الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المزاح يساعد على دفع الملل ومواصلة العبادة واداء الواجب

المزاح يساعد على دفع الملل ومواصلة العبادة واداء الواجب
8 أغسطس 2012
أبوظبي (الاتحاد) - من طبيعة الإنسان أنه ملول، وقد يفقد توازنه النفسي بعد طول جد واجتهاد، والقلوب كلما كلت عميت، ومن ثم أباح الإسلام كل ما من شأنه أن يكسر حدة الجد والصرامة في حياة تميزت بالروتين والملل، ويحقق التوازن المطلوب ليتجدد النشاط، وتقوى الرغبة في الحياة والاستمرار فيها، فندب المزاح بين الأصدقاء والخلان، لما فيه من ترويح للقلوب والاستئناس المطلوب، لتحقيق الغاية المنشودة من الخلق، ألا وهي عمارة الأرض وتطوير الحياة والارتقاء بالإنسان. ومن هنا جاءت مشروعية المزاح، فما هو المزاح، وما حاجة الإنسان إليه، وهل له ضوابط يتقيد بها؟. المزاح نقيض الجد، ومصدر للفعل “مازح”، يدور معناه حول المباسطة والملاعبة والتلطف، وقد يطلق على كل وسيلة يراد بها المداعبة والمضاحكة والمفاكهة، ووسائله متنوعة، فقد يكون بابتسامة أو نكتة أو نادرة أو فكاهة، أو إشارة أو حركة يراد بها الاستئناس وترويح القلوب من عناء الجد وطول العمل، وإدخال السرور على قلب المسلم، وأحب الأعمال عند الله إدخال السرور والبهجة والفرح على قلب مسلم، فالإنسان مدني بطبعة، والمدنية لا بد أن يتخللها مزاح وملاطفة ومؤانسة، وتطييب الخواطر وإدخال السرور، والناس إزاء الترويح اتجاهان: الاتجاه الأول الاتجاه الأول، يرفض الترويح والمرح والمزاح، ويرى أنه ضرب من العبث والإسفاف، ودليل على نقص الجدية وتبلد في الاهتمامات. واستند أصحاب هذا الاتجاه إلى جملة من النصوص التي تنهى عن المزاح والهزل، ومنها قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ). الحقيقة أن المزاح المنهي عنه هو الإفراط فيه، أو المداومة عليه، لأن المداومة فيه إشغال باللعب والهزل، والإفراط فيه يورث كثرة الضحك، وكثرة الضحك تميت القلب، وتورث الضغينة في بعض الأحوال، وتسقط المهابة والوقار، وقد علل الإمام النووي رحمه الله: النهي عن المزاح بقوله: “الْمُزَاح الْمَنْهِيّ عَنْهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ إِفْرَاطٌ وَيُدَاوَمُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الضَّحِكَ وَقَسْوَةَ الْقَلْبِ، وَيَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْفِكْرِ فِي مُهِمَّاتِ الدِّينِ، وَيَؤُولُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَى الْإِيذَاءِ، وَيُورِثُ الْأَحْقَادَ، وَيُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ، فَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ، فَهُوَ الْمُبَاحُ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ عَلَى النُّدْرَةِ لِمَصْلَحَةِ تَطْيِيبِ نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَمُؤَانَسَتِهِ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، فَاعْلَمْ هَذَا، فَإِنَّهُ مِمَّا يَعْظُمُ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِ” الاتجاه الثاني الاتجاه الثاني، يدور في فلك المفهوم المطلق للترويح، والذي يصل إلى أقصى حدود الانفعال النفسي بشتى الوسائل، يمارسه الإنسان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ظل الضوابط الشرعية التي تكفل له الانضباط، قيل لسفيان الثوري: “المزاح هجنة؟ قَالَ: بل سنة، وَلَكِن الشَّأْن فِيمَن يُحسنهُ ويضعه موَاضعه”، ويقصد بالسنة هنا طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالمزاح يكون واجباً أحياناً إذا استعين به على دفع الملل ومواصلة العبادة وأداء الواجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. تستمد مشروعية المزاح والترويح عن النفس من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وسلوك الصحابة رضي الله عنهم وشهادات العلماء من بعدهم. فقد ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازح أهله وأصحابه رضوان الله عليهم، ووردت أحاديث ومأثورات كثيرة في الدعابة والفكاهة والطرفة وتطييب النفوس وتأليف القلوب وإدخال السرور، فبوّب البخاري في صحيحه باباً للانبساط، احتوى على أحاديث كثيرة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في المزاح، كما أفرد الترمذي في كتاب الشمائل المحمدية باباً خصصه للحديث عن صفة مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: “إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا”. مشروعية المزاح وإذا كان عليه الصلاة والسلام يعطي أصحابه القدوة الصالحة في كل شيء، فإليكم نماذج من مزاحه صلى الله عليه وسلم: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: “إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ”، فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَاراً”، ويقصد أنها تدخل الجنة وهي شابة. وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “يَا ذَا الأُذُنَيْنِ”، أي: يمازحه، وليس المقصود السخرية أو الاستهزاء، وإنما ممازحة منه صلى الله عليه وسلم لأن كل إنسان له أذنان. هذه الأحاديث، وغيرها كثير، تدل على مزاحه عليه الصلاة والسلام، ومشروعية المزاح عموماً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى مزاح صحابته، ولم ينكر عليهم ذلك، وربما شاركهم مزاحهم، بل كانوا يتمازحون حتى أنهم يَتَبَادَحُونَ بالبَّطِيخ، فإِذا كَانَت الحَقَائِقُ كَانُوا هُمُ الرِّجَالُ، وسئل ابن عمر رضي الله عنهما: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَعْظَمُ مِنَ الْجَبَلِ. وقَالَ بِلالُ بْنُ سَعْدٍ: أَدْرَكْتُهُمْ يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الأَغْرَاضِ، وَيَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ، كَانُوا رُهْبَانًا. وكانوا رضي الله عنهم يمتدحون المزاح دون أن يروا في ذلك ما ينقص المروءة، أو يتنافى مع كمال الرجولة والوقار، فها هو عمر رضي الله عنه يقول: إِنَّه ليعجبني أَن يكون الرجل فِي أَهله مثل الصَّبِي، ثُمَّ إِذا بغي مِنْهُ، وجد رجلا، وكَانَ زيد بْن ثَابت مِن أفكه النّاس فِي بَيته، فَإِذا خرج، كَانَ رجلا مِن الرِّجَال. وقد عرف عن مزاح الصحابة رضي الله عنهم، حتى اشتهر بعضهم بكثرة قصصه ومداعبته ومزاحه، مثل: نعيمان بن عمرو بن رفاعة، الذي قال عنه ابن عبد البر: شهد بدرا، وكان من كبار الصحابة، وممن آمن في أول ظهور الإسلام، وكانت فيه دعابة زائدة، وله أخبار طريفة في دعابته، وكان نعيمان مضحكاً مزاحاً. خطى الصحابة ومما جاء عن عيينة بن حصن أنه شكا إلى نعيمان صعوبة الصيام، فقال: صم الليل، فروي أن عيينه دخل على عثمان وهو يفطر في شهر رمضان، فقال: العشاء، فقال: أنا صائم، فقال عثمان: الصوم بالليل، فقال: هو أخف علي، فقال عثمان: هذه إحدى هنات نعيمان، وكبير السن الذي لا يستطيع أن يصوم يشرع له الإفطار ويطعم: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ). وقد ترسم العلماء خطى الصحابة في الاسترواح بالمزاح، فقد كان الشعبي مزاحاً ومن أفكه الناس، اشتهر بطرائفه، وهو من كبار العلماء، ومما جاء عنه أنه سئل: هَل يجوز للْمحرمِ أَن يَحُكّ بدنه؟ قَالَ: نعم قَالَ: مِقْدَار كَم؟ قَالَ: حَتَّى يبدوَ الْعظم. وكان شريح يمزح في مجلس الحكم، وكان صهيب مزاحاً، وكان أبو العالية كذلك مزاحاً، وكل هؤلاء إذا مزح لم يفحش ولم يشتم ولم يغتب ولم يكذب وإنما يذم من المزاح ما خالطته هذه الخلال أو بعضها، وأما الملاعب فلا بأس بها في المآدب. د. سالم بن نصيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©