الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمل عراقي... وسَط مصاعب سياسية!

أمل عراقي... وسَط مصاعب سياسية!
8 أغسطس 2012
كيفين سوليفان بغداد بعد سبعة أشهر على مغادرة آخر جندي أميركي للعراق ينتاب العراقيون شعوراً بالتفاؤل قد لا يتوقعه المراقبون بالنظر إلى سنوات العنف العصيبة التي عانى منها العراقيون والأهوال الكثيرة التي مرت عليهم طيلة العقد الماضي. ولعل ما يعكس هذا التفاؤل الجارف التغير الواضح في المشهد العراقي حيث تنتشر مشروعات الإسكان المختلفة، تتخللها مراكز التسوق الحديثة، والمستشفيات الجديدة التي تبرز من تحت أنقاض السنوات المنصرمة. كما أن المحلات التي أغلقت أبوابها سابقاً، تجدد نفسها اليوم لاستقبال الزوار، فيما أكشاك بيع المثلجات تنتشر في كل مكان، ومعها الحافلات من طابقين التي كانت تجوب شوارع بغداد. لكن رغم هذا التقدم الملحوظ الذي يستشعره العراقيون، ما زالت أعمال العنف الدامية تهز العاصمة ومناطق عراقية أخرى بين الفينة والأخرى، لتعيد إلى الأذهان مشاهد الرعب التي سادت العراق قبل سنوات. فمع أن نسبة العنف تراجعت بصفة عامة مقارنة بما كانت عليه بين عامي 2006 و2007، ما زال الناس يسقطون في انفجارات القنابل المفخخة، وإطلاق الرصاص، وكانت آخر تلك العمليات ما جرى في 23 يوليو الماضي عندما أوقع انفجار أكثر من مائة شخص. بيد أن أعمال العنف تلك لم تمنع تنامي إنتاج النفط وبالتالي تصاعد إيراداته التي عادت إلى مستويات ما قبل غزو الكويت عام 1990. وإن كانت المداخيل المتزايدة لم تنعكس بعد على أرض الواقع، حيث ما زالت الخدمات الأساسية في حالة سيئة، خاصة فيما يتعلق بالمدارس والمياه النظيفة، وخصوصاً نقص الكهرباء في بلد تصل فيه درجات الحرارة مستويات قياسية. ويزيد من تعقيد الحالة العراقية الوضع السياسي المضطرب الذي يعيش على وقع الأزمات والصراعات المستمرة، فالحكومة التي يرأسها نوري المالكي تبقى، بحسب المنتقدين وجماعات حقوق الإنسان، غير فعالة، بل تميل أكثر نحو تكريس السلطة في يد المالكي وتبنّي أساليب قمعية تجاه المعارضة. وفي العديد من الحوارات التي أجريت مع عراقيين خلال الصيف الجاري، يرى الكثير منهم بأن حياتهم كانت أكثر ازدهاراً وأماناً في عهد صدّام حسين وقبل الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. وحتى الذين عبروا عن امتنانهم لإطاحة صدّام كانوا أكثر فرحاً بمغادرة القوات الأميركية للعراق. وفيما تمحو رمال الصحراء الحارقة آثار قدم آخر جندي أميركي ترك العراق، فإنه يمكن رصد حالة البلد من خلال جملة من المشاهدة التي تتوزع على أكثر من مكان سواء في الشوارع أو الأسواق أو القرى والمزارع... ففي بغداد مثلا، ورغم مظاهر العمران الجديدة التي تؤثث المكان، فإنها ما زالت مدينة شبه عسكرية تنتشر فيها نقاط التفتيش التي يحرسها جنود يحتمون وراء أكياس الرمل المرصوصة والرشاشات التي تطل على المارين. كما أن العديد من الأحياء ما زالت مقفلة أو تعترض شوارعها الحواجز الخرسانية الضخمة التي تمنع مرور السيارات. لكن بغداد هي أيضاً مدينة المشروعات الجديدة، حيث يظهر مبنى من ثمانية طوابق هو "مول بغداد" الذي تشيده شركة تركية، وعلى مقربة منه يوجد "ماكسمول"، سلسلة المتاجر الضخمة التي تجتذب آلاف الزوار. هذا بالإضافة إلى معارض بيع السيارات الجديدة، وأماكن الترفيه الراقية. وبعد حوالي عقد من التواجد الأميركي في العراق، من الطبيعي أن ينعكس ذلك على ثقافة الناس وسلوكهم، لاسيما شريحة الشباب التي ترتدي القمصان القصيرة وسراويل الجينز الضيقة، بالإضافة إلى مطاعم الوجبات الأميركية الخفيفة. ويمكن رصد جيل كامل من الشباب يتحدث الإنجليزية بلكنة أميركية ويهوى الثقافة الغربية. هذا المشهد يقل تدريجياً كلما اتجهنا نحو الجنوب، وتحديداً إلى كربلاء التي تبعد 60 ميلا، حيث المزارات الدينية، وأعمال العنف التي تستهدف الزوار الشيعة. وفي هذا السياق يقول "علي الموسوي"، المتحدث باسم نوري المالكي: "تسعى القاعدة ومؤيدوها إلى إشعال حرب طائفية جديدة من خلال استهداف الزوار الشيعة". غير أن هذه الاتهامات التي يكررها المسؤولون العراقيون ويحمّلون فيها مسؤولية العنف للجماعات المتشددة، لا يمكن أن تخفي الدور الذي يلعبه الواقع السياسي العراقي في تأجيج استياء فئات واسعة من العراقيين، فحكومة المالكي هي بالأساس تحالف فضفاض يضم، بالإضافة إلى مكونه الأساسي من الأحزاب الشيعية المتحالفة، أطيافاً من السنة والأكراد. كما أن تعهدات المالكي باقتسام حقيقي للسلطة لدى مفاوضات تشكيل الحكومة لم تتحقق بعد، حيث ما زال رئيس الوزراء يتولى وزارات الأمن القومي والداخلية، كما أنه لم ينتظر طويلا بعد مغادرة القوات الأميركية حتى بدأ يطارد الخصوم، إذ لم يمر أسبوع حتى وجه اتهاماته إلى نائب الرئيس، طارق الهاشمي، بالتورط في أعمال إرهابية، ودفعه إلى مغادرة العراق. هذا بالإضافة إلى قيامه باعتقال خصومه السياسيين. إن هذا النزوع لدى المالكي نحو تكديس السلطات بيده، جعل التحالف مع الأكراد والصدر يتململ، مطالبين بإقالته. هذا دون أن ننسى حالة الفساد المستشرية، حيث يشتكي الناس من ذيوع الرشى على جميع الصعد، سواء للحصول على وظيفة أو لتخليص المعاملات والفوز بالعقود الحكومية، ليحتل العراق بذلك المرتبة 175 في قائمة الدول 183 الأكثر فساداً التي وضعتها منظمة الشفافية الدولية. لكن وسط هذا الوضع السياسي العراقي غير السليم، يشهد الجانب الاقتصادي تطورات إيجابية بعدما نما الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 9.9 في المئة بحلول 2011، ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه ليبلغ السنة الجارية نسبة 11.1 في المئة، و13.5 في السنة المقبلة، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. وهو ما يجعل العراق أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم متجاوزاً حتى الاقتصاد الصيني. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©