الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

الإسلام أول من أرسى حماية حقوق الطفل

الإسلام أول من أرسى حماية حقوق الطفل
14 أغسطس 2015 23:43
من منطلق مسؤوليتنا الإعلامية تجاه التعامل وقضايا الوطن. تطلق «الاتحاد» مبادرات التوعية الشهرية، وتتفاعل من خلالها مع مختلف القضايا والموضوعات التي تهم الناس في حياتهم العامة بمختلف مستوياتها ومجالاتها. ونستأنف هذه المبادرة بتناول مشروع قانون «حقوق الطفل» باعتبار أن حالة الوعي الاجتماعي التي نتوخاها هي الحصيلة المثمرة للإدراك العميق للواقع الذي نعيشه والمستقبل الذي ننتظره. أحمد مراد (القاهرة) الحلقة السابعة والأخيرة جاء الإسلام منذ أكثر من 1430 عاماً ليقرر أن للأطفال حقوقاً وواجبات، لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، وذلك قبل أن توضع حقوق ومواثيق الطفل بأربعة عشر قرناً من الزمان، وقد راعى الإسلام الحنيف جوانب متعددة لتربية الطفل منها التربية الإيمانية العبادية، والتربية البدنية، والتربية الأخلاقية، والتربية العقلية، والتربية الاجتماعية. يقول د. علي جمعة - مفتي مصر السابق: لما كان الدور الأكبر في رعاية وتنشئة الطفل تنشئة سليمة يتمثل في دور الوالدين، فقد حرص الإسلام على أن تنشأ الأسرة في الأساس بزوج تقي وزوجة صالحة، وفي ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج باختيار الزوجة الصالحة ذات الدين، فقال: «تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الزوجة باختيار زوجها على نفس المعيار والأساس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، ولا ريب في أن هذا الاختيار، وذاك الأساس من شأنه أن يعود بالنفع التام والمصلحة المباشرة على الطفل الذي يكون ثمرة هذين الزوجين الصالحين، لينشأ بعد ذلك في أسرة ودودة متحابة، تعيش في ظل تعاليم الإسلام. ومن حقوق الطفل أيضاً - والكلام للدكتور جمعة - قبل ولادته ذاك التوجيه النبوي الشريف في الدعاء عند الجماع، والذي يحفظ الجنين من الشيطان، فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضى بينهما ولد، لم يضره». الاستبشار بالمولود أما حقوق الطفل بعد ميلاده، فقد وضع الإسلام للطفل أحكاماً تتعلق بولادته، كان منها استحباب الاستبشار بالمولود عند ولادته، وذلك على نحو ما جاء في قوله تعالى عن ولادة سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام: (فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)، «سورة آل عمران: الآية 39»، وهذه البشارة للذكر والأنثى على السواء من غير تفرقة بينهما، ومن حقوق الطفل أيضاً ترديد الأذان في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى، وفي هذا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في أذن الحسن بن علي رضي الله عنهما عند ولادته، وروى ذلك عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة»، وفي الأذان والإقامة في أُذن المولود فوائد ذكرها ابن القيم، فقال: «وسر التأذين - والله أعلم - أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثيره به وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يولد فيقارنه للمحنة التي قدرها الله وشاءها، فيسمع شيطانه ما يضعفه ويغيظه أول أوقات تعلقه به، وفيه معنى آخر ألا وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان، كما كانت فطرة الله التي فطر عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ونقله عنها، ولغير ذلك من الحِكم». الحضانة والإنفاق ويؤكد الشيخ محمود عاشور - وكيل الأزهر الشريف الأسبق - أن الرسول الكريم سبق بأحاديثه الشريفة كل المواثيق والقوانين الحديثة عندما أكد أن حقوق الطفل تبدأ قبل زواج الوالدين، وذلك بحسن اختيار كل منهما للآخر، الأمر الذي ينعكس بطبيعة الحال على الطفل عندما يأتي إلى الدنيا وقد اكتسب من والديه الصفات الوراثية الحميدة، وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم»، كما وضع الإسلام الحنيف ضوابط للحفاظ على الطفل في كل مراحل حياته، وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحمل كل فرد من أفراد الأمة مسؤوليته تجاه أسرته وأبنائه، فقال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وقال أيضاً: «لأن يؤدب الرجل ولده خيراً له أن يتصدق بصاع»، ومن ثم تكون تربية الطفل في الإسلام بمثابة درجة من درجات التقرب من الله. ويقول الشيخ عاشور: من حقوق الطفل بعد ولادته العقيقة، ومعناها ذبح الشاة عن المولود يوم السابع من ولادته، وحكمها سنة مؤكدة، وهي نوع من الفرح والسرور بهذا المولود، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: «لا أُحب العقوق، ومن ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة»، ومن حقوق الطفل كذلك بعد ولادته حقه في الرضاعة، والرضاعة عملية لها أثرها البعيد في التكوين الجسدي والانفعالي والاجتماعي في حياة الإنسان وليداً ثم طفلاً، وهو ما أدركته الشريعة الإسلامية، فكان على الأمِ أن ترضع طفلها حولين كاملين، وجعل ذلك حقاً من حقوق الطفل، قال تعالى: «والوالدات يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ...)، «سورة البقرة: الآية 233»، ومن حقوق الطفل أيضاً بعد الولادة الختان، وهذا الأمر ثابت في السنة وإجماع العلماء، وهو وإن كان من سنن الفطرة إلا أن العلماء قالوا بوجوبه، ومن الأحاديث التي ثبت بها الختان ما رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الفطرة خمس، الاختتان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط». ويضيف الشيخ عاشور: ومن حقوق الطفل على أبويه كذلك حق الحضانة والنفقة، فقد أوجبت الشريعة للطفل على الأبوين رعايته والمحافظة على حياته وصحته وتربيته وتثقيفه، وقد جعلت الشريعة للأم الحق في حضانة طفلها في حالة وقوع الخلافات الزوجية حتى سن السابعة من العمر، التي يكون الطفل قد اجتاز فيها المرحلتين، مرحلة المهد ومرحلة الطفولة المبكرة، ويقرر بعدها بقاءه مع أُمه أو أبيه، وتترك له حرية الاختيار بينهما، وهذا منتهى العدل والرحمة الإلهية، وبالإضافة إلى حق الطفل في الحضانة أيضاً له الحق في النفقة، والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكن، ويضاف إلى ذلك رعايته وجدانياً، وذلك بالإحسان إليه ورحمته وملاعبته وإدخال السرور عليه، وكذلك رعايته علمياً وتعبدياً، وتعليمه الإيمان والقراءة والكتابة، والصلاة والصيام، وأعمال البر، وأخيراً رعايته سلوكياً واجتماعياً، وذلك بتعويده على الفضائل ومكارم الأخلاق، وحسن اختيار صحبته، والدعاء له وتجنب الدعاء عليه، وكذلك احترامه وتشجيعه على الصراحة بالحق. حقوق متكاملة توضح الداعية الإسلامية د. سعاد صالح - أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر - أن حقوق الطفل في الإسلام متكاملة وشاملة، وعندما حفظت الشريعة الإسلامية حق الطفل المولود في النسب المعلوم والموثق والمشهود عليه والمعلن، وحرمت إنجاب الأطفال خارج العلاقة الزوجية الشرعية، فقد حمت الأطفال من المشكلات المستقبلية التي يعاني منها المنجبون خارج إطار الأسرة الشرعية. وتقول د. سعاد: وحقوق الطفل في الإسلام تبدأ من قبل وجوده، حيث تبدأ من البحث عن أم وزوجة صالحة لحديث النبي «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وإذا وجد هذا الطفل ذكراً كان أو أنثى، كان له من الحقوق والواجبات ما يضمن له صلاحه، وعندما كان وأد البنات سنة جاهلية جاءت شريعة الإسلام بالتأكيد على تحريمه، ولما كانت البنات فيهن ضعف ووهن وعالة على الأب ولسن، مثل الذكور في القوة والإعانة، عوضت الشريعة أبا البنات بأجر عظيم، كما أنه إذا ولد المولود فإنه يجري له إجراءات كثيرة في الشريعة الإسلامية تدل على أن أمراً مهماً قد حدث، فيحتفى به غاية الاحتفاء، ويكرم غاية التكريم، فضلاً عن أن حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية حقوق كلية حرصت على الكليات والحقوق الأساسية وأجازت الاجتهاد لوضع الآليات والتفاصيل التي تحكمها المستجدات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، وفي إطار هذا حمت الشريعة الإسلامية الطفل من التبني، وتغيير العقيدة، والاسترقاق، وحفظت حقوق اللقيط والمريض وذوي الاحتياجات الخاصة، وحفظت حق الطفل في الحياة وتحريم المتاجرة في أعضائه البشرية تحريماً أبدياً، وقد أقرت الشريعة الإسلامية حقوقاً للطفل غير مسبوقة كحقه في اختيار الأم ذات الأخلاق الحميدة، وحقه في الاسم الحسن، وحقه في الإنجاب داخل الأسرة، وحقه في الرضاعة، وحقه في بيئة رحمية طاهرة، وحقه في التربية الإيمانية، وحقه في الحماية من النار والشيطان، كذلك حمت الشريعة الإسلامية حق الطفل في الوصية الحنونة الهادئة، وحقه قبل الميلاد في الميراث، وحقه في الوصية والميراث الشرعي. مداعبة الأطفال وترصد د. سعاد بعض الحقوق الأخرى التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وكفلتها للطفل من أبرزها التأذين في أذن المولود، وتحنيك المولود، والتحنيك هدي نبوي كريم شرع للمولود عقب ولادته ومعناه تليين التمرة حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ويفتح فم المولود، ثم يدلك حنكه بها بعد ولادته، وذلك لتقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك والفكين، وتسهيل عملية خروج الأسنان حتى لا يشق على الطفل، بالإضافة إلى رضاعته من ثدي أمه، وهي حق من الحقوق الشرعية للطفل، وهو ملقى على عاتق الأم وواجب عليها، وبعد ذلك يأتي الفطام التدريجي وغير المفاجئ، فلا يفطم الطفل فجائياً إلا في حالتين فقط وهما لضرر قد يصيب الأم أو الطفل بسبب الرضاعة ويقول بذلك طبيب مسلم موثوق في أمانته، وأيضاً النفقة، فمما جاءت به الشريعة وأوجبته في حق المولود على الوالد النفقة عليه حتى يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى، فقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل دينار ينفقه الرجل دينار على عياله». وتقول د. سعاد: ومن الحقوق الأخرى التي أقرها الإسلام للأطفال معانقتهم وملاعبتهم وتقبيلهم وملاعبتهم فقد قبل النبي الحسن وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع: «إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله، فقال: «من لا يرحم لا يُرحم»، كما لا يجوز الدعاء على الولد ولا لعنه ولا سبه، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، وإذا استجنح الليل فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم». النموذج المثالي تربية الطفل في الإسلام تتمثل في تنمية ملكاته وقدراته من أجل بلوغ كماله النفسي والعقلي، والهدف منها هو إنشاء جيل على نهج النبي والصحابة الكرام يعتقدون معتقدهم وينهجون نهجهم في أقوالهم وأفعالهم وسمتهم، ويتمثل دور الأبوين في التربية في توفير النموذج المثالي أمام عين الطفل وأهم نموذج بالنسبة للطفل هما الأبوان، فالصحيح عندهم صحيح عنده، والخطأ عندهم خطأ عنده. الأطفال الأيتام تستعرض د. عفاف النجار - أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية - حقوق الأطفال الأيتام في الإسلام، موضحة أن الأطفال اليتامى في المجتمع الإسلامي فئة مكفولة، حيث توصي الشريعة الإسلامية بكفالة الطفل اليتيم وتقديم كافة أوجه الرعاية له سواء فيما يتعلق بالجوانب المادية أو المعنوية، ويتضح ذلك من خلال توجيه الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)، «سورة الضحى: الآية 9»، والقهر هنا يعني التكليف بما لا يطيق لذا يجب علينا أن نبتسم في وجه اليتيم ونرعاه رعاية متكاملة، ولعل من أهم ما يمكن أن نقدمه لليتيم هو الحرص على تعليمه، وتوفير له الحرفة أو الصنعة التي تحفظ ماء وجهه وتصون حياته، ولقد ورد أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جيء إليه بلقيط فما كان من عمر إلا أن بين الحقوق التي تجب لهذا الطفل، فقال: «هو حر» أي أثبت له الحرية، ونفى عنه الرق والعبودية لغير الله تعالى، ثم قال: «ونفقته علينا» أي من بيت مال المسلمين. وتوضح د. عفاف أن كفالة الطفل اليتيم تعد من الأمور الاجتماعية التي تعود بالخير على فاعلها، فقد أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه قسوة قلبه ويسأله أمراً يعالج به هذه القسوة، فقال النبي: «أمسح رأس اليتيم بيدك فإن لك بكل شعرة تمر عليها حسنة»، كذلك بين القرآن الكريم أن الذين يعاملون اليتامى بغلظة فهم على حافة الهاوية فقال الله تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)، «سورة الماعون: الآيتين 1 - 2»، فالنظرة الغليظة والقاسية لليتيم هي إشارة إلى أن فاعلها لا يؤمن بيوم الدين. وتقول: لقد خصص الإسلام الحنيف لرعاية الأطفال اليتامى ثواباً عظيماً، فهو بمثابة جسر للجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من يفتح باب الجنة إلا أن تأتي امرأة تبادرني فأقول لها: مالك ومن أنت؟.. فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي»، كما يقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة»، وأشار بالسبابة والوسطى، وفي المقابل حذر الإسلام من الاعتداء على حقوق الأيتام فقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)، وكل هذا يدل على مكانة كافل الطفل اليتيم عند الله تعالى، ومدى كبر أجره وثوابه حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيوت المسلمين بيت فيه يتيم ويساء إليه»، ورعاية اليتيم تعني قيام الراعي له بكل ما يصلحه في دينه ودنياه مثل إطعامه، وكسوته، وتربية بدنه وقلبه، وروحه وتعليمه العلوم النافعة والمعارف المفيدة وتوجيهه للأخلاق الحميدة، والشفقة عليه والتلطف به، وتأديبه وصقل قدراته وإرشاده إلى الميول الحسنة، وتدريبه على تخطي مصاعب الحياة أو تعليمه صنعة أو حرفة يتعيش منها إن كان فقيرا، قال تعالى: (... وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ...)، «سورة البقرة:الآية 220»، وقد أمر المولى عز وجل الإنسان بعبادته وقرنها بالإحسان لأفراد خاصين قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)، «سورة النساء: الآية 36». حقوق الطفل المعاق يؤكد د. نصر فريد واصل - مفتي مصر الأسبق - أن الإسلام يكفل للطفل المعاق العديد من الحقوق، ولابد وأن يتمتع بها، وهذه الحقوق تتمثل في اعتبار أن الطفل المعوق من البشر، والله سبحانه وتعالى قد كرم البشر، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ...)، «سورة الإسراء: الآية 70»، وأولئك الأطفال المعوقون هم أخوة مؤمنون يمثلون عضواً من الجسد المسلم، وقد أُصيب ذاك العضو واشتكى، فكان لابد من تجاوب بقية الجسد معه، وذلك من منطلق البر والإحسان الذي دعا له الله تعالى في قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ...)، «سورة النحل: الآية 90»، وكذلك قوله: (... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ...)، وإذا كان البر والإحسان مطلوبين مع جميع الناس، فإنهما يكونان أكثر طلبا مع من يحتاج إليهما مثل ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن ثم يكون الثواب المترتب على الإحسان والبر مع الأطفال المعاقين أكثر منه مع غيرهم. ويقول د. نصر فريد واصل: الإسلام يعتبر الطفل المعوق من ذوي الحاجات، وقد رغب في قضاء الحوائج، وقد وردت في هذا المعنى نصوص عديدة، منها: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقان يحبهما الله، وخلقان يبغضهما الله، فأما اللذان يحبهما الله فالسخاء والسماحة، وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الخلق والبخل، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء حوائج الناس»، وأيضاً عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال». وأوجب الإسلام على المسلم القادر الإنفاق على قريبه المحتاج، سواء كانت حاجته بسبب فقر أصلي أم طارئ، كما رتب وعيداً شديداً على أهل كل حي أو قرية أو مدينة قصرواً تجاه المحتاجين، فعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى، وبريء الله تعالى منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى». ويؤكد د. نصر فريد واصل أن استثناء الطفل المعوق من بعض الأحكام الشرعية فيه دلالة على وضعهم الخاص الذي يستدعي استثناءهم في تعاملات العباد مع بعضهم، وفي علاقتهم معهم، فقد ورد ذلك في عدة مواطن، ومنها القتال، قال تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيما)، «سورة الفتح: الآية 17»، فالمبتلى بشيء في أعضائه أو حواسه، فحكمه حكم المريض الذي يجوز له أن يصلي قاعدا أو على جنب إن لم يستطع. التربية الشاملة يوضح د. أحمد عمر هاشم - عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر - أن أهم الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل تتمثل في ضرورة أن ينشأ في أسرة تطبق تعاليم الله، فتترسخ مبادئ الإسلام في قلبه، فينشأ محباً للإسلام مطبقاً لتعاليمه، ولقد أولى الإسلام عناية خاصة بتربية الأطفال، وهي عملية بناء وإصلاح ورعاية حتى التمام، والتربية فريضة في حق الآباء، وهي مسؤولية وأمانة لا يجوز التخلي عنها، وقد أمرنا الله أن نحمي أنفسنا وأبناءنا من النار يوم القيامة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، «سورة التحريم: الآية 6»، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حليماً في تعليم وتربية الأطفال، وروى عمرو بن سلمة قال: «كنت غلاماً في حجر رسول الله وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك. فما زالت تلك طعمتي بعد»، ولا بد للقائم على عملية التربية البعد عن الغضب لما له من آثار سلبية على نفسية الطفل، وهذه من وصية النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله رجل أن يوصه، فقال له: «لا تغضب» وكرر عليه ذلك مراراً. هذا فضلاً عن الرفق واللين وهما صفتان أساسيتان في عملية التربية، فالطفل الصغير يحتاج إلى الرفق أكثر من الشدة، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه». ويضيف: وإذا كانت التربية من أهم حقوق الطفل في الإسلام، فإن الدين الحنيف لم يقتصر فيها على جوانب العبادة والأخلاق، بل امتد ليشمل الجانب العقلي والاجتماعي والبدني، فهدف الإسلام أن يخرج طفلاً سوياً ينمو عقله مع جسده، وتنمو كذلك أخلاقه مع علاقاته الاجتماعية، فالمقصود بالتربية البدنية هي الاعتناء بالجسم، وذلك ليكون سليماً، وبالإضافة إلى الاهتمام بالعضلات وبالحواس، يجب الاهتمام بالطاقة الحيوية المنبثقة من الجسم والمتمثِّلة في مشاعر النفس، وطاقة الدوافع الفطرية والنزعات والانفعالات، حيث يراعي الإسلام أمرين مهمين، الأول مراعاة الجسم من حيث هو جسم يحتاج إلى الغذاء الجيد والمسكن الصحي، والراحة والنوم الجيد والحصانة من الأمراض، والثاني توفير الطاقة الحيوية اللازمة لتحقيق أهداف الحياة، وهي أهداف تشمل كيان الإنسان كله. رعاية البنات تقول د. آمنة نصير - العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر: عني الإسلام بحقوق الطفل عناية كبيرة، وتبدأ هذا العناية بعدة مراحل سابقة على ولادة الطفل، قال تعالى: (للَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)، «سورة الشورى: الآيتين 49 -50»، وقال صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة»، ويدعو الإنسان قبل وجود الطفل بقوله: (... رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء)، «سورة آل عمران: الآية 38»، فإذا وُجد هذا الطفل ذكراً كان أو أنثى؛ كان له من الحقوق والواجبات ما يضمن له صلاحه، ولما كان يلحق البعض من العار بالبنات وكان وأد البنات سنة جاهلية، جاءت شريعة الإسلام بالتأكيد على تحريمه وهو من الكبائر (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، «سورة التكوير، الآيتين 8 - 9»، وهو سؤال توبيخ لمن وأدها، وكانت المرأة عند الولادة تأتي إلى الحفرة ومعها القابلة فإن كانت أنثى استخرجتها فرمتها في الحفرة مباشرة، وأهيل عليها التراب، وإن كان ذكراً أخذوه، ولما كانت البنات فيهن ضعف وهن عالة على الأب ولسن مثل الذكور في القوة والإعانة، عوضت الشريعة أبا البنات بأجر عظيم، وقد ولد للنبي صلى الله عليه وسلم أربع من البنات رضي الله عنهن، ولما ولد لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله بنت قال: «الأنبياء آباء البنات»، وقد جاء في البنات أنهن من الأبواب الموصلة إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا «وضم إصبعيه». كما قال عليه الصلاة والسلام: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن، من جزته «يعني من ماله وغناه» كن له حجاباً من النار يوم القيامة». حقوق الجنين وتضيف: ومن حقوق الطفل حمايته من الإجهاض، وهو في بطن أمه لأنه روح لا بد أن تحترم فمن الواجب رعايته رعاية تامة، وأوجب الإسلام على الأب أن يقوم بالإنفاق على أم الجنين، قال تعالى: (... وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ...)، «سورة الطلاق، الآية: 6»، وجعل الإسلام للجنين الحق في الميراث إن توفي عنه والداه، وعدم توزيع التركة ليعلم هل هو ذكر أم أنثى، وشرع الدين الحنيف لحفظ الجنين بعدم إقامة الحد على أمه الزانية إلا بعد وضعه، بل ورضاعته حتى يستطيع الأكل والشرب والاعتماد على نفسه، ففي صحيح مسلم: جاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني فردها إلى أهلها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ماعزا فوالله إني لحبلى، قال النبي: «فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدته أتت بالصبي في خرقة، قالت: هذا وقد ولدته، قال النبي: «اذهبي فارضعيه حتى تفطميه»، فلما فطمته أتت بالصبي وفي يده كسرة خبز فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته وأكل الطعام، فدفع بالصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر الناس فرجموها، وقال عنها النبي: «فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مكس لغفر له، ثم أمر بها فصلى عليها فدفنت». نفقة واجبة وتتابع د. آمنة: لقد ألزمت الشريعة الإسلامية الأب بتحمل نفقة ابنه الصغير بجميع أنواعها، وجعلت للطفل نفقة واجبة على الدولة في حالة عدم وجود عائل له من أصلابه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى من كل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا أو ضيعة فعلي ومن ترك مالا فلورثته»، وبذلك حمت الشريعة الإسلامية الأطفال من الفقر والمجاعات والبيع بسبب الحاجة. أما على من تجب نفقة الطفل بالغصب فهي تجب على الأقرب فالأقرب، وقد اتفق الفقهاء على أن الطفل إذا كان له مال فنفقته في ماله، وإذا كان ماله لا يكفيه وجب على المسؤول على نفقته استكمال ما يكفيه، لقول الله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ...)، «سورة الإسراء: الآية 26»، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فان فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك»، أيضا يقول صلى الله عليه وسلم: «يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك»، وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على حق الطفل في أن يعيش بعيدا عن الفقر والمجاعة والالتجاء إلى التسول. التسمية الحسنة يوضح مفتي مصر السابق: من حقوق الطفل كذلك عند ولادته حقه في التسمية الحسنة، فالواجب على الوالدين أن يختارا للطفل اسماً حسناً ينادى به بين الناس، وأوجب الإسلام أن يحمل الاسم صفة حسنة أو معنى محمودا، يبعث الراحة في النفس والطمأنينة في القلب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم»، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسمي أبناء أهله وأقاربه وأصحابه، ويتخير لهم الأسماء الحسنة والجميلة، كما أحب صلى الله عليه وسلم الأسماء التي تحمل معنى العبودية لله، والأسماء التي تحمل معاني الخير والجمال والحب، وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©