(1) المدارس:
اقرأ يا أحمد·· ماذا كتبت؟
كتبت عن الحروب يا أستاذ·
ابتسم المعلم·· يعلم أن هذا هو موضوع الساعة·· حتى الأطفال يشعرون به، ولذلك فليس غريباً أن يهتم فتى ذكي يافع كأحمد بالأمر·
إذاً أسمعني ماذا قلت يا بني·
بدأ أحمد يقرأ الموضوع·· والأستاذ يسرح بخياله مع الكلمات·
ومن آثار الحروب تغير القوميات·
توقف يا بني·· ماذا تقصد بتغير القوميات؟
شعر الطالب بالارتباك·· أقصد يا أستاذ·· وتلعثم الطالب·· أقصد·· وتصبب العرق على جبهة الطالب فيما وقف المدرس·
يا أحمد·· انظر الى الخريطة·· ومسح بيده على الخريطة المنصوبة أمام التلاميذ·· اعطني مثالاً لتغير القوميات·
أستاذ·· أنا كنت أقصد أمراً آخر·· ولكنني عبرت عنه بصورة·· أقصد لم أجد التعبير المناسب فعبرت عنه بهذا الشكل·
وماذا قصدت يا بني؟
أنا قصدت أن الحروب قد تكون سبباً للـ·· أقصد الفقر وتفشي الرذيلة·· وربما اللقطاء·
سادت لحظات صمت شعر أحمد فيها بدوي في أذنيه وارتفعت حرارة الجو حوله·· أكمل يا بني·
واصل أحمد القراءة·· فيما عاد المدرس الى مكانه·· هذا المدرس واحد من أبناء الحرب السابقة·
(2) أجيال:
وأنا يا جدتي من أي حرب؟
ضحكت الجدة·· أنت من الحرب الأخيرة يا ولدي·
وأبي؟
اسمع يا ولدي·· عندما كنا صغاراً كنا نؤرخ بالأحداث·· ولذلك ولدت أنا في الغزو الأول على الدولة العثمانية·· وأنجبت أباك في الغزو الثاني وولدت أنت في الحرب الثالثة·
والتاريخ يا جدتي؟
لا نعرف الأرقام·· وقليل منا يقرأ·
عاد الولد الى واقعة·· مضى على هذا الكلام خمسة وثلاثون عاماً·· كبر فيها وتغير·· التفت الى ولده وابتسم له·
وأنا يا أبي·· متى ولدت؟
ابتسم الرجل·· وأنت يا بني ولدت في الاحتلال·
(3) أمان:
من هناك؟ رفع الرجل صوته وكأنه يخاطب أحداً في الظلام·
ماذا بك؟ يبدو أنك خائف·· هذه هي المرة الألف التي تصيح وتخاطب الظلام·
ربما لا أكون شجاعاً كفاية·· ولكن الخوف في هذه الأيام من علامات الكمال·
قهقه الرجل بهدوء، وأشعل سيجارة التمعت في الظلام ومد يده الى صديقه·· خذ، دخن هذه السيجارة واطرد الخوف·
أخذ الرجل السيجارة وسحب نفساً طويلاً والتفت الى صديقه وقال: هذه الأيام قل الأمان، وندر أن تجد صديقاً تثق فيه·
ابتسم الآخر·· وهل تثق فيّ؟
أعتقد ذلك·· فنحن رفقاء منذ أن كنا أطفالاً·· وضحك بصوت مرتفع، لو أردت قتلي لكنت ميتاً منذ زمن·
ضحك الآخر·· ومد يده بكأس ممتلئة بالخمر·· وأعطاها لصديقه: خذ اشرب ستنتهي الآن نوبتك·
أخذها·· ورفعها الى شفتيه، وشربها دفعة واحدة·· ثم ضربها على الطاولة، والتفت الى صديقه وأخذت عيناه تجحظان وارتسم ألم قاتل على وجهه·· وبتردد تحرك نحو صديقه وحاول أن يمسك به، ولكن قوته خانته فسقط أرضاً·
اقترب منه صديقه، وضربه بقدمه على وجهه وخمس بصوت كالفحيح: كنت أريد، ولكن الوقت لم يكن مناسباً·· وارتفعت قهقهة في الظلام·
عبدالله بن علي السعد
عدد اليوم
