الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

20 أكتوبر 2006 23:00
مصدر القرار في الناصية الاتحاد - خاص: قال الله جل ثناؤه: كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَاً بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ{ [العلق: 15-·16 وقال جل ذكره: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [هود: ·56 وقال سبحانه: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ{ [الرحمن: ·41 الناصية: واحدة النواصي وهي مقدّم الرأس، أي لنأخذنّ بها، أي لنقيمنّه ولنذلنّه· قال الأزهري: الناصية عند العربي: منبتُ الشعر في مقدّم الرأس، لا الشعر الذي تسمّيه العامّة الناصية، سُمّي الشعر ناصية لنباته من ذلك الموضع، لنسفعاً: السفع: القبض على الشيء وجذبه بشدة· وقال المفسرون في تفسير الآية الكريمة إن: ''وصف الناصية بما ذكر مع أنه صفة صاحبها، للمبالغة حيث يدل على وصفه بالكذب والخطأ بطريق الأولى، ويفيد أنه لشدة كذبه وخطئه كأن كل جزء من أجزائه يكذب ويخطئ'' وقال أيضاً: ''وكأن تخصيص الناصية بالذكر لأن اللعين (أي أبا جهل) كان شديد الاهتمام بترجيلها وتطيبها، أو لأن السفع بها غاية الإذلال عند العرب''· والآن ما هو الشيء الكامن وراء هذه الناصية؟ وما هو العضو الخفيّ وراء أعلى الجبهة؟ أثبت العلم الحديث أن دماغ الإنسان تحتوي على فصوص رئيسية هي: الفص الأمامي، الفص الخلفي، الفص الصدغي والفص الجداري، ولكل فص دور وظيفي ينفرد به عن الآخر، وفي نفس الوقت مكمل لأداء وظائف الجسم الأخرى· وإثر تقدم علم التشريح، وجد أن الفص الأمامي للمخ، وهو فصّ كبير يقع أمام الأخدود المركزي، هو العضو المستتر وراءها ويتميّز عن نظيره في الحيوان بأن المناطق المسؤولة عن السلوك وعن الكلام متطورة وبارزة من الناحية التشريحية والوظيفية، إذ يحتوي على خمسة مراكز عصبية تختلف فيما بينها من حيث الموقع والوظيفة وهي: مركز الحركة الأولي ويقوم بتحريك العضلات الإرادية للجهة اليسرى من الجسم· مركز الحركة الثانوي (الأمامي): ويقوم بتحريك العضلات الإرادية للجهة اليمنى من الجسم، الحقل العيني الجبهي: ويقوم بالتحريك المتوافق للعينين إلى الجهة المقابلة، مركز بروكا لحركات النطق، ويقوم بتنسيق الحركة بين الأعضاء التي تشترك في عملية الكلام، كالحنجرة واللسان والوجه، وأخيرا القشرة الأمامية الجبهية وتقع مباشرة خلف الجبهة وهي تمثل الجزء الأكبر من الفص الأمامي للمخ، وترتبط وظيفتها بتكوين شخصية الفرد ولها أيضاً تأثير في تحديد المبادرة والتمييز· ونظرا لأن القشرة الأمامية الجبهية تقع مباشرة خلف الجبهة فهي تختفي في عمق الناصية وبذلك تكون هي الموجهة لبعض تصرفات الإنسان التي ترتبط بشخصيته مثل الصدق والكذب والصواب والخطأ، وهي التي تميّز بين هذه الصفات وبعضها البعض، كما بيّنت دراسات المخ الإلكترونية ودراسات وظائف الأعضاء الكهربية أن المرضى والحيوانات التي تعرضّت لتلف الفلقات الجبهية الأمامية، يعانون في الغالب من تناقص في قدراتهم العقلية، وهبوط في المعايير الأخلاقية، والتذكر والقدرة على حل المشكلات العقلية وتنقص قدراتهم على التركيز وروح المبادرة والتحمل· ولقد استنتج الأطباء أن الفلقات الأمامية الجبهية هامة جداً للعقل لأنها ترتبط بالعمليات العقلية العليا، فالإنسان يقوم بإجراء الخطط داخل هذه الفلقات· وهكذا فإنها تؤثر في أفعال ووظائف أجزاء المخ الأخرى مثل الأفكار والمشاعر والأحاسيس· ويحدد الأطباء الفلقات الجبهية الأمامية للمخ باعتبارها مركز المبادرة بالكذب، ففيها تتم الأنشطة العقلية المتعلقة بالكذب ثم تحمل تعليماتها بأعضاء المراسلة خلال فعل الكذب، وكذلك الأفعال الشريرة فإنها تُخطط في الفلقات الجبهية الأمامية قبل أن تُحمل إلى الأعضاء المباشرة للفعل، كما أن القشرة الأمامية الجبهية المختفية في عمق الناصية هي المسؤولة عن التصرفات الخاطئة لأنها مركز التوجيه والضبط لتصرفات الإنسان· وهنا تساءل علماء التشريح ما الذي يحدث للإنسان إذا أزيلت القشرة الأمامية الجبهية بعملية جراحية؟ أو إذا تلفت نتيجة ورم؟ وجد العلماء أن تحطم هذه القشرة نتيجة للأورام أو الحوادث يؤدي إلى فقدان الشخص المبادرة )ةَىُّىفُّىًّم( والتمييز )تِّلهمٍمَُّ(، كما تحدث بعض التغييرات العاطفية التي تؤدي إلى الإحساس بالانتعاش والنشوة )ِِّوُْىف(، ويفقد الشخص أيضاً اهتمامه بمظهره الاجتماعي· كما وجد علماء التشريح أن أي خلل يصيب القشرة الأمامية الجبهية يؤدي إلى تغيرات في سلوك الإنسان حيث يصبح غير مبال، فاقداً الشعور بالمسؤولية، وغير قادر للسيطرة على سلوكياته وهذا ما ذكره ''تشاريس'' في كتابه (جهاز العصب الإنساني)· والآن وبعد أن وصلنا إلى هذه الحقيقة العلمية نفهم لماذا أشار القرآن الكريم إلى دور الجبهة (أو الفلقات الأمامية) في صناعة القرار، ولكن هذه المعرفة التي هي بين أيدينا اليوم كانت بعيدة حتى عن التخيل في العصور المبكرة· ويتجلى لنا مدى الصعوبة التي لاقاها المفسرون في الماضي في فهم المعنى الحرفي للآيات، ولو أن بعضهم قد أشار إلى أن الكذب والخطأ مرتبطان بالناصية ذاتها (كالألوسي، وابن كثير، والرازي)، وهو ما لم يكن معلوماً للأطباء في ذلك الوقت· ولم تتم معرفة وظائف الناصية إلا بعد الدراسات المتعمقة لوظائف الأعضاء وباستخدام علم التشريح المقارن· ولقد ذكر القرآن الكريم أيضاً الناصية في سورة هود فقال: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ{ [هود: ·56 قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ''أي تحت قوته وقدرته'' وقال الطبري: ''لا يوجد شيء يتحرك فوق هذه الأرض ما لم يكن مملوكاً أنّى شاء ويمنعها عما يشاء''، إذاً فالله تعالى ذكر أنه يُوَجّه كل مخلوق بمشيئته وأن ذلك يتم من خلال التحكم في ناصية المخلوقات كلها، فالمفهوم من الآية إذن أن الناصية هي الموقع الذي يتحكم في تصرّف كل ما يدبّ على الأرض (من إنسان وحيوان)، لأن الأخذ بالناصية إشارة إلى السيطرة الكاملة على كل دابة على هذه الأرض، والسيطرة تقابلها الطاعة الكاملة والانقياد التام، والأخذ بالناصية هو السبيل إلى ذلك· (ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة)
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©