوجية·ثم الدعوة بالتي هي أحسن،من أجل اتباع الرسول والإيمان بما جاء به· والواضح أن النبي في رسائله ومحاوراتها وسفاراته المشهودة والكتب التي أرسلها والمعاهدات التي أمضاها، كان يصدر عن سياسة حكيمة متبصرة ترى للإسلام ان يكون ديناً عالمياً، يؤيد ذلك ويدعمه، ما في القرآن الكريم من آيات بينات تذهب في هذا البعد ، كقوله تعالى: إن هو إلا ذكر للعالمين· ولتعلمن نبأه بعد حين· وقوله :وما علمناه الشعر وما ينبغي له، إن هو إلا ذكر وقرآن مبين· وقوله أيضا في سورة (الفرقان): تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً·وقوله تعالى: وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون·وقوله تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً· وقوله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين· ينشر بترتيب خاص مع وكالة الأهرام للصحافة
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©