الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاوزات الرقيب الأول

تجاوزات الرقيب الأول
17 أغسطس 2011 23:11
يقدم هذا الكتاب “أزجال الشيخ محمد يونس القاضي” جمع وتقديم د. نبيل بهجت أستاذ علوم المسرح بجامعة حلوان الأعمال الزجالية لواحد من الرواد الذين أثروا الحركة الثقافية المصرية والعربية في بداية القرن الماضي، حيث عُرِفَ كصحفي وزجال ومؤلف مسرحي وسيناريست وكاتب أغاني وأول رقيب مصري على المصنفات الفنية في تاريخ مصر الحديث، مؤلف نشيد “بلادي بلادي” الذي يردده الجميع دون أن يعرف اسم مؤلفه. بدأ الشيخ القاضي حياته صحفياً في جريدتي “المؤيد” و”اللواء”، وكتب للعديد من الصحف المعروفة آنذاك كما نُشرت أزجاله في العديد من الصحف والمجلات، كـ”السيف” و”المسامير” و”الكشكول” و”اللطائف المصورة” و”إياك” و”العروسة”، وغيرها من الصحف والمجلات التي مثلت المصدر الرئيسي الذي اعتمد عليه هذا الكتاب، ولقد لاحظ الباحث ازدياد نشاطه في النشر والتأليف في عشرينيات القرن الماضي، فقام بجمع أعماله ليقدمها للقارئ المصري، خاصة وأن تلك الفترة حملت آمال وأحلام الشعب في التخلص من الاستعمار والاستقلال في إدارة شؤون البلاد وآلامه، إذ لم تؤتِ ثورة 1919 الثمار المرجوة منها، وبدا ذلك واضحاً في رحيل وزارة سعد زغلول واستثمار إنجلترا لحادث مقتل السير لي ستاك الذي يؤكد البعض أنه من تدبيرها لفصل السودان عن مصر في عهد الوزارة السعدية، إلا أن سعد زغلول آثر أن يقدم استقالته على أن يرتبط اسمه بهذا الحدث، وخرج من الوزارة وقد حاز الإنجليز مكاسب جديدة تضاف إلى مشروعهم في تحجيم وتقليص النفوذ المصري الذي بدأ منذ محاصرة محمد علي واستمر حتى الآن. يقول الباحث في مقدمته “كان فصل السودان عن مصر عام 1924م أحد الهزائم المعنوية للحركة الوطنية والمثقفين آنذاك، فمنهم من آثر العودة إلى التراث الشعبي هروباً من الواقع المظلم وبحثاً عن حلول لأزماته، ومنهم من التزم النقد الاجتماعي في محاولة لرد المجتمع لقيمه الأساسية ومواجهة تيار التغريب الذي فرضه المستعمر آنذاك، وإن لم تَخْلُ كتاباتهم من بعض التلميحات والتعريض ببعض الشخصيات والتعليق على بعض الأحداث الجارية، وارتفعت الأصوات تنادي بضرورة إيجاد المسرح المحلي والكف عن التعريب والترجمة من الغرب، وضرورة التأليف عن البيئة المصرية والأخلاق والعادات الشرقية”. وكان الشيخ يونس القاضي من أوائل من استجاب لهذه الدعوة وتحمس لها و”لقد أشار في حواره مع مجلة المسرح الذي نشر تحت عنوان “المسرح المحلي” إلى أسلوبه ومنهجه، فيقول: “لقد كتب الأستاذ أسعد أفندي لطفي في كوكب الشرق، وحسين مسعودي أفندي في المسرح يلومونني على تقاعسي في خدمة المسرح وهذا اللوم كان أكبر مشجع لي في تأليف اثنتي عشرة رواية أخرجت منها اثنتين ولدي عشر روايات: المساواة، المعذبة، والطاعة، والمداحة، وحاجب الظُرف، والجنون فنون، والوكيل، وحلاوة البخت، بنت غلطة، وأيضاً لدي أربعة مواضيع وضعت لها النقط أو كما يقول المهندسون الكروكي.. ولو رأيت إقبالاً من جانب المسارح التي تفضل التعريب على التأليف لاستطعت أن أخرج في العام عشرين قطعة، ولكن ما حيلتي وأصحاب الفرق ينصرفون عن الموضوعات المصرية إلى موضوعات تمثل عادات أمم أخرى”. اهتم يونس القاضي بالموضوعات التي تمثل المجتمع المحلي، وتعبر عن البيئة المصرية وهو ما أكد عليه معظم نقاد عصره، حيث يعلق محمد عبد المجيد حلمي على رواية “المظلومة”، فيقول: “رواية المظلومة قطعة من الحياة المصرية ويجب أن نقول قطعة من الحياة الحقيقية، ومعنى ذلك أن الحياة المصرية ذات شعب عدة، وذات مناح مختلفة ولها أوجه عديدة، وصور مختلفة، وقد رأينا في روايات مختلفة أن الكتاب يخصون صورة من تلك الصور عنايتهم ويفحصونها فحصاً، ولكن رواية المظلومة تعطينا صورة مكبرة كثيرة الألوان للحياة المصرية في مظاهرها العديدة .....” ويعلق ناقد آخر على مسرحية “حماتي”، فيقول: “والشيخ يونس مشهود له بالتفنن في أمثال هذه الروايات، فالرجل يغوص إلى أعماق العادات المصرية البحتة، ويدرس تلك المواقف العائلية التي تقع في البيوت كل يوم ثم يقدم صورها العديدة للمسرح المصري”. ويستهل ناقد كوكب الشرق في مقاله عن مسرحية “ كيد النساء “ قائلاً: “تعجبني الروايات المصرية التي يرى الشعب منها مظهراً من مظاهر حياته العامة، وتصور له مرضاً من أمراض حياته الاجتماعية”. ويشير ناقد “روزاليوسف” لرواية “حماتي”: “أحسست بشخصيات المسرح حية تعيش على المسرح، لقد رسم المؤلف صور أشخاصه تصويراً طبيعياً خالياً من أي تكلف وصناعة، لمسنا شخصية “خدوجة” في الحياة وعرفنا كذلك “سلمي” و”عنبر” و”عزت” و”شعبان” في بيئتنا المصرية، خلق الشيخ يونس شخصيات روايته وحركها بطبيعتها لا كما يريد هو، فجاءت شخصيات كاملة ناضجة تماما النضج “، هذه الموضوعات وهذا الأسلوب نراه واضحاً في أعماله الزجلية التي عثرت عليها حيث انصب اهتمام يونس في كثير من الأحيان على الموضوعات الاجتماعية وتصوير البيئة المحلية. ولقد كتب للمسرح العديد من المؤلفات منهـا: “كلها يومين”، و”حرم المفتش”، و”التالتة تابته”، و”كيد النسا”، و”كلام في سرك”، و”المظلومة”، و”حماتي”، و”المخلصة”، و”كليوباترا ومارك أنطوان”، و”مملكة الحب”، و”عروس الشرق”، و”السعد وعد”، و”البدر لاح”، و”البربري في باريس”، و”الدنيا وما فيها”، و”توبة على إيدك”، و” فاتنة الأندلس “، و” آدي العينة “ و”الشرط نور”، و”الدموع”، و”رومية الحب”، و”الدجالين”، و”حاجب الظرف”، و”مظلوم يا وعدي”، و”حسن أبو علي سرق المعزة”، و”زقزوق وظريفة “، و”ابن العمدة”، و”سر الطبيعة”، و”الصيام في رجب”، و”اللي وقع يتصلح”، كما كتب فيلم “كله إلا كده”. ويأتي هذا الكتاب الصادر عن دار ماتركس في حوالي 270 صفحة ليضم معظم ما نشره الشيخ يونس القاضي في الصحف في بدايات القرن الماضي موقعا باسمه في العديد من الصحف والمجلات والتي غلب على موضوعاته النقد الاجتماعي الذي اهتم به في معظم كتاباته. وأكد الباحث حرصه على وضع الأعمال التي جمعها في سياقها “قمت بترتيبها حسب تواريخ النشر الأقدم فالأحدث، ليقف قارئ اليوم على الحياة في تلك الفترة ويتعرف على طبيعتها من خلال واحد من أهم مبدعي تلك الفترة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©