طرق الحياة

تحتل ثلاثة كتب حاليا، موقعا بارزا في قائمة الكتب الأكثر مبيعا داخل فرنسا. والكتب الثلاثة تمثل ثلاث طرق لحياة مليئة بالتناقض، لا تكشف أسرارها إلا لمن يسلكها. وأول تلك الكتب هو عبارة عن دليل مبسط لاقتناص لحظات سعادة غير مكلفة في الحياة اليومية للبشر. أما الكتاب الثاني فإنه يجمع بين دفتية رواية بوليسية كتبها محقق شرطة محترف في مهنته وفي الكتابة الأدبية لهذا النوع من الروايات. ويخوض الكتاب الثالث عن طريق حوار مطول مع نجم السينما الفرنسية الشهير جان لوي تراتينيون، في ظروف حياة التقاعد الذي يعيشها هذا النجم، خصوصا بعد مأساة فقد ابنته التي قتلت بيدي خطيبها، وتفكير والدها بالانتحار حزنا قبل أن يكتشف طريق الخلاص.. إنه كتاب بوح من الطراز الأول. دليل مبسط إلى تحقيق سعادة غير مكلفة ? هذا الكتاب الصادر باللغة الفرنسية، والذي لا تتجاوزعدد صفحاته ال69 صفحة عنوانه: Le sel de la vie أي “ملح الحياة”، هو دعوة من مؤلفته فراسواز هيريتييه إلى اقتناص اللحظات العادية في حياتنا اليومية للاستمتاع بها، كالنوم على الظهر، أو شم رائحة الخبز الساخن حال إخراجه من الفرن. والكتاب هو بمثابة الدليل لكيفية إعطاء أهمية للأشياء التي تبدو لنا عادية وبسيطة ولا نوليها عموما أية أهمية تذكر، وهي إن عرفنا كيف نستغلها تمنحنا شيئا من الانشراح والسعادة. يمكن القول إن الكتاب يتضمن “فلسفة” حياة وأسلوب عيش، والمؤلفة تقول “إن السعادة مثل الحقيقة إن تعمقنا كثيرا في البحث عنها فإنها تبتعد عنا”، ولذا فالكاتبة تدعو إلى سعادة بسيطة في متناول أي كان بدون تعقيد أو لهاث وراءها، وهي تقول للقارئ: “إني أقطف لك باقة من الأفكار البسيطة وأهديها إليك، والتي بإمكانها ان تمنحك السعادة، تماما مثلما يقطف الإنسان زهورا متناثرة في الغابة لكي يجمع منها باقة”. تدعو المؤلفة إلى الاستمتاع باللحظة العادية في حياتنا اليومية، وباللقاء التلقائي، وتحثنا على أن نغذي يومنا بالأحاسيس تجاه الناس والأشياء التي تعترضنا صدفة، او التي تحيط بنا ونحن لا نهتم بها، وأن نتأثر بما نسمعه أو نقرأه أو نشاهده، ومثلما يعطي الملح نكهة لأي طبق فان هذه الأشياء الصغيرة تعطي للحياة ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ هي أيضا نكهة خاصة. ومن بين ما تنصح به المؤلفة لبلوغ الإحساس بجمال الحياة وعمقها وبساطتها، هو لمس يد امرأة عجوز، كيد أمك أو جدتك، وتأمل تجاعيدها، فهذا حسب المؤلفة يمنحك سعادة وراحة نفسية. ومن النصائح الأخرى: رافق بصوتك أغنية تطربك ودندن مع اللحن الذي يشجيك، واستمتع بقصة مضحكة حتى وان كانت بسيطة، تأمل السماء وإذا أحسست بأن المطر سينزل أخبر بذلك من كان بجانبك. وتؤكد المؤلفة بأن كل هذا لا يتطلب مالا أو جمالا ولا جاها، إنها لحظات يمكن أن تشعر فيها بسعادة تصر المؤلفة على وصفها بالسعادة البسيطة التي هي في متناولك بل هي في متناول الجميع في أي وقت. ومن أطرف ما تنصح به المؤلفة القارئ، أن يحسب الوقت بين البرق والرعد، فحالما ترى البرق يلمع ابدأ في الحساب من واحد إلى أن تسمع الرعد. ومن ضمن ما تنصح به المؤلفة الناس، أن يتناولوا أحيانا أكلا بسيطا من خبز طازج وزيت وزيتون، أو تذوق أكلة تقليدية من إعداد الجدة من تلك الأكلات التي لم تعد أمك أو زوجتك تعدها. ومن أطرف ما تنصح به المؤلفة أن تلحس بشراهة قاع قدر بعد إفراغه من أكل تم طبخه فيه.. تقول المؤلفة: افتح عينيك واسعة وأذنيك وتمتع بالنسيم يداعب جلدك. وتضيف المؤلفة في هذا الكتاب: تأمل قوس قزح، تمتع بالأحاسيس بصمت مطبق، عندما تتكلم ابحث عن الكلمة البسيطة الدقيقة، تمتع بلحظة انتظار مكالمة هاتفية من شخص تحبه، اقطف بيديك عنبا من العريشة الموجودة في حديقة بيتك، تأمل كيف تتساقط قطرات المطر الغليظة على سطح الأرض، دقق النظر في أصابع طبيب ماهر يفحصك ويتكهن بما أنت تتألم منه، نم في العراء، تصرف مع شخص تلتقي به أول مرة وكأنك تعرفه مند زمن طويل، نم متكئا على كتف شخص تحبه. هذا الكتاب ترك ردود فعل متباينة بين النقّاد، منهم من أبدى إعجابه بمضمونه باعتباره من الكتب المسلية بالدرجة الأولى وفي تنبيه الناس إلى ما بين ضلوعهم من مشاعر سعادة مخفية أو محبوسة، وهناك من النقّاد من اعتبر إن نصائح المؤلفة في هذا الكتاب عادية وبسيطة وبديهية وساذجة لا ترقى إلى مستوى تضمينها بين غلافين.