الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رحلة شهر البصل

رحلة شهر البصل
6 يناير 2008 00:30
هل هذا مظهر رجل عاد لتوه من رحلة شهر العسل؟ والله لا أصدق عيني، منظره مشوش يبدو عليه التعب والإرهاق، مع شيء من البهدلة التي لم نعهدها من قبل في مظهره· إنه أصغر إخوتي، العزيز المدلل لدى العائلة كلها، ميزه الله بالوسامة والجمال وخفة الدم· أنهى دراسته الجامعية وعمل بوظيفة ممتازة، فصرنا ننظر إليه بإعجاب وفي دواخلنا سؤال واحد، من يا ترى سعيدة الحظ التي ستحظى بشاب رائع مثله؟ عرضنا عليه الزواج فأخبرنا أنه سيختار عروسه بنفسه· وهذا ما حدث، فلِمَ عاد من شهر العسل وكأنه إنسان آخر؟ كان كئيباً محطماً، اختفى بريق عينيه وفارقت الابتسامة شفتيه، صار مهملاً لمظهره، ماذا فعلت تلك المرأة به؟ تركته فترة ليختلي بنفسه، ثم طلبت منه أن يزورني فاستجاب لي، أنا أخته الكبرى وقد اعتاد أن لا يخفي عني شيئاً· صارحني بمعاناته مع عروسه في رحلة شهر البصل، كما أحب أن يسميه، كم تأذيت وأنا أستمع لحكايته، فهو قريب إلى قلبي كثيراً، لقد ربيته منذ كان طفلاً في الرابعة من عمره، لم أتعامل معه كأخت كبيرة وإنما ارتبطت معه بصداقة جميلة كانت أساساً صحيحاً في تعاملنا الأسري، فنحن عائلة من الأصدقاء المقربين لبعضنا، وهذه نعمة عظيمة منَّ بها الله علينا· وعندما حدثني عن قصة حبه لفتاة جميلة وغنية تعمل معه بنفس المكان، وعن تعلقه الشديد بها وبرودها تجاهه وعدم تجاوبها معه، خففت من قلقه وأخبرته أن عدم تجاوبها لا يدل على عدم رغبتها في الارتباط وإنما يدل على أصالة البنت وحسن تربيتها، فاقتنع بتلك الفكرة وسعى جاهداً لكسب موافقتها على الارتباط به، وقد بذل المستحيل في سبيل ذلك حتى تفضلت وأعطته موافقتها الميمونة· كان يومها سعيداً وكأنه سيطير من شدة الفرح، وقد أسرعنا وقتها للذهاب إلى أهلها وإجراء مراسيم الخطبة قبل أن تتراجع عن رأيها·الأسرة كانت ترفل بمظاهر الثراء، ولاحظنا منذ البداية نظرة التعالي والترفع مرسومة على وجوه نساء تلك العائلة فظننا أنها صفة خلقية وليست سلوكاً أخلاقياً سببه الشعور بالكبرياء، فعائلتنا معروفة وعريقة، الفرق الوحيد هو المال، وهل يحق لأصحاب المال أن يتعالوا على غيرهم؟ ذلك غير معقول فالمال يجيء والرزق بيد الله وحده يهبه لمن يشاء·عموماً كنا حريصين على عدم إثارة الجدل والمشاكل ليقيننا بأن هذا الشاب مسلوب القلب وهو لا يتخيل عدم الارتباط بتلك الفتاة تحت أي ظرف من الظروف·تم كل شيء على أحسن وجه، وقد ساهم جميع أفراد العائلة بمبالغ كبيرة لإنجاح العرس والظهور بالمظهر الذي يليق أمام تلك العائلة، بصراحة فعلنا أشياء غير مقتنعين بها إطلاقاً فقط من أجل أخينا الذي نحبه ولا نطيق عدم رضاه بأي شكل من الأشكال· الرحلة القصيرة بعد انتهاء العرس سافر العروسان في رحلة شهر العسل والتي كان من المقرر أن تطول لمدة ثلاثة أسابيع، فوجئنا بعودتهما بعد أسبوعين فقط، العروس عادت لمنزل ذويها، وأخونا كان منهاراً محطماً وتعيساً للغاية· طلبت منه تفسيراً لما حدث فصار يحدثني بأمور لم أتصور حدوثها بشكل مبكر وفي شهر العسل بالذات·· قال لي: لقد أخطأت خطئاً كبيراً في اختياري·· للأسف هذه هي الحقيقة، فهذه الإنسانة رائعة الجمال ليست سوى تمثال جامد لا إحساس له أبداً، مخلوقة عجيبة وغريبة لم يكن يخطر ببالي أبداً أن أصادف مثلها في حياتي· تصوري أنها ظلت تشعرني بأنني غير جدير بواحدة مثلها، كانت تتعامل معي بمنتهى الكبرياء والتعالي، وتبدي علامات القرف بمجرد اقترابي منها، أحياناً تنتقد العطر الذي أستخدمه، وأحياناً تنتقد طريقتي في الكلام وهي أيضاً غير راضية عن شكلي وذوقي في اختيار الملابس، لقد حطمتني نفسياً من كثرة تعابيرها الدالة على أنها تقرف مني ومن كل شيء يخصني، كم أكره هذا الشعور·· لم أتصور أبداً أنني إنسان يقرف منه الآخرون، لقد حطمتني وداست على كبريائي ومسحت بمعنوياتي الأرض في أيام قليلة كانت أثقل على صدري من الجبال· لم تقبل أن نخرج سوياً لتناول الطعام في المطاعم، لأنها تتهمني بأنني لا أعرف الاتيكيت وأسبب لها الفضيحة إذا أسأت التصرف، لا أدري من أين جاءت بهذه الأحكام مع أنها لم تخرج معي سابقاً، وهي تصر دائماً على تناول طعامها في غرفة الفندق على راحتها وهي تطلب مني الخروج من الغرفة معظم الأوقات· إنها مخلوقة غريبة لا يمكن أن يحبها إنسان أبداً، تصوري أنها تخرج معي فقط عند رغبتها في التسوق، كي أدفع الحساب وأحمل لها الأكياس وكأنني موظف حقير أعمل لديها· والأغرب من هذا كله هو أنها تشتري الأشياء المرتفعة الأثمان بشكل غير معقول وهي تعلم أنني مجرد موظف ولست تاجراً أو مليونيراً، حقيبة بسبعة آلاف درهم، حذاء بثلاثة آلاف، تنورة بألفين، ساعة بخمسة وعشرين ألفاً، وهكذا·· حتى أتت على كل ما أملك واضطرتني لاستخدام بطاقة الفيزا حتى صرت مديوناً للبنك بمبالغ كبيرة، وعندها أخبرتها أنني لن أخرج معها في رحلة التسوق الكريهة التي تتفضل بمرافقتي خلالها· فغضبت غضباً شديداً وطلبت مني تطليقها، ثم اتصلتْ بأهلها وطلبت منهم تغيير الحجز للعودة إليهم، وأخبرتهم بأشياء غير صحيحة عن سوء تعاملي معها وعن بخلي وقلة ذوقي· صدقيني لقد كرهتها كرهاً شديداً وكرهت نفسي أكثر لأنني لم أتأكد من حسن أخلاقها وكل ما شغلني هو انجذابي لجمالها، إنه جمال خادع يخفي خلفه شخصية بشعة لا تُعاشر ولا تطاق· تفهمت مشاعره جيداً وتعاطفت معه كثيراً، ولكني لم أسرف في إظهار اشمئزازي منها رغم كل ما سمعته، فالمسألة لا يمكن أن تؤخذ بردود فعل غير مدروسة، والفشل في الزواج ستكون له آثار نفسية كبيرة على أخي، خصوصاً أنه لم يكمل سوى أسبوعين فقط، طمأنته إلى أنني سأحاول حل مشكلته بحكمة وعدم تسرع كي تكون الخسائر أقل ما يمكن·نظر إليّ وبريق دمعة حزينة كئيبة تملأ عينيه ثم قال لي: أرجوك لا تجبريني على العيش مع مثل هذه المخلوقة، أنا لا أريدها، لقد كرهتها، هل تفهمين ما أقول؟ لا أستطيع حتى مجرد النظر لوجهها من جديد، أريد أن أتخلص منها، إنها كابوس رهيب أريد أن ينتهي من حياتي بأي شكل، لا تفكري بكلام الناس فأنا لا يهمني أحد، ولا تفكري بالخسائر المادية فأنا مستعد للعمل ليلاً ونهاراً كي أسدد كل ما عليّ للبنك·· كما أنني سأسدد كل مساهمات أفراد عائلتنا، المهم لديّ هو التخلص من هذه المخلوقة وأن تخرج من حياتي إلى الأبد، صدقيني سأحرص على نقلي إلى فرع بعيد من أفرع الشركة كي لا أضطر لرؤيتها ولو من بعيد·طلبت منه أن يهدأ وأن يثق بطريقتي في معالجة المشكلة، وأكدت له أنني أخته وأمه التي ربته وأنني لن أسمح أبداً أن يصيبه أي أذى· بقيت أتحدث معه حتى هدأ وارتاح باله ومضى إلى بيته الذي كان قد أعده لاستقبال تلك العروس الخائبة بعد عودتهما من شهر البصل·طلبت المشورة من باقي أفراد العائلة· كانت وجهات النظر متباينة لكن الجميع كان متعاطفاً معه ولا أحد يريد الضغط عليه أو إكراهه على ما لا يرغب، وقد فوضوا إليّ مهمة التصرف بهذه المشكلة بعد أن ساهموا بآرائهم ومقترحاتهم المفيدة· الطرف الآخر قررت التحدث مع زوجة أخي لأعرف وجهة نظرها· ذهبت إليها وجلسنا سوياً جلسة مصارحة، سألتها في البداية: هل تفكرين بالطلاق؟ قالت: لم أتزوج كي أُطلق، ولا أدري لمَ كرهني زوجي مع أنني لم أخطئ معه، كنت على سجيتي أقول كل ما يخطر ببالي وأتصرف على طبيعتي كما تعودت دائماً في حياتي، ولكني كنت أجده معرضاً عني منكمشاً على نفسه، لم أعد أفهمه لأنه أصبح عصبياً متوتراً بلا سبب· شعرت بأنها صادقة في كل ما تقوله·· لأنها لم تجد من ينصحها ويعلمها كيفية التعامل مع زوجها لتكسبه ولا تنفره منها، أخبرتها أن من الخطأ إبداء علامات النفور عندما يقترب منها، وأفهمتها أن هذا لا يدل على عفتها وإنما يدل على قلة الذوق منها، كما أنه من الخطأ انتقاد الزوج في لبسه وطريقته في الأكل وعطوره التي يستخدمها، إن هذا كله يؤدي إلى شعوره بأنها لا تحبه، ثم أفهمتها أنها يجب أن تتغير بعد الزواج فتكون مشترياتها على قدر ميزانية الزوج فلا تغرقه في الديون منذ البداية· فأخبرتني أنها تملك المال الكافي لتشتري ما تريد، وأنها كانت تخشى أن تدفع بدلاً منه فيصاب بالإحراج، فأخبرتها أن زوجها مسؤول عن توفير الاحتياجات الأسرية ضمن حدود إمكانياته، أما إذا أرادت أن تشتري لنفسها أشياء تفوق طاقته فالأفضل أن تدفع من مالها الخاص لأنه غير مسؤول عن تلك الأشياء· أخيراً وبعد حوار طويل بيننا عرفت أنها تريد أن تجرب حظها معه من جديد، وأن تحاول معالجة الأمر وفق نصائحي وإرشاداتي، لأنها لا تريد أن تكون مطلقة وفاشلة منذ بداية زواجها، فأخبرتها أن لديها الفرصة إن تنازلت وذهبت إلى بيتها بنفسها، حيث تلتقي بزوجها وتبذل الجهد لكسبه من جديد· تراجعت قليلاً وهي تفكر بصعوبة الموقف، ولكنني شجعتها فقررت الذهاب وكسر الحواجز التي ستؤدي إلى خسارتها لزوجها· بقيت أنتظر اتصالاً منها أو منه ويدي على قلبي، أدعو ربي أن يوفقهما وأن تنجح حياتهما الزوجية بعد ذلك التراجع المبكر الذي حدث في أول المشوار· كم كانت سعادتي عندما دخل الاثنان وهما ضاحكان ومستبشران وكأنهما عصفوران رائعان من عصافير الحب والجمال· قبلاني وشكراني على موقفي معهما، حمدت ربي كثيراً بعد كل ما حدث وشكرته لأنه أعاد لأخي حياته الزوجية وثقته بنفسه وابتسامته الحلوة الصافية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©