الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السيرة المكتومة..

السيرة المكتومة..
17 أغسطس 2011 23:12
من أهم الكتب الصادرة في تونس إثر الثورة، كتاب باللغة الفرنسية بعنوان Ben Ali leripou “بن علي الفاسد” يكشف فيه مؤلفه البشير التركي أسرارا كثيرة عن سيرة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وشخصيته، ومواقفه، وتورطه في الفساد، وانغماسه بجمع الأموال وتهريبها، وشرائه الذمم، وتعامله مع أجهزة مخابرات أجنبية وإسرائيلية. كما عرى المؤلف الاخطبوط الذي كونه الرئيس المخلوع للتستر على جرائمه حتى انه أصبحت تونس تحكمها عصابة “مافيا” تديرها زوجته وإخوتها وأصهارهما. يقول المؤلّف إنه اصدر هذا الكتاب للتاريخ ثم لكي يفتح الشباب عينيه جيدا حتى يكون قادرا على “نزع الدودة من الفاكهة دون الانتظار حتى تفسد”، وهو يجزم بعد كشفه عن عدم كفاءة بن علي وضحالة مستواه التعليمي والثقافي إن قدر الأمة مهما كان نظامها السياسي يجب أن يكون بين أيدي ساسة لهم خبرة وكفاءة وتجربة ومن ذوي المبادئ والأيادي النظيفة. يروي أحد الفصول ان ابن علي تزوج في شبابه عندما كان موظفا بسيطا في الجيش التونسي من نعيمة، وهي ابنة الجنرال الكافي، وهذه المصاهرة هي التي فتحت أمامه آفاق الترقية في الجيش ليصبح المسؤول الأول عن المخابرات العسكرية بعد دورات تدريبية في فرنسا والولايات المتحدة الامريكية. وأنجب بن علي من زوجته الأولى غزوة ودرصاف وسيرين وثلاثتهنّ متزوجات من رجال أعمال أثروا كلهم بفضل هذه المصاهرة واستولوا على الأملاك والأموال والشركات بشكل غير قانوني. قصة ليلى ورفع الكتاب الستار عن قصة تعرف الرئيس المخلوع على زوجته الثانية ليلى الطرابلسي، ففي الفترة التي كان يشغل فيها منصب مدير عام الأمن الوطني جاءته إلى مكتبه في وزارة الداخلية طالبة مساعدته على استخراج جواز سفر جديد بعد أن أضاعت جوازها القديم، وقد تمكنت بسرعة من الحصول على مبتغاها. وليلى هي من أسرة فقيرة، فوالدها كان يملك محلا صغيرا لبيع الغلال الجافة، ولها 10 إخوة، وكانت تعمل في بدايتها سكرتيرة بشركة، كما تلقت دروسا في الحلاقة ولذلك فإن التونسيين كانوا يسخرون منها بإطلاق لقب “الحجّامة” عليها، كما أطلقوا عليها لقب “ليلى دجين” لشغفها بمشروب كحولي يحمل هذا الاسم، وهناك من يقول أن هذا اللقب يعود إلى غرامها في شبابها الباكر بلبس بنطلون “الدجينز”. والمعروف إن ليلى تزوجت لأول مرة عام 1975 وتطلقت بعد ثلاثة أعوام، وكانت بعد طلاقها امرأة حرة مقبلة على الحياة ومتعددة العلاقات، وكانت صديقة لفريد مختار وهو شقيق فتحية زوجة محمد مزالي رئيس الوزراء الأسبق، وكان مديرا لإحدى أكبر الشركات في إنتاج الحليب ومشتقاته، وقد توفي في حادث سيّارة مريب. نجحت ليلى الطرابلسي بسرعة في إيقاع بن علي في شباكها، فأجّر لها بيتا فخما وطلب منها ترك عملها لتتفرغ له، خاصة وأنه أصبح بعد نجاحه في قمع الاسلاميين وزيرا للداخلية. وعام 1992 طلق بن علي زوجته الأولى ليتزوج من ليلى، فالقانون في تونس يمنع تعدد الزوجات. وسرّع في الزواج حملها وإيهامه بأن الجنين هو ذكر، خصوصا وإن بن علي لم ينجب ذكورا من زواجه الأول. وذكر المؤلف إنه عند ولادة الطفلة نسرين حصلت بينه وبين ليلى خصومة كبيرة لكذبها عليه بادعائها كذبا انه حامل بولد، وكشف الكتاب إنه لما تولى بن علي الرئاسة عام 1987 إثر انقلابه على الرئيس الحبيب بورقيبة كانت له علاقات نسائية متعددة، وكانت ليلى كلما علمت بعلاقة له بامراة جديدة تكلف من يقوم بتأديبها. امبراطورية الفساد وقد قوي تأثير ليلى بن علي بعد أن أنجبت له إبنه الذكر الوحيد محمد زين العابدين، وأصبحت تتدخل بشكل سافر في الشأن السياسي وتعين المستشارين وحتى مديري البنوك والشركات الكبرى، وتمنح نفسها وإخوتها وأصهارها حق كل الامتيازات، وأصبح كل الوزراء يتوددون إليها لضمان استمرارهم في مناصبهم، كما انها أصبحت تتدخل لتسمية هذا الوزير أو ذاك، هذا السفير أو ذاك ممن أظهروا لها الولاء. والمؤكد أن ليلى وبعد أن تقدم العمر بزوجها وإصابته بمرض سرطان البروستات بدأت تعدّ نفسها لتتولى هي الرئاسة. فكثر ظهورها في التلفزيون، وسعى بعض المستشارين ومنهم عبد الوهاب عبدالله (مسجون حاليا) لتلميع صورتها من خلال إعطاء الأوامر للصحف والمجلات لإبراز صورها في الصفحات الاولى، وتحبير المقالات التي تمتدحها. وأصبحت تدعى بـ”السيدة الفاضلة”، كما تمّت دعوة صحافيين عرب وأجانب ضيوفا على الدولة لإجراء لقاءات معها (تسلم لهم مكتوبة)، وتم تأجير أقلام مرتزقة لتأليف كتب تمجد ليلى بن علي وتقدمها في صورة براقة ولماعة. والمؤكد ان اللبنانيّة رفيف صيداري قبضت أموالا طائلة من وكالة الاتصال الخارجي لتأليف كتاب عن ليلى بن علي، وهو كتاب محشو كله بالأكاذيب والمدح والنفخ السخيف في صورتها، في حين ان الحقيقة إنها امرأة شبه أمية تريد ان تنتقم من ماضيها ومن فقرها. وقد زاد المسعى في تلميع صورتها بعد أن تولت رئاسة منظمة المرأة العربية (تابعة للجامعة العربية)، وأصبح اسمها “رئيسة المنظمة العربية” استعدادا لتصبح ذات يوم “رئيسة الجمهورية التونسية”، وقد بدأ الحلم يداعبها بتعاون وتواطؤ من بعض المستشارين وفي مقدمتهم عبدالعزيز بن ضياء (موقوف حاليا) وعبد الوهاب عبدالله. وأسّست ليلى بن علي منظمة “بسمة” للمعاقين و”سيدة” (على اسم أمها) لمقاومة السرطان، وهي جمعيات ظاهرها عمل إنساني وباطنها جمعيات لجمع المال وإجبار المؤسسات والأفراد على التبرع بالمال. وقد ضرب المؤلف مثالا على سوء سلوك هذه الجمعيات الخيرية، إذ تم بموافقة ليلى إقامة حفلة لراغب علامة في فندق فخم لفائدة جمعية “بسمة “وتم مهاتفة كبار رجال الأعمال لدعوتهم لحضور الحفل، وإعلامهم بأن كل واحد منهم عليه أن يكون مرفوقا بصك بنكي بما يعادل 20 ألف دولار، وقد استجابوا كلهم طبعا لإرضاء السيدة الاولى. الوجه الخفي وجاء في الكتاب إن مستوى زين العابدي بن علي التعليمي والثقافي متوسط، وهو ما يفسر أنه رجل عيي في الكلام، إذ إنه لم يكم قادرا على الحديث والارتجال، وكل الخطب كانت تكتب له ويكتفي بقراءتها بعد أن يكون قد تمرن عليها. وطيلة حكمه الذي تواصل 23 عاما بأكملها لم يعقد ندوة صحفية واحدة، ولم يرتجل أي خطاب في الإذاعة أو التلفزيون، ولم يدل إطلاقا بأي حديث صحفي مباشر، وكل الأحاديث واللقاءات للصحافة المكتوبة يحررها المستشارون، ويتم تسليمها مكتوبة، ويقع الاكتفاء بلقاء بينه وبين الصحفي لالتقاط صور فقط. ولد بن علي عام 1936 بقرية “حمام سوسة”، وهي بلدة فلاحية تقع على بعد 140 كلم جنوب تونس العاصمة، واليوم أصبحت منطقة سياحية ذائعة الصيت، ويقول المؤلف أن برجه هو العذراء وبرجه الصيني هو الفأر، وقد ولد في عائلة وافرة العدد وفقيرة، ووالده وهو رجل أمي كان يعمل حارسا في مرفأ بميناء “سوسة”، وكان ينقل المعلومات كمخبر لسلطات الاستعمار الفرنسي عن نشاط المقاومين والمناضلين، وكان رجلا مدمنا على الخمر، وينفق كل ما يكسبه على ملذاته. أما حليمة أمه فكانت امرأة صبورة وشجاعة، وبفضل كدها وعملها أمكن لإبنها زين العابدين الذهاب إلى المدرسة. وعام 1949 انتقل بن علي إلى الدراسة في المرحلة الثانوية بمعهد مدينة سوسة، وكان الطفل لفقره يقطع المسافة بين بلدته والمدينة للدراسة على قدميه ذهابا وإيابا، وفي منتصف النهار يكتفي بتناول نصف رغيف خبز من الشعير بـ”الهريسة” (أي الشطة) تعدها له أمه. ولم يتمكن التلميذ من النجاح في دراسته الثانوية وقد أعاد أكثر من مرة سنته الدراسية نظرا لنتائجه الرديئة. واعتبارا للون بشرته المائلة للزرقة الداكنة فقد اطلق عليه أقرانه كنية “الأزرق”. وبقي مطرودا من الدراسة إلى ان استقلّت تونس عام 1956، وقد بدأت الحكومة الجديدة تفكر في تكوين نواة للجيش التونسي وقررت إرسال مجموعة أولى من الشبان للتكوين في مدارس فرنسية، واشترطت بالنسبة للضباط أن يكونوا متحصلين على الباكلوريا (شهادة الثانوية العامة)، أما بالنسبة للفريق الثاني فاكتفت باشتراط مستوى الرابعة ثانوي، وقد تقدم 250 شابا تم اختبار بعضهم فقط ومن بينهم زين العابدين الذي توسط له الهادي البكوش، الذي أصبح أول رئيس حكومة في عهده، متعللا بفقر أسرته المدقع، رغم أنه كان هناك اعتراض على بن علي لأن والده كان مخبرا للفرنسيين. وقد تعلل الهادي البكوش بأنه لا يجب تحميل ذنب الأب إلى شاب فقير يريد الانضمام إلى الجيش الوطني. أمضى بن علي 12 شهرا في المدرسة العسكرية “سان سير” بفرنسا، في دورة تكوينية ولم يكن مسجلا فيها كطالب بسبب مستواه الدراسي، إلا انه عندما أصبح رئيسا للدولة تم تزوير المعلومات في سيرته بالإشارة الى أنه خريج الكلية الحربية “سان سير”، كما تم تزوير معلومة أخرى بأنه شارك في معركة “سيدي يوسف” وجرح فيها. وعندما تولى بن علي منصب مدير المخابرات العسكرية أصبحت مهمته مراقبة كل العسكريين وكتابة التقارير عنهم، فكانوا بسبب ذلك يكرهونه، وكان يحرر يوميا نشرة تتضمن كل الأخبار والتقارير عن زملائه ليمررها إلى وزير الدفاع، ويذكر شاهد عيان أنها كانت أخبارا وتقارير تبعث على الضحك لأن تحريرها كان رديئا. وجاء في الكتاب أن زوجة بن علي الأولى نعيمة الكافي، واعتبارا لانتمائها إلى عائلة أرفع اجتماعيا وماديا من أسرة زوجها، فإنها كانت إذا جاء والد زين العابدين بن علي من قريته إلى تونس العاصمة للحصول منه على بعض المال، لا تدخله إلى البيت وتتركه ينتظر إبنه في الشارع. وان بن علي نفسه طلب من والده عندما زاره في مكتبه شاكيا ألا يأتي إليه مرة أخرى. دليلة ونورة من موقعه كمسؤول أول عن المخابرات العسكرية كان بن علي يتصرف في “صندوق أسود” ويحوي مبالغ مالية خارج الميزانية والمحاسبة، وهذا ما فتح أمامه آفاق الاستمتاع بهذا المال، وبدأ يكتشف متع الحياة، فقد تعرّف على امرأة اسمها دليلة كانت تنظم سهرات ماجنة في بيتها، وعندما أصبح بن علي مديرا للأمن الوطني سجنها حتى لا تذيع أسراره، وماتت في المعتقل عام 1970 بعد إصابتها بداء السل. كما كشف الكتاب عن قصة أخرى، فقد جاءت إلى مكتبه فتاة جميلة اسمها نورة، عندما كان مديرا للأمن، تعرض عليه شراء كتب وموسوعات (وكانت موظفة في الدار التونسية للنشر ومهمتها بيع بعض الموسوعات)، فانبهر زين العابدين بجمالها، ولكسب ودها اشترى منها الموسوعات التي عرضتها عليه وسرعان ما جمعته بها علاقة، ولأنه وعدها بالزواج بعد تطليقه لزوجته فإنها لم تجد حرجا في تقديمه لأسرتها. وأغرق بن علي صديقته بالهدايا، واستقالت من عملها بعد أن أصبح ينفق عليها بدون حساب (من الصندوق الأسود للوزارة) وأصبح يتردد على المنزل الذي أجره لها في السر. ثم أخذ يتردد رفقتها على باريس. وجاء في الكتاب أن بن علي لم يزر أبدا طيلة سفراته المذكورة إلى باريس أي متحف، ولم يشتر حتى كتابا، مكتفيا بالمطاعم والفنادق والحانات، ودام هذا الأمر على هذه الوتيرة إلى عام 1974، وهو العام الذي تمت فيه تسميته ملحقا عسكريا بسفارة تونس بالرباط، ففضل ألا ترافقه زوجته فزعم لها أن مهمته لن تطول وأنه سيزور تونس بانتظام، فخلا له الجو لتقيم معه عشيقته نورا في الرباط. وفي شهر مايو 1976 زار بن علي تونس في إجازة وبقيت عشيقته نورا في المغرب، فطلبت منه زوجته نعيمة أن تغتنم فرصة الإجازة الصيفية للبنات ليرافقنه إلى المغرب، وطلب بسبب هذا من نورا مغادرة الرباط بحجة إجراء إصلاحات في المنزل، وعادت نورا فعلا إلى تونس وسافرت زوجته إلى المغرب، ولأن مدة إقامة الزوجة تواصلت على امتداد أشهر الصيف، فإن العشيقة طال انتظارها، وظنا منها أن أشغال الصيانة لا يمكن أن تستمر أشهرا، فإنها بادرت بالسفر دون إعلام بن علي إلى الرباط، وقصدت رأسا المنزل وجرت مقابلة عاصفة بين الزوجة والعشيقة وعم الصراخ والهرج إلى درجة تدخل الشّرطة، ما استدعى قدوم بن علي على عجل ليطلب من نورا العودة إلى تونس، ثم اتصل بوزارة الداخلية ليطلب حجز جواز سفرها حال وصولها. ولأن للمرأة الجميلة مداخلها فقد نجحت في استرجاع جواز سفرها، ولكن كتب عليه: صالح لكل البلدان ما عدا المغرب!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©