الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بشرى البستاني: أقاوم بالحب

بشرى البستاني: أقاوم بالحب
17 أغسطس 2011 23:09
وصفها نقاد عراقيون بأنها يمامة عراقية زاهدة بالأضواء وقصيدتها صوت متفائل وسط المحنة.. متصالحة مع الآخر وما يحيط بها من اشتراطات.. امرأة تجاوزت ركام الماضي. هذه الشاعرة العراقية بشرى البستاني، الأكاديمية في جامعة الموصل، الحاصلة على ثلاثة عشر وساماً من مؤسسات عراقية وعربية وعالمية، ولها عشرة دواوين شعرية آخرها “كتاب الوجد”، وهو عبارة عن قصيدة طويلة تجد فيها الغزلان الذبيحة والورد والفرح والوجع ومحنتها التي تلتحم مع قضية وطنها وصوفيتها التي تجد فيها حريتها المطلقة. في حوار “الاتحاد الثقافي” معها أثناء متابعتها نشر مجموعة من أعمالها الأدبية عبر دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، باحت بالكثير، وأكدت أنها تقاوم بالحب، وتحفظت على ما يجري في الشوارع والميادين العربية وتساءلت أين أصحاب الخبرة والتجربة؟ وفي ما يلي التفاصيل: ? ديوانك الجديد “كتاب الوجد” نص مفتوح ما الذي أردت قوله بالضبط؟ ? الديوان لا يعبر فقط عن حالة حب ضيقة وإنما يعبر عن حياة ملتاعة منكوبة ومقيدة، جعلت مستقبل الإنسان معتما كونه محكوما بسياسات مرهقة، تجتاحه قوى طاغية تدمر حياته وتخرب وطنه وتحتكر عليه الحق والحقيقة فأين يلجأ المبدع؟ وفي هذا الديوان لجأت المرأة لتكسير القيود والحدود سعيا نحو المطلق، ففي القصائد لوعة تشتعل وتشعل، ومن خلال اشتعالها تبحث عن ماهية الشوق الذي لا يعطي نفسه لتفسير، والحب الذي لا يقبل التأويل، ولا ينصاع لنظرية علمية تكشف مكنونه. “قلوب المشتاقين منورة بنور الله/ فإذا تحرك اشتياقهم أضاء النور ما بين السماء والأرض/ وخر الملائكة ساجدين”. والديوان محاولة لتأثيث الفراغ بالجمال، فالحب يحرض الكون على الاشتعال، والإنسان على الإقبال، ويحرض الأنهار والمحيطات والغابات والصحارى على التمرد، مطالبة بالتواشيح والانسجام من أجل الإمساك بمفاتيح الحرية وهي تدق أبواب السجون ودهاليز الجوع والتعذيب وسراديب الوحشة وليالي التغرب، كي تطلق الثوار والعشاق والمتكسرين بالألم ليكسروا يد الطغاة وهي تطلق الصواريخ على حلم الإنسان “الحب يتعالى على الانفصال ويدحض القطيعة والخطيئة”. والنص يتضمن إشارات من القرآن الكريم والحدث النبوي الشريف والكتاب المقدس والشعر العربي القديم وشعر ونثر أبو المعري والقشيري وأبن عربي والقديس أوغسطين. معاناة ? كشاعرة عراقية ألمس وجعاً وألماً في حروف كلماتك.. هل مررت بمعاناة خاصة؟ ? الظروف التي مر ويمر بها العراق ظروف “فجائعية”.. مسلسل كارثي من حروب وحصار وتجويع ومفخخات تنفجر على الأبرياء والفقراء في الأسواق والأحياء السكنية والجامعات والمساجد والكنائس، فالمرأة ليست وحدها التي تعاني في هذا الوطن، فالمعاناة شاملة إنسانية وإشكالية لا تتمحور حول ذكورة أو أنوثة، فانعدام الأمن وحضور الموت وغياب القدرة على الحلم يؤدي إلى الاحتقان الذي يخلق تعبيرات متوترة، وقد يؤدي بالمبدع إلى الإعياء والإحساس بضعف أدواته في التعبير عن ثورة الداخل. فالمبدع أينما ذهب يرى سلبيات تتراكم دون حلول وقيود على المستوى الداخلي والاجتماعي والسياسي، واجتياحات خارجية وعدواناً داخلياً وما التعبير عن الغضب إلا نوعا من أنواع المقاومة. ? تحاربين إشكاليات الحياة بالحب في زمن القتل والتهجير خاصة في وطنك الأول العراق؟ ? أستطيع القول إن لغة الحب تخلق مصطلحاتها على الدوام في عالم مملوء بالقبح والبشاعة، فيما اللغة التقليدية غير قادرة على التعبير عمّا يجري، وهنا ما على الحب، إلا أن يبتكر لغته الخاصة التي ترفض عالم القبح، ولذلك يوقن الفن دوماً بأن الحياة لا تخلو من انفراجات وفضاءات تدعوه إليها بما يخفف من ثقل العذاب عنه، ولذلك كان الحلم مرافق المبدع الحقيقي دوما فالمبدع حالم كبير وعاشق ملهم ومستقبلي بامتياز، لا يركن للسكون ولا يهادن ولا يسلم نفسه لعوامل الإفقار واليأس مهما حاصرته عوامل السلب. إن لكل مبدع طريقته في اختيار أدوات المقاومة.. وهنا لا تجد الأنوثة المحاصرة والمختنقة لها عوناً في الظروف التي تحيطها فلجأت إلى المقاومة ورفض كل الأخطار المحيطة بها مستنجدة بالمطلق مما هي فيه من حجر وكرب واختناقات، وهي تفتح ذراعيها متشبثة بكل البؤر المتألقة في التراث من مقدسات وأدبيات ووقائع إيجابية، حيث الحب أصلاً والانعتاق كليا والخلاص أبدياً، طريقه المقاومة الدائبة والمستمرة، مقاومة لا تعرف الاستكانة ولا تركن للوهن وما زال المبدعون العرب النبلاء والمنتمون لقضية الإنسان يعملون بمثابرة من أجل تأثيث الفراغ بالجمال وترسيخ صدقهم وإخلاصهم في بحثهم عن الحرية كونها أم الإبداع وشقيقة الحب فدون الحرية لا إبداع أصلاً. وقد لقي هؤلاء المبدعون الملتزمون عذابات وسجوناً ومنافي في سيرهم نحو هذا الطريق.. طريق مقاومة عوامل السلب المحيطة بهم وزرع عوامل الإيجاب التي تبشر بغد أفضل وهم على استعداد للاستشهاد من أجله. الحب ? القارئ لنصوصك الشعرية يتذكر الفرنسيين عندما هربوا للطبيعة عندما احتلت ألمانيا بلادهم في الحرب العالمية الثانية كنوع من المقاومة؟ ? ليس لي طريق آخر للمقاومة غير التشبث بالأمل وبكل ما يوحي بالحياة ومن ينتمي إليها، فلو سادت فلسفة الحب لانطفأت الحروب وازدهرت الطفولة وسادت منظومات القيم الجمالية وأشرق الفرح ونما الإنسان نمواً جديداً بعيداً عن أمراض الحقد والإشكاليات التي تحاصره.. بالحب ولا شيء غير الحب ينكسر الطغيان ويسود الحوار ويغيب احتكار الرأي الآخر ويقترب غد الإنسان الأجمل أي أننا كلما أحببنا الحياة أكثر كنا أشداء في مقاومة أعدائها رغم ما يمتلك هؤلاء من سلطة حديدية وطغيان وجبروت. “المقاومة سري وسندي/ وسعير اللحظة التي تمسك بجلابيب استغاثتي أن تبوح/ أقاوم حزناً مراً/ زنا رصاصياً يهبط فوق رأسي/ جبروتا كصخور قلعة آشورية/ وأنا سجينة سومرية بلا قيثارة ولا قوارير/ سجينة محكومة بصفرة قبعات ملوثة/ وأنا أصلي/ وأدعو السماء أن تطفئ حرائق الأنهار القديمة”. صوفية ? لمست من بعض القصائد كثيراً من الصوفية فهل تمارسين صوفية الشعر أم صوفية الحياة؟ ? أمارس الصوفية حتى في حياتي بمعناها الحيوي التأويلي الإشراقي؛ لأنها تمنحني حرية أوسع وفضاء أبهى من الواقع الطافح بالبؤس.. فكل جوانب الحياة مكبلة بأكثر من وثاق، فإذا لم أفتح في داخلي انفراجات نحو فضاءات أوسع وأسمى مما هو موجود في الواقع سأموت اختناقا وأنا لا أريد أن اختنق لأن في الحياة ما يستحق أن نعيش من أجله ولأن لي وظائف نبيلة في الحياة فنية وعلمية ومعرفية وتربوية ما زلت أسعى لاستكمالها. أريد أن نحلم بغد أكثر علانية بالإنسان وحقه بكرامة.. أريد بناء منظومات قيمية ونرعى الحياة ونحافظ عليها.. نحلم بالغد الأفضل.. نخلص ثقافتنا من التبعية واستئجار المواقف ونتعلم كيف نمتلك مواقفنا الأصيلة. فاللحظة الصوفية إذ تلتحم بالشعرية تزيدها ألقاً وإرباكاً وانفتاحاً على المطلق لذلك تتسع للمتناقضات كلها والحوارات بتلاوينها، فلا منطق في هذه اللحظة. “جسدك النازف بين ساعدي/ يقذفه الجبل نحو البحر/ ولا يغسل جراحه/ الجسد شجرة الله المخضبة بالنور/ المشتعلة وجداً ومحنة/ وحبك محنتي وغيم روحي/ حبك الليل المقيم بأنواره/ حبك عبير الأرض إذ تصير لها أجنحة بنفسجية/ تنهض لتعانق السماء لحظة انكشاف الملكوت/ وحينها أستغيث إلهي”. شوق ? هناك إشارة للصوفي ابن عربي “كل شوق يؤول بالوصال إلى انطفاء لا يعوّل عليه” ماذا هناك؟ ? إن مقولة الشيخ بن عربي واضحة في تعميمها وشموليتها، فهي تسير لحالة شوق محددة ولا للوعة حب ضيقة وإن كان الحب بكل حالاته وأنواعه ولهفاته يتوجه في سموه وجلاله نحو المطلق الذي يجتاح الحدود والقيود ويقتلع الأشواك التي تعترض درب الإنسان في الصعود نحو فضاءات الجمال الخلاق، الذي حجبه الضالعون بالإثم والخطايا من إنسان هذا العصر الذي سحقته الآلة المادية المعاصرة بعدوانها وطاغوتها المهيمن على الأبرياء والطيبين والحالمين بغد لا يسكر روح الإنسان، بل يمنحه العيش الكريم والتحقق “النخلة لا تجيد الانحناء”. فالحضارة المعاصرة فرخت تنظيمات متطرفة، والتطرف بحد ذاته اعتداء على الحياة، فالمناهج الغربية “التفكيك والتأويل” تستعمل ضد الإنسان وهم يجترحون وسائل وأدوات لتفكيك أية قوة لا يرغبون فيها أو يتصورونها خطراً على مصالحهم في العالم. أما التأويل فهو منهج جميل يجعل حياة الإنسان أكثر جمالا وبهاء لكنهم حولوه لقضية “ذرائعية” لمصلحتهم وإلغاء الآخر وسخروا المعلومات للهيمنة والطغيان وشطب شخصية الأمم والهوية الوطنية. تحفظ ? أخيراً ماذا بشأن الربيع العربي الذي يقوده الشباب نحو الكرامة والحرية؟ ? لا أخفيك إني بعد دراستنا للأسس التي تقوم عليها أي ثورة، والتخطيط الذي تحتاجه، والخبرات التي تعد ضرورية لتغذية الثورة ودعمها، وأهمية القيادة الحكيمة التي يجب أن تقف وراءها، وبعد هذا الفراغ الذي خلفته الانتفاضات أتحفظ على تسمية ما يجري بالثورات، فأنا وكثير غيري ممن يراقبون الحدث نجهل الخلفيات التي تحرك الشارع العربي الآن، وكما هو معروف، فإن المجهول يثير المخاوف والغموض ويدعو لتأويلات متعددة تأخذك نحو الجهات الأربع فتخشى ابتزاز المبتزين، وسطوة المترصدين. وأتمنى بوصفي مواطنة عربية مخلصة لقضية أمتي أن يكون ما يجري هو الربيع حقاً وليس التمرد أو الانتفاضة التي ترفض الظلم فقط وتدين الاستبداد والجور والاستحواذ، فما اقترفته الأنظمة العربية بشعبنا وأمتنا ومستقبل وطننا العربي ظلم بشع واحتكار مريع كانت نتائجه وخيمة يدفع ثمنها الباهظ العراق وفلسطين والسودان. وأشد ما يخيفني مما يجري في الشارع العربي وأروقة السياسة هو الفراغ الذي كثيراً ما تصحبه مخاطر الفتنة والفوضى وغياب الأمن وكلها مظاهر أبعد ما تكون عن الحضارة ومتطلبات سلامة المنطقة، علما أن الثورة لا تدع مجالا لفراغ؛ لأنها قد خططت ورتبت كل شيء قبل القيام بالتغيير وبعده تجهد لوضع البدائل الثورية المناسبة. وما حدث كان مهما لكسر جدار الخوف الذي زرعه الاستبداد في نفوس الملايين من العرب ومنح الثقة للشعب العربي كي يقول للطغيان لا.. وأود القول إن دور الشباب مهم جداً لبناء الأوطان لكنهم يحتاجون الخبرة والتنظيم، وهذا الأمر غير متوفر إلا عند من جربوا الحياة ليكونوا محفزين للحركة الشبابية.. أتساءل: أين الخبراء وذوو التجربة المشهودة وهل كانوا فعلاً وراء ما يجري؟ إهمال ? وماذا عن الإبداع العراقي في ظل الظروف الحالية؟ وماذا عن مشروعاتك المقبلة؟ ? الإبداع العراقي يعيش قليله في الداخل ومعظمه في الشتات، مما يجعل الحديث عنه بغاية الصعوبة ولا أعتقد أني أظلم الإبداع في العراق إذا قلت إنه يعيش في بؤس شامل من حيث إهمال المثقف والمنجز الثقافي وفقدان البؤر التي يجب أن ترعى الثقافة والضياع الذي تعاني منه المؤسسة الثقافية وعدم التفات الدولة لهذا الجانب المهم وتغييبها لأي مظهر من مظاهر الدعم والرصد والرعاية. أما عن مشروعي الإبداعي، فأنا بانتظار صدور أعمالي الشعرية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر قريباً في مجلد جامع ونصوصي الإبداعية الطويلة بعنوان “خماسية المحنة” عن دار فضاءات في عمان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©