الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

"بن رشد".. صنّفوه لاتينياً لكثرة ما استشهد به علماء الغرب

"بن رشد".. صنّفوه لاتينياً لكثرة ما استشهد به علماء الغرب
20 أكتوبر 2006 22:53
''الاتحاد''- خاص: كان ''أفرويس''، كما يعرفه الغرب، مرجعاً من أهم مراجع علم الفلسفة والمنطق حتى إن بعض باحثيهم صنّفه في قوائم العلماء اللاتينيين لكثرة ما استشهد به هؤلاء· إنه أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد، المولود سنة 520 في مدينة قرطبة في الأندلس· وقد امتهن أبوه وجدّه من قبل مهنة القضاء فهيأه ذلك للعيش في مناخ ثقافي مكنه من التفوق في التعلم، وأقبل على دراسة الفقه والقانون والطب والرياضيات والفلسفة على يد عدد من المشايخ أبرزهم أبو جعفر هارون، وابن باجه، اللذان علماه مبادئ الفلسفة والقانون· وثابر الفتى على التعلم حتى قال بعض معاصريه إنه لم يدع القراءة والنظر في حياته إلا ليلتين اثنتين، ليلة وفاة أبيه وليلة زفافه· وقال آخرون إنه أبعد ما يكون عن التزلف والبحث عن الشهرة، بل كان مؤمناً بالكمال الإنساني عن طريق المعرفة، معتبراً أن الإنسان لا يتميز بصفة المخلوق العاقل الناطق إلا بقدر ما يحصله من علم ومعرفة· أرسل حاكم مراكش في المغرب، يوسف بن تاشفين، إلى ابن رشد وهو حينئذ في السابعة والعشرين من العمر وعهد إليه بالمساهمة في تأسيس معاهد للثقافة الإسلامية· وفي مراكش، أوحى الفيلسوف المسلم البارز، ابن طفيل، إلى ابن تاشفين أن يكلف ابن رشد بمساعدته في ترجمة واختصار وشرح بعض مؤلفات أرسطو واختصارها وشرحها· ضد الفلسفة والفلاسفة وبعد سبع عشرة سنة، تولى الفيلسوف القرطبي منصب القضاء في اشبيلية مدة عامين قبل أن يعين قاضياً للقضاة في مسقط رأسه قرطبة· وبعد مضي عشر سنوات، عاد من جديد إلى مراكش حيث عمل طبيباً خاصاً للخليفة· غير أن الأمور سرعان ما تبدلت فوصل إلى الخلافة أبو يوسف يعقوب المنصور وفي نفسه شيء ضد الفلسفة والفلاسفة أججته دسائس الأعداء والحاقدين· وجهت لابن رشد تهمة الكفر والضلال، وأمر يعقوب المنصور بنفيه إلى بلدة صغيرة بجانب قرطبة جل سكانها من اليهود وتدعى ''أليسانه''· وأحرق ما وقعت عليه الأيدي من مؤلفات الرجل الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة وأنواع العلوم باستثناء الطب والفلك والحساب· وبعد فترة من الزمن، ندم الخليفة الموحدي على فعلته المتهورة، فأعاد الاعتبار إلى ابن رشد وألحقه ببلاطه من جديد في وقت كانت المنية اقرب ما تكون من الرجلين من حيث لا يشعرا· إذ توفي يعقوب المنصور وأبو الوليد ابن رشد في سنة واحدة هي 1198 للميلاد· اهتم ابن رشد بميادين عديدة من العلم، بينها الفقه الإسلامي والطب والفيزياء، لكن الأساس الحقيقي لشهرته قام على أفكاره الفلسفية الجريئة والرائدة والدفع الذي أعطاه لتطور الفكرين العربي واللاتيني· إذ انكب أول ما انكب على كتب أرسطو يقرأها ويتبينها ويلخصها، فوصل إلى استنتاج مفاده أنها تحتوي على الفلسفة الحقة والحكمة الكاملة· فقرر العمل على التوفيق بين الفلسفة والشريعة وتصحيح العقيدة مما يعتقد هو أنه شابها على إثر المؤولين، مشيراً بشكل خاص إلى الإمام الغزالي· كما أخذ على نفسه ''تطهير'' فلسفة المعلم الأول مما لحق بها من عناصر غريبة تتعارض مع ماهيتها الحقيقية· تهافت التهافت من أبرز مؤلفات ابن رشد في الفلسفة كتابه ''تهافت التهافت'' الذي ردّ فيه على كتاب الغزالي ''تهافت الفلاسفة'' وقد أعرب العديد من علماء المسلمين عن استنكارهم لكتاب ابن رشد معتبرين أنه يحيد فيه عن النهج الشرعي· أما الفكر الأوربي فقد تأثر تأثراً عميقاً بهذا لكتاب الذي ظل المرجع الأساسي لدى العلماء اللاتينيين حتى بداية ظهور الفلسفة الحديثة والعلوم التجريبية ومن المسائل التي أثارت الجدل بين الرجل وبعض علماء الإسلام إيمانه الراسخ بأن ''الإنسان مسيّر وليس مخيّر'' شرح ابن رشد مؤلفات أرسطو على ثلاثة مستويات بعناوين ''الجامع الأصغر'' و''التلخيص'' و''التفسير'' وكان من ذكاء الرجل ومنهجيته أن هذه المستويات الثلاثة جاءت منسجمة مع مراحل التعليم، فالأول يدرّس للمبتدئين، والثاني لتلاميذ المرحلة المتوسطة، في حين يقدم المستوى الثالث للطلاب المتقدمين الرجل اعتمد على رصيده من الفلسفة والمنطق للحديث عن اللاهوت، ما زاد التهم التي يكيلها له معارضوه من رجال الدين· وهي تهم لا تصمد كثيراً أمام اللمسة الدينية والتعلق بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي كان يستشهد بها في دعم وجهات نظره في قضايا متعددة كاعتماده من خلال شرحه الثالث لكتابات أرسطو على تحليل وتفسير بعض المفاهيم القرآنية وتفسيرها· كما كتب في أحد مؤلفاته أن ''أي شخص يدرس علم التشريح سوف يزداد ولاؤه وإيمانه بقدرة اللـه ووحـدانيتـه'' مقارنة بين الفقه والطب واستخدم معرفته المزدوجة بالفيزياء والعلوم الروحانية والعقلانية لإجراء مقارنة بين الفقه والطب والتأثير الذي يخلفانه على الإنسان، فزعم أن الصحة الروحانية هي التي تسمى ''التقوى'' في القرآن الكريم أنتج ابن رشد ما يربو على 108 مؤلفات ما بين مصنفات فلسفية وعملية، وشروح ومصنفات طبية، وكتب فقهية وكلامية، وكتب أدبية ولغوية، تتوفر منها باللغة العربية نحو 58 كتابا· ومن هذه المؤلفات ''الكليات'' في أصول الطب و''بداية المجتهد ونهاية المقتصد'' في أصول الفقه، و''تلخيص القياس''، و''تلخيص الجدل''، و''جوامع الحس والمحسوس''، و''تلخيص الجمهورية'' حول جمهورية أفلاطون، و''مقالة في العلم الإلهي''، و''فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال''، وهو تأصيل لشرعية الفلسفة، و''الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة'' حول تصحيح العقيدة الإسلامية، و''شرح أرجوزة ابن سينا في الطب''، و''تهافت التهافت''، و''شرح البرهان'' على أرسطو، و''شرح السماء والعالم'' على أرسطو، و''شرح كتاب النفس''على أرسطو، و''شرح ما بعد الطبيعة'' إضافة بعض التلخيصات لجالينوس· وقد ترجم ابن رشد كتابه ''الكليات'' إلى اللاتينية شارحاً فيه الجوانب المتنوعة للطب من تشخيص وعلاج ومنع لانتشار الأوبئة، مع التركيز على المقارنة مع كتاب القانون لابن سينا· كما ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية والإنكليزية والألمانية والعبرية· أما كتابه ''بدايات المجتهد ونهايات المقتصد''، فاعتبره بعض علماء المسلمين من أفضل الكتب في فقه المذهب المالكي· ومن العلماء اللاتينيين الذين تأثروا بابن رشد القديس توما الاكويني''، حتى إن بعضهم وصف هذا الأخير بأنه الحواريّ الأول للشارح الكبير ابن رشد· ويرى عالم الفلك الأمريكي ''هنري درابر'' أن ابن رشد هو أول من وصف الشمس بأنها ''بقع داكنة تدور بين فترة وأخرى على سطح الشمس'' في مؤلفه ''كتاب الفلك''· وقال عنه ''فيليب هيتي'' إنه واحد من كبار المفكرين والعلماء في القرن الثاني عشر ويتجلى التأثير القوي لابن رشد على الحركة الفكرية في أوروبا في الاعتماد على بحوثه وكتاباته على مدى خمسة قرون· انه، باقتضاب، الفيلسوف العالمي الذي لا يشق له غبار·يشس
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©