الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التدوير والتناص في مقام واحد

التدوير والتناص في مقام واحد
9 أغسطس 2012
إذا جمع الناقد المسرحي حميد عبد المجيد مال الله ما كتبه ونشره في الصحف والمجلات العراقية والعربية وكذلك في الدوريات المتخصصة بالمسرح، منذ أوائل العقد السبعيني، ومنها قراءاته ومتابعاته النقدية للعروض المسرحية التي حضر عروضها في البصرة وبغداد وسواهما من المحافظات، لاهتماماته الشخصية المسرحية، أو التي اختير عضواً في لجانها التحّكيمية الرسمية، فإن الحصيلة ستكون أكثر من كتاب متخصص بـ”النقد المسرحي التطبيقي”. يسهم معه في هذا الجانب الناقد والكاتب والمخرج المسرحي بنيان صالح الذي كتب في المسرح تنظيراً وتطبيقاً ولم يصدر له غير كتاب واحد عن اتحاد الأدباء والكتاب في البصرة محتوياً بعض مسرحيات موندراما من تأليفه، مع إن لديه الكثير من المسرحيات الجاهزة للنشر، والمقالات الفكرية ـ الفنية المعنية بالمسرح تحديداً، والمنشورة في أماكن متفرقة وأزمان متباعدة في المجلات العراقية والعربية والصحف كذلك، وبعضها لم يُنشرها. ويشترك معهما والناقد والمؤلف والمخرج المسرحي الراحل جبار صبري العطية الذي له أعمال مسرحية عديدة تتوزع بين التأليف والإعداد والكتابة النقدية المسرحية وحتى الأرشفة، لكنه حظيَ فقط بإصدار “تحت المطر” عن وزارة الثقافة العراقية، محتوياً على ثلاث منودرامات من تأليفه. ويبدو أن القاسم المشترك بين هؤلاء الثلاثة هو إهمالهم ما كتبوه وما نشروه عن تلك العروض المسرحية التي تناولوها نقداً وبحثاً ، ولم يصدروها في كتب تبعدها عن الضياع والإهمال. ويمكن أن تعد كتاباتهم النقدية تلك، ضمن “التأريخ النقدي الخاص بالمسرح العراقي”، كما يمكن الإطلاع عليها فيما إذا تم جمعها في كتاب لكل منهم، وهو ما يفيد الأجيال المسرحية القادمة، والباحثين الأكاديميين وغيرهم في هذا الجانب. النقدي الصحفي يؤكد الناقد المسرحي حميد عبد المجيد مال الله، في حوار لنا معه ، أنه: “بدأ الكتابة بالعرض النقدي الصحفي وهو من تفرعات “نص النقد”. وكان لا بد من إرسائه على أرضية ما، فكانت السسيولوجيا، ولذا فإن إهمال أو تجاهل فضاءات المسرح المتجاورة والمستقلة، لحد ما، والاهتمام بانشغالات أخر خلال العرض المسرحي وإعارتها أهمية متدرجة والتوجه الوحيد نحو العرض المسرحي، دون سواه، ستفضي إلى مفارقة بينة بين ما يعرض على المسرح الذي يشكل خزينا متراكماً في الذاكرة الشخصية والجمعية، يتعلق قسم منها بالعمل الإخراجي وما يرافقه من معطيات وعمليات تقنية وبعضها يشمل طرائق التمثيل التي يجب أن تكون متقدمة فنياً، على وفق الإمكانيات المتاحة، ومنسجمة مع المعطيات المسرحية الحداثوية”. وفي ذات الحوار يقول الناقد مال الله: “أخضعت مقالاتي عن العروض المسرحية التي نَشرتها سابقاً إلى نقد ذاتي صارم، على وفق ما شَخّصتْ قصورها، بعض الأطاريح الأكاديمية التي دَرَستْ نصوصاً نقدية مسرحية منها ما كَتبتهُ، وتم الكشف عن ذلك بوضوح ضمن أطروحة في “نقد النقد المسرحي” للدكتور محمد أبو خضير، وأطروحة “النقد المسرحي في العراق” للدكتور ضياء الثامري، وكذلك في تحليل أكاديمي للدكتور عبد الفتاح عبد الأمير تناول فيه دراسة مقارنة بين نصوص النقد المسرحي لناقدين هما الناقدة نازك الأعرجي وحميد عبد المجيد مال لله”. المصطلح والمفهوم وصدر للناقد المسرحي حميد عبد المجيد مال الله كتابه الأول المعنون “التدوير الدرامي” عن اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في البصرة، من مطبعة النخيل، والغلاف من تصميم المترجم والفنان نجاح الجبيلي. واكتفى الناقد مال الله في كتابه بنشر بعض مقالاته ودراساته، التي نشرها منذ تشرين الأول عام 2003 ولغاية شباط عام2009. في اللغة: “تَدْويرُ الشيء: جَعْلهُ مُدَوَّراً. والُمدَاوَرَةُ: كالُمعَاَلجة.” مختار الصحاح/ مختصر/ ص 169. أما في المسرح فان “ما يحدث في العرض المسرحي فهو “تدوير درامي” لثيمات سابقة، أو تدوير لسمات في نصوص المؤلف، والأمر ينسحب على رؤى ومنهجيات الإخراج المسرحي آنياً و”التدوير” يتبارى في أداء الممثل/ الممثلة في أدوار سابقة له ولها، وأدوار الآخرين وفيه محاولات لإعادة مسرودات سابقة ومنها العواطف، وما يماثلها أو يختلف معها، التي سبق ممارستها كذلك، وهي اهتمامات رئيسة للمسرح في كل زمان ومكان، لكن مفردة/ يعيد، يصور/ نصاً وعرضاً وأداءً، تؤكد إمكانية شيء يتجاوز معرفتنا، كما يغير شكل الموضوع”.(من شبكة الإنترنت العالمية/ بتصرف). يذكر الناقد مال الله في مقدمة كتابه بأنه محاولة رصد مكثفة للتدوير في مسرح بالغ الأهمية هو “مسرح الطفل” ضمن فضائي النص والإخراج مؤكداً أن فن المسرح من أكثر الفنون تداولية للتدوير، لأنه يحتوي على جدلية يطلق عليها، “التفاوضية”. وتلتقي بشكل ما مع ذاكرة المتلقي، التي حكماً ستتحرك نحو البحث عن المراجع التي استقدمت منها المادة التي أمامه، ويشاهدها بصفتها عرضاً مسرحياً. علامات مسرحية قسم الناقد مال الله كتابه على قسمين غير متكافئين، القسم الأول احتوى أربع عشرة مادة ضمن موضوع واحد هو: مسرح الطفل. ودرس فيه: العنوان، وفضاء النص، والتدوير الدرامي، وتدوير اسم الشخصية، واللعب، والاستعارة، والتشبيهية، والمسرح البيئي، والقناع، وخطاب اللون، والمايم، والدراما الموسغنائية، والتلقي، ومسرح الطفل.. مفتوح أم مغلق. أما القسم الثاني فكان بعنوان: علامات مسرحية، احتوى على أربعة مواضيع هي: المركبة الشبح، والتغليف، والمؤثرات الشمية، والهاتف. كما ألحق بكتابه تسع صور فوتوغرافية لعروض مسرحية متعددة من دون الإشارة إلى زمانها ومكانها وتحديد شخصياتها، ومن ضمنها إعلان عن مسرحية “الصوت البشري” للممثلة انجريد بريغمان وباللغة الإنجليزية. في موضوع التدوير الدرامي، يقدم الناقد مال الله إحصائية لنماذج مسرحية تم إعادة التدوير، الذي مرت وتمر به مسرحيات مثل: ليلى والذئب، والصبي الخشبي، ومن يقرع الجرس، والمزمار السحري، وملابس الإمبراطور، والأقزام السبعة، ورحمة وأمير الغابة المسحورة، والسندباد البحري، وكلكامش. كما يذكر في الموضوع ذاته بعضاً من نماذج دُورتْ مسرحياً عن “ألف ليلة وليلة” بمجلداتها الثلاثة، ومنها رحلات السندباد البحري إعداد عبد الرحمن طهمازي، وكذلك السندباد البحري تأليف وإخراج جبار صبري العطية، ومسرحيات أخر كثيرة عراقية وعربية عن الموضوع ذاته يوردها في الإحصائية، وفي ذلك فإن إعادة سرد قصص وحكايات معروفة كالقصص الشعبية وحكايات الجنيات وشخصيات من التاريخ والموروث الشعبي الشفاهي، وإعدادها بما يتناسب مع التقنيات المسرحية برؤى جديدة، تعد جزءاً من اهتمام الدراما في كل الثقافات الإنسانية، ولعل بعض مرتادي المسرح “يحضرون أساساً ليروا نصاً معيناً من خزين ذاكرتهم”. التدوير والتاريخ كما يذكر أن التدوير شمل ملحمة كلكامش، ترجمة طه باقر وإخراج سامي عبد الحميد باسم مسرحية كلكامش، وجلجامش، وانكيدو، واتوبنشتم وهي مسرحيات لطلال حسن، والطائر الأزرق مسرحية موريس ميترلنك ترجمة عبد الخالق جودت عن دار ثقافة الأطفال بغداد 1987، وطير السعد مسرحية أسطورية للأطفال للراحل قاسم محمد منشورة في مجلة المسرح والسينما العدد الأول تشرين الثاني 1970 ، وقصة لبينو كيو بعنوان “الصبي الخشبي” ترجمة محمد هيثم 1980 بغداد، و”الصبي الخشبي” مسرحية للأطفال إعداد قاسم محمد عن قصة كالو كلروكلردي بعنوان “ليلى والذئب”. ويذكر انه قرأها في أربعينيات القرن المنصرم، عندما كان تلميذاً في الدراسة الابتدائية ضمن كتاب “المطالعة”، المقرر دراسياً، وتحولت بعد ذلك إلى مسرحية تأليف يفديني شفارتس وترجمها محمد خضور وأخرجها د. طارق العذاري بالبصرة منتصف الثمانينيات في البصرة، وقصة أخرى هي “من يعلق الجرس” تحولت إلى مسرحية بعنوان “أهل التفكير وأهل التدبير” من تأليف الكاتب المصري عادل أبوشنب، وأخرجها عام 2007 عبد الكريم خزعل لصالح معهد الفنون الجميلة في البصرة، وأخرى غيرها نوه عنها الكاتب وقدم عنها إحصائية كاملة. لا جديد يوصلنا الناقد حميد عبد المجيد مال الله إلى نتيجة ملخصها أن لا جديد في عالم الفضاء المسرحي، إذ يبدو كل شيء مدوراً عما سبقه على وفق ما يراه وكتبه. ونرى فيما إذا تم نقل مفهوم التدوير من حقله المسرحي إلى الحقل الأدبي والثقافي فأننا سنصل إلى مفهوم “التناص” الذي يؤكد أن كل إنسان في هذا الكون، وما يصدر عنه مهما كان شكله ونوعه، متناصٍ مع مَنْ سبقه لأنه ليس صنيعة نفسه بعيداً عن الأسرة الصغيرة والمجتمع والتاريخ والأفكار والرؤى الثقافية - الفنية التي تجتاح العالم مؤثرة فيه ومتأثرة به. وفي هذا يؤكد أحد علماء وكتّاب نظرية “التناص” أن الكائن الوحيد غير المتناص هو آدم فحسب، على وفق النظرية المثالية في الخلق، إذ أنه لم يجد أحداً قبله في الكوكب الأرضي كي يتناص معه. عمل جماعي “التدوير” في المسرح و” التناص” في الأدب والثقافة إذ استخدما بشيء من التعسف والتفسير المتجني والمتشدد لهما، فأنه سيصل حد المغالاة أحياناً في الاستخدام المسرحي والأدبي ـ الثقافي، وبذا يبدو التدوير والتناص، على وفق ذلك المفهوم، يتنكران للمعطيات الإنسانية الخلاقة في الكشف عن أهم ما يشغل الإنسان الواقعي في لحظته الزمنية ـ التاريخية التي يعاصرها ويسعى إلى أن يقدم لها أجوبة محددة في زمنه ومكانه وضمن رؤاه الفنية والجمالية، الذاتية، المشروطة باللحظة التاريخية التي يعيشها ويتفاعل معها بقدراته الثقافية ـ الفنية الخاصة والاجتماعية التي يعبر عنها. ولا يمكننا أن نتصور أي عمل فني، إلا بصفته مظهراً بسيطاً أو جزئياً لواقع أكبر عبر مهيمنات تؤثر في الإنسان الذي هو أهم عنصر فاعل ضمن شروط معطاة تاريخياً بفعل مجموعة الظروف الاجتماعية والكونية، وتأثيراتها الحادة ـ القاسية في الإنسان ذاته ونتاجاته الفنية وقيمها الجمالية من خلال محاولات إجرائية مرهونة بالظروف الجماعية ـ الاجتماعية من جهة، لكون العمل المسرحي ليس نتاجاً فردياً فحسب بل هو بالأساس عمل جماعي، دون التنكر للخصوصية من خلال التنقيب والبحث والتجريب، ضمن رؤى ومناهج فنية ـ جمالية معاصرة وتاريخية كذلك، ويمكن استخدامها والاستفادة منها ومن معطياتها التي لا حدود لها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©