الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قلعة نايف.. سيول الذاكرة

قلعة نايف.. سيول الذاكرة
9 أغسطس 2012
قلعة نايف في بر ديرة، هي نسر الجبال، المحلق في أعطاف الحاضر ليروي قصة الارتفاع من أديم الأرض إلى عنان السماء.. قلعة نايف المغني الذي يمسك بعود اللواعج، ليهتف للآتين عن أنشودة طوقت الحلم بحجر البحر، صفته وصفدته، ونسفت أزاهيره، عند زاوية وفناء.. قلعة نايف الممتدة في الزمن منذ أكثر من مائة عام الممتدة على الأديم بأطوال 150 * 150 قدماً، في زاويتها الشمالية الغربية من القلب يرتفع مستطيل البرج، حوالي 13 متراً بنوافذ تشرع حدقاتها على العالم لتسفر عن معالم وعوالم وملاحم متورطة في اللذة، وهي ترشق الكون بقبلات الطين للجصي، والشاهد حجر بحري من كليم الماء وطهر السواحل الجليلة وانتماءات الفكرة المبجلة. قلعة نايف، كانت طلقة للحرب، وانطلاقة الشهب، وطلاقة اللغة المخملية بزخرفة على جدار لفناء ورفرفة على برج يساور الفضاء ويرسم صورة وعبرة ويشكل أعراس الذين نسقوا الأيام على جدار ومدار وأداروا الحوار بلبقة الحذقين، ولباقة الخارقين، واستقطبوا الفكرة من البذرة واستنتجوا من الندرة خبرة وخبر، وعند البوابة الضخمة.. الفخمة المتفاقمة خاضوا معارك، وتركوا صيتاً نابغاً، وصوتاً مرفرفاً كجناح طير، غرق في النشيد الأبدي، واستغرق في بوح القصيد. كراسة الذاكرة قلعة نايف، من زمن ونيف، من ربيع وخريف، وفصيح وحصيف، من وارف ورئيف من رائف ورهيف، من مدنف ونديف من مسرف ورسيف، من شرقة وشريق، من رفة ورفيف، من مكلف ولكيف، من غبطة وغطيط، من شاطئ وشطيط، من قائض وقضيض، من ناهض ورضيض، من غض وغضيض أرهفت في السمع، والجياد صاهلات مجلجلات مزنجلات بخلاخيل الفرح مجللات بطيب الزعفران وحلم الأوان وما بدر وبذَّر في الأصول والفصول وما احتدم في المفاصل، والفواصل وما جد واستجد وجدد واستعد وبدد غباراً وسعاراً، ليبدد الحاضر أجمل وأكمل وأفعل، وتصير القوافل عند مضارب ومشارب، ومناقب بزهو التاريخ المعمر، بحقول وجداول وجدائل ومناحل، وسواحل يقصدها الطير البعيد، بحلم أزهى من بريق النجوم، وأبهى من رحيق الغيوم وأندى من وريق التخوم. قلعة نايف، الكائن العظيم المتكئ على التاريخ يخصب ذاكرة من اشتياقات الناس من حراس استلهموا الفكرة من عبرة الانتماء وسبروا الغور من حور عين التراب المبجل، من سطور نقشت حروفها على الجبين، بحبر رموش العين، ومن ريشة المعنى والأماني الرابضة في القلب والدرب، فلا زمان لغير ذاكرة، ولا ذاكرة لغير أثر وارث، ولا أثر لغير خطوات تنحت في الطين جملة العقل وتزخرف الخبر بمنمنمات المبتدأ وما جاشت به الدمعة من شمعة وما أصلته الشمعة من لألأة وجلجلة. قلعة نايف الحرف والنزف والغرف، والعزف، والسلف والخلف والسقف والندف والكلف والدنف، والجوهر والصدف والسحر والشغف، والنحر والأَنَفُ، والفكر والتلف والبدء والمستأنف، والمسافة المتجللة بسندس واستبرق وومضة وحدق ورؤية وأفق ونبرة ونسق وحقيقة وألق وشوق مستفيق من رمق وصباح يتهجى خيوط الشمس بحرقة الماء المحترق وليل يسوق النوق البيض إلى مرعى وشفق وصحوة صحيحة تصدح بمصباح الدفق. من كراسة الذاكرة من دفتر الإرث الكريم، تتدفق وعداً وعهداً وسعداً تمارس فحولة الأيام وهطول اليافعات السواكب فيخضر عشب الحياة والشجرة الرابضة في الرأس تتفرع فرحاً والأوراق جفون تتهفهف رموشاً ونقوشاً وعلى منضدة الزمن موائد وولائم ورشفة من كأس النخب.. لا يتوارى شيء ولا يتمارى، فالنقش خدش الورطة النبيلة وعرش الانتصار على اللحظة المسهبة في النحيب. قلعة نايف النقطة على الحرف المدلل بالتمهيد والتنهيد والتغريد ونشوة النشيد حين تعلو القامة وتزدهر الشامة بالشهامة ويزخر الوقت، بالسلام والقوامة وقيامة الناسكين في معابد التقوى والنجوى ودعوة الحقيقة وتزدهر الذاكرة وتزهر وتثمر وتسفر عن سفر في العميق السحيق، والرحلة الطويلة في صحراء وجلاء وبهاء وسواء واستدعاء وقضاء وانقضاء وبقاء وارتقاء وحياء واستحياء.. وشفاء واشتياق وسباق واستباق، وطلاق وانطلاق ورقائق واسترقاق وطرائق واستنطاق في الرحلة الطويلة من الماء إلى الصحراء من ملح وعذب، من خصب وجدب من حدب وجذب من وثب وكرب، ومن متناقضات الشوق، رفعت النوق عقال الهوى، فانطوى زمن كطي السجل وانزوى وهوى واستوى على جودي النوى، ومضى أشد مضاضة وانقضى لتحفل الأرض برطب البشائر وتحتفل وتنتعل المجد، وتحتل مكانة ورزانة وأمانة وصيانة ومتانة وتمسك من الأفق المعنى بنانه وبيانه وكيانه وعنانه ورهانه، وزمانه مصدحة مصرحة موضحة شارحة قادحة جامحة ناجحة ورابحة قصب السبق بكل تفوق وتألق وتأنق وتنمق. قلعة نايف في ديرة تدير عقارب الساعة إلى الأمام بارتفاع أبراجها واتساع أفواجها لترى العيون سر الفنون وما جادت به الأيدي وما أبدعته العقول وما فاله البحر للسهل وما نطقت به الصحاري ساعة كوت الشمس حبات ترابها بمكواة اللهيب الرهيب، وساعة تلاشي النسيم مقتضباً مقطباً عائباً غاضباً، متسرباً مذنباً في حق الوجوه، والنهد الكواعب، والسواعد السمر، السوالب. قلعة نايف تستدعي النخوة والصبوة وتسترجع كتاباً صفت حروفه بشفة ورجفة ونشوة الإخفاق في الوقت المحصن بطوق وحدق إذ كان النهار يتمشى على الجفون بخفة الطير ويغسل العيون بنداء وندى ويتوارى في الأتون قدراً مقتدراً وصبراً مصطبراً ودهراً وعمراً وأجلاً لا يؤجل ميقاته ساعة احتبال الرغبة وخصوبة الأمل ورجاحة الأمنيات، وفداحة المستحيل. قلعة نايف، تشرق على الزمن وتطل على الوطن ببصر وبصيرة وطهر وصبر ومطر وبدر وستر وخدر.. وتغني مع رسول حمزاتوف مرددة: “أنا مستعد للجلوس ساعات وساعات كما جلست في طفولتي أنظر إلى القمم البيض الأزلية بعينين مولهتين وأرقب كيف تحوم النسور الجبارة قد تقف فوق الجبال كأنها دورية وقد تتحرك في السهوب وطني يسمى أشجع الشجعان نسور الجبال” قلعة نايف.. نسر على رأس جبل برجها لبدة الضرغام، وفناؤها قلب مفتوح للأيام، والعصافير التي تزقزق عند هامتها لحن أزل يغسل الزمن لتسجد الملائكة للإنسان ويحميه الرب من شنآن. طائر البحر قلعة نايف طائر البحر المتسائل عن زعنفة التاريخ هي موجة الماء الراعشة على ساحل الأفئدة هي جبل من مقل تستقطع من الوقت وجداً، وتهيم في براري الذاكرة هي تومض في الأفق لا تغمص ولا تسكب الطين في العراء، هي تختصر الحلم جملة فعلية وتستطرد في الوثب كجواد مل الوقوف فاستباح تمرده هي خصلة من جديلة أرض، هي مفرق عند ذوائب بكر كاعب، هي نجمة تنصت بامعان لهمس القمر، وتحدق في السماء وتحصي أعداد النجوم التي تداعت ساهرة تغني لليل، وتسرد الموال الخليجي نغماً كونياً أبدياً. قلعة نايف.. حارس في الليل، نابس في النهار، شاعر جهبذ، يقتفي أثر القافية والوزن ويسأل عن الجملة الشعرية في متن القصيدة العصماء، هي الحقيقة المعطاه، ساعة تدفق القريحة، هي الوشم الملون بالفن والفن، هي الحلم الذاهب، في مهجة الصحراء المتحدر من غصون وفنون المتطور من نسل الكائنات النبيلة، هي السفر في عيون امرأة رائعة، هي النقر على زجاجة القلب، هي السُّحر في قوام أنثى ضالعة في التهدج والتوهج، هي السَّحر المنشق عن نور وسرور، وحبور، هي الصولة الجامحة والجولة الأولى في سباق التحدي، والتصدي للخنوع، هي مرآة على وجهها صورة امرأة نابغة في النصوع، هي جزيرة سواحلها موجات كأسنان حسناء، هي زخة مطر على جديلة وجدول، هي نهر متدفق تاريخاً، مبللاً بحبر السواعد، هي قصيدة كتبت على دفتر الأرض، هي هي رواية لم تكتمل فصولها بعد إلا عندما يقرأ كل إنسان على وجه، ويملأ عينيه بوميض أحداثها وشخوصها، ومفرداتها ثيمتها .. هي واقع وموقعة والتوقع عن وقائع وقعت فرسخت الجذر والحبر والخبر .. هي بحر يموج بالأسئلة وما جادت به المرحلة وما عادت به القافلة في تلك المرحلة من سنابل الجلجلة .. هي الكناية والتورية، هي التشبيه المرقى بالأدعية، هي كيف ومتى وماذا تبدت هكذا، قلعة ينفخها التاريخ بالشذا. قلعة نايف كرأس طائر محلق محدق يسترخي على الماء ويبسمل باسم التراب ورائحة الندي عطره، وصرير الطين يغشي سر صموده وتجلده. قلعة نايف جناح ليل أسدل وقته على اللألأة، واستراح متوسماً البسملة، والحمد له، يغرق في الصهيل، محتدماً ويرسم الوجوه بريشة الحجر الأشهب.. قلعة نايف جمرة تطفئ حرقتها باشتياقات الطين للجص، وما بينها أنفاس وحواس وأجراس تدق طبولها مذكرة مستذكرة قصة الحب الأول، ما بين الماء والتراب.. قلعة نايف بارعة الأمس قارعة اليوم، وضحة المرفوع بالألف .. قلعة نايف، الكلمة على لسان التاريخ، والابتسامة على شفة الجغرافيا، واللغة الرصينة في كتاب الكون، والأغنية، الرزينة والأمنية التي حطت رحالها على قمة الجبل وأودعت أسرارها في كنف الوقت، وسادت في الزمان إرثاً وأثراً وثراء وثروة، ووثيرة، وأثاراً وثائرة ومثيرة. قلعة نايف، ملحمة تستأنف سرد فصولها باسهاب وانسياب، واستتباب وتزاول المناقشة في حضرة التاريخ ومشاركة عشاق أعضاء الحلم الواحد، والوجد الواحد، والخطوات المتشابهة، قلعة نايف سيمفونية ترتل على أحبال الصوت وأيقونة تروي حكاية أشبه بالباذة هوميروس، أو أنها تشبه الكوميديا في تجلياتها الفلسفية، هي تشبه الأشياء التي لا تقرأ بالعين المجردة، هي تشبه نفسها فقط، هي تعيد انتاج نفسها فقط، عندما تتجسد في التفاصيل المعجزة، وعندما تحتشد في الطين لذة التمعن، وعندما يسترعي الانتباه، أن لطين الصحراء سمة من سمات معجزات السماء.. قلعة نايف مثل الصورة في الماء الصافي، مثل الماء في سريانه مثل النخلة في سموقها، مثل السدرة في تشعبها في وجدان الأرض، هي مثل الأرض لا تبلى ولا تهزم، مثل البحر لا يهدأ موجها، هي مثل الجبل، في جبروتها هي مثل الغيمة في ظلالها، هي النعمة في حد ذاتها هي القوة الخارقة في شأنها يسند التاريخ ظهره على طينها.. هي قلعة نايف تمارس وعيها في ذاتها، لأجل إحياء وعي الناس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©