الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبناء الحِفظ والغِش.. يهدمون العش!

أبناء الحِفظ والغِش.. يهدمون العش!
2 سبتمبر 2014 23:40
محمد أبو كريشة كاتب صحفي «عش رجبا ترى عجباً».. هذا كان زمان، أما اليوم فإننا نرى عجباً كل دقيقة وكل ثانية، لكننا لا نعجب ولا نندهش كما قلت لكم من قبل، والأسئلة في هذه الأمة أضعاف أضعاف الأجوبة - لكن لا أحد يسأل - لأن كل الناس يتصورون واهمين أنهم يعرفون الإجابات. والمفتون بلا علم أضعاف المستفتين، والمتكلمون أضعاف السامعين، والكتاب أضعاف القراء، ولا أحد أبداً يقول: لا أدري، أنا وحدي الذي لا يدري، حاولت أن أدري وفشلت. والسؤال الذي ليست له إجابة في أمتنا هو لماذا؟ نحن نعرف ماذا حدث وكيف وأين ومتى ومن الذي فعل، وقيل لنا ونحن ندرس الصحافة في الجامعة إن الخبر المكتمل هو الذي يجيب عن أسئلة الشقيقات الخمس، أي أدوات الاستفهام الخمس: من ومتى وأين وكيف وماذا، لكن أحداً لم يتحدث إلينا عن الشقيقة السادسة الأهم والكبرى وهي (لماذا).. وقالوا لنا إن أداة الاستفهام (لماذا) لا جواب لها ولا وجود في الخبر.. وربما يجاب عنها في فن صحفي آخر هو التحقيق أو التقرير أو الحوار.. ومع مرور الأيام، لم أجد جواباً لأداة الاستفهام (لماذا). في أي مجال عربي، لم أجدها في الصحافة ولا في السياسة ولا في الفن ولا في الثقافة، والأهم أنني لم أجدها في نظام التعليم العربي كله القائم على رذيلتين، هما الحفظ والغش. كلنا خريجو نظام تعليم الحفظ والغش، نحفظ ونغش وننجح وربما نتفوق لكننا لا نفهم ولا نعرف لماذا. التاريخ العربي الذي درسناه ليس فيه جواب لسؤال (لماذا)، مليء بالأحداث والشخوص لكن لا أحد يعرف لماذا وقع ما وقع.. ولماذا حاربنا ولماذا انهزمنا؟ ولماذا بزغ نجم امرئ لا يستحق وأفل نجم امرئ يستحق البزوغ؟ هكذا تعلمنا في نظام الحفظ والغش، وهكذا نجحنا، وهكذا تفوقنا، وكل النجوم الذين يتقافزون كالضفادع من فضائية إلى أخرى، ومن صحيفة إلى أخرى، ومن موقع إلى موقع هم إفراز نظام الحفظ والغش، الكل يعرف ماذا حدث لكن لا أحد يعرف لماذا حدث، بل إن صانع الحدث نفسه لا يعرف لماذا صنعه، كأنك في عالم من المجانين أو المعتوهين أو البلهاء أو الحمقى غير المسؤولين عن تصرفاتهم، نحن نجري إلى ما لا ندري، وتلك طامة كبرى هي أن تكون كل سلوكياتنا لا إرادية، سياسة لا إرادية، تدين لا إرادي - ثقافة لا إرادية - فن لا إرادي. وإذا ماتت (لماذا)، وهي ماتت عندنا فعلاً ولم تشبع موتاً، فإن ذلك يعني موت الإبداع والاجتهاد والتأمل والتخطيط، يعني العمى القلبي، حيث لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. موت (لماذا) يعني موت العقل ويعني الشلل الدماغي، ويعني الإيدز الفكري والعقائدي، وأنني لا أقاوم أي فكرة أو نظرية يدخلها الآخرون إلى رأسي. يعني أن رأسي سيتحول إلى مدفن نفايات، وهذا ما حدث لمعظم الرؤوس في هذه الأمة - معظم الرؤوس التي أينعت وحان قطافها كما قال الحجاج بن يوسف الثقفي - عندما ضاعت (لماذا) - أصبحت كل الأمور في الأمة عبثية. أصبحنا في غيبوبة ونحن نتوهم أننا واعون ومدركون، أصبحنا نعيش عيشة المحموم الذي يهذي ويخرف ويهرطق تحت وطأة الحمى. إذا ماتت (لماذا) وقد ماتت في هذه الأمة فإن ذلك يعني أن المرء يكون إمعة يحسن إذا أحسن الناس ويسيء إذا أساء الناس.. يتحول إلى ريشة في مهب رياح عاتية.. لا رأي له ولا موقف ولا قيمة.. ويفقد السيطرة على تصرفاته وسلوكياته. والإرهابيون في هذه الأمة وما أكثرهم ماتت لديهم (لماذا)، فصاروا نهباً لأفكار وتوجهات غريبة وشاذة ومنحرفة.. ليس لديهم جواب عن سؤال (لماذا). وإذا من الله على المرء بأداة الاستفهام (لماذا)، فإنه يتمتع بالتفكير المستقل والقدرة على الإبداع والخلق والاجتهاد، وهذا ما فقده الإرهابيون والمتطرفون، الذين ابتليت بهم هذه الأمة.. وأقوام الأنبياء جميعاً كفروا، وأشركوا بالله لأن رؤوسهم خلت من (لماذا).. لذلك قالوا إنهم ألفوا آباءهم ووجدوا آباءهم وإنهم على آثارهم مقتدون ومهتدون. لم يسأل أحدهم نفسه أو قومه: لماذا نعبد أصناماً صماء لا تضر ولا تنفع ولا تغني عنا شيئاً؟.. لا.. بل وجدوا آباءهم - واتبعوهم فأوردهم ذلك المهالك، خلت أدمغتهم من (لماذا) فصاروا تابعين إمعات. ويوم القيامة يتبرأ المتبوع من التابع، ولا حجة للتابع أمام الله عز وجل.. فقد كان إمعة في الدنيا ولم يسأل نفسه: (لماذا؟) - والذي ليس لديه جواب عن سؤال (لماذا)، لا يمكن التحاور أو التجاور معه، لذلك لا أرى جدوى من أي محاولة للحوار مع الإرهابيين، والمتطرفين، فكلهم إذا سألتهم: لماذا؟ يغنون لك أغنية الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب: (من غير ليه). كل هؤلاء ونحن معهم إفراز وإنتاج نظام تعليم الحفظ والغش.. كلهم يرفعون شعار: هكذا وجدنا آباءنا وإنا على آثارهم مقتدون. لا تغرنك الرايات والشعارات التي يرفعها هؤلاء فأنت في زمن كلام الحق الذي يراد به باطل، والذين يرفعون المصاحف على أسنة الرماح هم جيش الباطل الذي يرفع شعارات وأعلام حق.. والذين ينساقون خلف هؤلاء هم أيضاً إنتاج نظام الحفظ والغش، وهم الذين ماتت في رؤوسهم (لماذا).. والذين ماتت عندهم (لماذا). لا نعرف نحن ولا هم يعرفون لماذا يقتلون؟ لماذا يدمرون؟ لماذا يخربون؟.. لماذا.. يا هذا؟.. لماذا تهدم العش؟.. لا شيء.. لا جواب سوى أنك ابن نظام تعليم الحفظ والغش!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©