الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

مصر و النادي النووي·· واتخاذ القرار

23 أكتوبر 2006 00:53
القاهرة - محمد عز العرب : توقع المراقبون أن يتضمن خطاب الرئيس المصري حسني مبارك في ختام المؤتمر السنوي الرابع للحزب الوطني الحاكم مفاجآت مدوية· وركزوا توقعاتهم في مفاجآت سياسية ذهبت في كل اتجاه مثل ان يعلن الرئيس تغييرات هيكلية كبيرة وواسعة في قيادات الحزب الحاكم· ووصلت التوقعات الى حد ان يعلن مبارك تنحيه عن الحكم وتولية نجله جمال المسؤولية خلال الفترة المتبقية من ولايته· وكل الذين صبت توقعاتهم في الجانب السياسي أعربوا عن خيبة أمل كبيرة بعد انتهاء الرئيس مبارك من خطابه وبالتالي لم يفطن أحدهم الى ان مبارك فجر مفاجأة مدوية في خطابه هذا وهي فتح الباب واسعا لدخول مصر النادي النووي من خلال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية· ومبعث المفاجأة هو ان مصر طوت تماما الملف النووي منذ حوالي أربعين عاما وصرفت النظر عن الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بعد ان أقامت بالفعل محطتين لهذا الغرض أصبحتا الآن مجرد أطلال أو اقتصر استخدامها وعملها على أمور هامشية مثل استخدام التقنية النووية في الاغراض الطبية· وجاء رد الفعل الدولي على مبادرة مبارك سريعا ومباشرا وكانت كل الأصداء ايجابية فقد أعلنت كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا واسرائيل ان من حق مصر استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية لأن مصر عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية واحدى الدول الموقعة على معاهدة منع الانتشار النووي في شقه العسكري، كما ان مصر تتعاون بشكل فعال مع الوكالة الدولية وتخضع منشآتها للتفتيش الدوري بلا أي مشاكل او عراقيل بالاضافة الى ان الرئيس مبارك لديه مبادرة مهمة منذ الثمانينيات من القرن الماضي بشأن ضرورة اخلاء الشرق الاوسط من اسلحة الدمار الشامل بما فيها الاسلحة النووية· مؤيدون ومعارضون وقد حاول البعض الربط بين اتجاه مصر الى دخول النادي النووي السلمي وازمة الملف النووي الايراني وامتلاك اسرائيل ترسانة نووية خطيرة ورأى هذا البعض ان مصر تفكر في التسلل الى النادي النووي العسكري من خلال الاستخدام السلمي، لكن المحللين استبعدوا تماما هذا الطرح لان مصر أعلنت مبادرتها النووية السلمية في خطاب علني لرئيس الجمهورية مما يؤكد ان النوايا السلمية هي التي تحكم هذا الطرح وكان بامكان مصر التسلل الى النادي النووي العسكري خفية أو خلسة بعيدا عن أضواء الاعلام وهو ما لم يحدث كما ان جميع المنشآت النووية المصرية خاضعة للتفتيش الدولي بمنتهى الشفافية وبلاعراقيل، وقد أشادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية غير مرة على لسان مديرها الدكتور محمد البرادعي بتعاون مصر التام في هذا الشأن كما ان البرادعي نفسه صرح أكثر من مرة بأن أي دولة لها الحق في الاستخدام السلمي للطاقة النووية· ويقول المحللون والخبراء إن الرئيس مبارك لم يفتح الباب واسعا للاستخدام السلمي للطاقة النووية ولكنه في واقع الامر فتح باب الحوار حول هذه المسألة وقال بالحرف الواحد انه مهما كانت نتيجة هذا الحوار المجتمعي بشأن الطاقة النووية فإنه سيلتزم بها بمعنى ان الحوار قد ينتهي باغلاق الملف نهائيا مرة اخرى وتحبيذ عدم الاستخدام السلمي للطاقة النووية· وفتح باب الحوار في هذا الشأن يؤكد ان الخبراء والعلماء منقسمون الى فريقين بشأن دخول مصر النادي النووي السلمي أحدهما يؤيد الاتجاه والآخر يعارضه· وهناك فريق من المهتمين بالموضوع وخصوصا في بلاط الصحافة اخذ الموضوع النووي باستخفاف شديد واراد توظيفه كورقة سياسية ومنهم من قال ان مبادرة مبارك غير جادة وانها للاستهلاك المحلي وذهب هذا الفريق خصوصا في الصحف المعارضة والمستقلة الى تسمية المبادرة مشروع جمال مبارك النووي على أساس ان امانة السياسات بالحزب الوطني هي التي طرحت ورقة الطاقة النووية وهي الأمانة التي يرأسها جمال مبارك وقيل ان الهدف هو تلميع جمال واعداده لتولي منصب رئاسة الدولة· وحتى في الصحف القومية كانت هناك مقالات تشكيكية في جدية المشروع النووي حيث قال الكاتب الصحفي ''سلامة أحمد سلامة'' : إن المجلس الأعلى المصري للطاقة التي تم تشكيله منذ عشرين عاما لم يجتمع الا بعد خطاب الرئيس مبارك وما تم توقيعه من اتفاقات لانشاء محطات نووية لم ينفذ وما صدر من قرارات جمهورية في هذا الشأن منذ عام 1981 تم تجميده ونسيانه عمدا وادعو ان كارثة مفاعل تشرنوبل في الاتحاد السوفيتي عام 1984 هي السبب في النكسة النووية المصرية رغم ان هذه الكارثة لم تمنع دولا أخرى من المضي قدما في دخول النادي النووي السلمي أو العسكري· ويرى سلامة ان كل ذلك يثير الشكوك في ان تسفر هذه الضجة الكبرى عن شيء مهم سوى مجموعة تقارير وخطب ثم لا شيء بعد ذلك· حملة شعبية وهناك أمر آخر يجعل المشروع النووي المصري حيويا وغير قابل للتأجيل وهو ان معدل استهلاك الكهرباء في مصر يزيد ثمانية في المئة سنويا وليس في امكان بدائل الطاقة الاخرى مثل الطاقة الشمسية او طاقة الرياح ان تكون بديلا استراتيجيا يمكن الاعتماد عليه في سد الاحتياجات المتزايدة من الكهرباء والتي تصل الى ألف ميجاوات سنويا اي ان الزيادة السنوية تعادل إنتاج محطة نووية واحدة مما يعني ان مصر في حاجة ماسة خلال العقود الثلاثة المقبلة لإنشاء أكثر من المحطات الثماني المنصوص عليها في البرنامج النووي القديم· ويبقى الخوف من ضعف عوامل الأمان في المحطات النووية وهو ما يحتج به المعارضون للبرنامج النووي لكن خبراء هيئة الطاقة الذرية المصرية يؤكدون ان العالم تمكن خلال السنوات الخمس الاخيرة من تطوير محطات نووية جديدة يستحيل ان يتكرر فيها ما حدث لمفاعل تشرنوبل السوفيتي حيث هناك احزمة امان متعددة داخل المحطة تمنع اي تسرب اشعاعي تحت اي ظرف وتضمن التوقف الالي لتشغيل المحطة اذا فقد القائمون عليها السيطرة· والامر الآخر الذي يستند اليه المتحمسون للبرنامج النووي المصري ان الطاقة النووية هي الاقل تكلفة وسعرا بين كل البدائل رغم ان تكاليف بناء المحطات النووية باهظة اذ تبلغ تكلفة انشاء محطة واحدة قدرتها الف ميجاوات حوالي الف وخمسمائة مليون دولار بينما تبلغ تكاليف انشاء محطة حرارية تعمل بالغاز او البترول حوالي 2100 مليون دولار لكن تكاليف تشغيل المحطة النووية وامكانية زيادة عمرها الافتراضي يغطي ويفوق الفرق المحدود في تكاليف إنشاء محطتين من بديلي الطاقة المطروحين بالاضافة الى ان المحطات النووية صديقة للبيئة وبالتالي توفر تكاليف حماية البيئة من التلوث الذي تؤدي اليه محطات البترول والغاز والفحم· ويقول الدكتور علي الصعيدي وزير الكهرباء المصري الاسبق وعضو اللجنة الاستشارية الدائمة للطاقة النووية بالوكالة الدولية للطاقة الذرية- ان الوكالة مستعدة تماما لمساعدة مصر في استئناف برنامجها النووي وتدريب وتأهيل وتوفير الكوادر اللازمة لتشغيل البرنامج مشيرا الى أن كل إمكانات استئناف البرنامج موجودة وهناك دراسات جدوى اقتصادية معدة من قبل ويمكن تحديثها· الاجيال القادمة·· وقرر مجلس الشورى المصري برئاسة صفوت الشريف تنظيم حملة شعبية لدعم البرنامج النووي المقترح· وأكد محمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة بالمجلس ان الحملة تهدف الحصول على دعم شعبي لهذا البرنامج المهم والضروري· وقد تحولت هيئة المحطات النووية المصرية التي تم إنشاؤها منذ عام 1976 الى خلية نحل فور انتهاء الرئيس مبارك من خطابه في ختام مؤتمر الحزب الوطني وأكد مسؤولو الهيئة ان شخصيات مهمة تتردد على مقر الهيئة منذ ستة أشهر دون ان يعرف سبب لذلك الاهتمام المفاجئ وكانت هذه الشخصيات تطلب باستمرار تكثيف الابحاث والدراسات حول البرامج النووية للدول المتقدمة· ويقول الدكتور منير مجاهد -مدير موقع المحطة النووية بالضبعة- ان الدولة تأخذ الموضوع على محمل الجد حيث لا مفر من استئناف البرنامج النووي المصري المتوقف منذ عام ·1986 وأكد ان التخوف من استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء لم يعد واردا الان في ظل التحسن الكبير لعوامل الامان بالمحطات الجديدة كما ان التقنية النووية السلمية ليست حديثه وعمرها الآن أكثر من نصف قرن وحققت تطورات كبيرة في عوامل الأمان والتشغيل وهناك 450 محطة نووية في العالم كما ان دولا نامية حققت طفرة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية مثل الهند وباكستان· وقال ان انسب التقنيات النووية لمصر في مجال الطاقة النووية هو الماء المضغوط وهو ينتج في اميركا وفرنسا والمانيا وروسيا كما أثبتت دراسات حديثة ان مياه أسوان هي الافضل في العالم لانتاج الماء الثقيل لانها تتكون من ذرتي أوكسجين بينما الماء المنتج في العالم يحتوي على ذرة واحدة ويمكن لمصر إنتاج الماء الثقيل لمفاعلاتها النووية وتصدير الفائض الى الخارج وبذلك تتجنب المشاكل السياسية الناجمة عن تخصيب اليورانيوم· ويقول د· محمود بركات -رئيس هيئة الطاقة النووية العربية السابق- ان استئناف البرنامج النووي المصري المتوقف منذ عشرين عاما ليس أمرا سهلا وتواجهه صعوبات أبرزها هجرة ثلث علماء وخبراء الطاقة النووية الى أميركا وكندا منذ توقف البرنامج كما ان الثلثين المتبقيين تركوا العمل في مجال الطاقة النووية الى مجالات أخرى ولم يعد هناك صف ثان من خبراء العلوم النووية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©