الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توقيعات على أوتار القلوب

توقيعات على أوتار القلوب
14 أغسطس 2013 19:52
لا أحد يعرف متى بدأت الموسيقى. لا تاريخ محدداً يمكن ضبط وجودها عليه. لعلها بدأت مع العالم، خلقت مع خلقه. بدأت مع الرياح والأمواج والأمطار. من هنا، لا حرج في القول إنها أصوات أو همهمات الطبيعة التي تسير وفق إيقاع ما نجم عن الحركات أو الصموتات سمعها الإنسان فتلقفها بقلبه. بالقلب بدأت الموسيقى، ربما، لا أحد يدري.. لعل الإنسان اكتشف فجأة أن دقات قلبه تسير على نحو منتظم، بسرعات أو فترات زمنية متساوية وموزونة فعرف الإيقاع.. ثم دوزن على إيقاع القلب ما شاء من الحركات والوقفات والقوالب والأرتام لكي تقول حاله، وتصف وجده.. ربما لهذا السبب قال الإمام الغزالي: “من لم يحركه الربيع وأزهاره والعود وأوتاره فهو فاسد المزاج ليس له علاج”. مع الإيقاع بدأ الصوت يستدل على نفسه.. صار كلمات تسير وفق الحركة فنشأت بينهما (الإيقاع والصوت) توأمة غنائية. صارا صنوين هائمين في بحر الخيال.. وعلى هذا الأساس ابتكر العرب الحداء، السحر الذي يعين الإبل على قطع مراحل طويلة، في صحراء أشد طولاً، من دون أن ... تتعب. كانت تلك هي طفولة الموسيقى - إذا جازت العبارة - فقد كبرت الصغيرة بسرعة قياسية. ابتكر لها الإنسان آلات تتحقق فيها بعيداً عن الأصوات الطبيعية التي تحيط به. أظن أن الإنسان شعر بالوحشة ذات مرة، فقرر أن يستحضر الصوت على مزاجه. صنع الآلات من الحجارة والجلد والقصب والأوتار لكي يستمتع بالنغمات المتنوعة التي تصدرها. نفخ في القصب فولد ناي ترجم حالاته الانفعالية؛ يعطيه نغماً مفرحاً إذا كان يشعر بالسرور.. وفي الحزن يتحفه بنوح يأتي من أقاصي الوجود البعيدة.. وهكذا مع القيثارة والربابة والعود والكمنجات التي أظن أنها حزينة هذه الأيام إذ تستعيد رحيل شاعر كتب عنها وهي ترثي عرباً في غروب أندلسي عتيق. بأصابعه أولاً ثم بريش الطيور أو الخشب الدقيق مارس الإنسان العزف على آلاته.. ثم تطور الأمر إلى الأوتار التي كثيراً ما تبدو مشدودة إلى أوتار قلب العازف عندما يكون مبدعاً.. يتقن العشق، ويجعل آلته تبوح. ما أقدمها..! يقال إن الموسيقى وجدت في أغلب الحضارات القديمة. السومريون عرفوا الهارب، واستعملها الأشوريون، وربطها الهنود بمعتقداتهم وتقدمت عند الفرس ونهضت عند المصريين القدامى، وعرفها العرب بموسيقاهم التي جمعت بين البساطة والطرافة والتأثير حتى على الحيوان. في ذلك الزمان لم يكن مسموحا لكل أحد أن يغني. لم تكن الأذن قد فسدت. كان الغناء صافياً كنبع يطلع من شقوق الصخر. كيف لا وكل الباحثين والمختصين في الموسيقى الشعبية والغناء الشعبي يجمعون على أنه ترجمان المجتمع، صورته، مرآته التي تبرز قسماته وملامحه الثقافية والاجتماعية والحضارية وحتى الاقتصادية. زمان لم يكن المغني ليغني إلا إذا كان صوته جميلاً. كان الصوت هو الحيلة والذخيرة، كما يقال في المثل الشعبي، قل، إن شئت، هو العدة والعتاد. لم يكن ممكناً لأي أحد أن يتسلل حافياً إلى حديقة الغناء مستعيناً بآلات ترطن بما هبَّ ودبَّ من الكلام. كان الرتم عذباً والإيقاع رائقاً والكلمات ألصق ما تكون بالناس البسطاء.. حتى أعتى المطربين كانوا يبدون “غلابة” أمام غنى وثراء الذاكرة الشعبية وشجنها الجميل. يكاد المرء يصرخ الآن: ما أحوجنا إلى الغناء العليل فيما تبدو الأشياء على شاشة الذاكرة على حافة زمن بعيد. لقد تغير شكل البلابل فعلاً. حدث خلل في الذوق، كما في الحواس، كما في الفكرة، كما في خفقة القلب. ساحرة هي ثقافات الشعوب، يدرك سحرها من يغرق في بحرها لا من ينظر إليها من الشاطئ. ثمة علاقة روحية هائلة بين الناس وغنائهم وموسيقاهم، تلك العلاقة الفاتنة التي استمرت منذ عصور البشرية الأولى ورافقتها في مسيرتها إلى اليوم.. لم تكن أغاني الشعوب مجرد ساعات مرح. لم تكن فناً تسلوياً بل جمعت في أحضانها ميراث الإنسان في المكان والتاريخ. كتاب الذاكرة أبوظبي تتألق لؤلؤة في بحر الأصيل. الشمس تلفظ آخر أشعتها البرتقالية وهي تغطس في البحر بغروبها المهيب، معلنة نهاية اليوم.. البيدار طالب خميس حميد “أبوخميس” يترنم بأغنية قديمة على إيقاع الصوت الطالع من اليازرة (الجازرة)، وهي تدور حاملة الماء من البئر.. قرية التراث القديمة التي كانت تجاور الرمل الذهبي الممتد في نهايات شارع المطار دعوة مشرعة للروح لكي تسافر في الحنان إلى مطارح جديدة. بهذا المشهد الذي وقعت عيني وأذني عليه في نهايات عام 1993 من القرن المنصرم بدأت علاقتي بالغناء الشعبي في الإمارات.. كان بعضه قد داعب سمعي في مناسبات مختلفة، لكن وقعه في تلك المرة كان له عذوبة لم تنبغ إلا له.. مذاك انفتحت أمامي عوالم صغيرة ساهم في تغذيتها أكثر فأكثر الشاعر والمبدع الراحل أحمد راشد ثاني، الذي كان هو الآخر يقبع في مكتبه بالمجمع الثقافي وفي رأسه مشروعات لا تنتهي فيما يتعلق بجمع التراث الإماراتي لا سيما ما ينتسب منه إلى الشق غير المادي/ الشفاهي. ومن دون الغوص في مجالات التراث الشعبي والفروقات التي تفصل بينها أو التقاطعات التي تجمعها على حال واحدة، يمكن الإلماح إلى أن كل عنصر من العناصر التراثية يشكل بحد ذاته نقطة مركزية في الذاكرة المجتمعية؛ وهي كلها معاً تؤدي وظائف اجتماعية ونفسية وروحية وجمالية، فضلاً عن كونها الحبل السرّي الذي به تنتقل المعرفة من جيل إلى جيل.. هي بكلمات أخرى ذاكرة الناس التي لا تجتمع على باطل، بل تلتقي على الحب خلافاً لفنون أخرى قد تكون سبباً للمباغضات أو المشاحنات الفردية منها والجمعية. هي كتاب الذاكرة التي تحتفظ للشعوب بكل لحظاتها الفارقة؛ الجميلة والحزينة.. وما من شيء كالموسيقى والغناء يعكس العادات والتقاليد والقيم والحالات المختلفة التي تشكل كينونة المجتمع، وربما يتضح ذلك من طبيعة الرقصات الشعبية في الإمارات التي تعبر عن السرور تارة وعن المعاناة تارة أخرى وعن الفخر بالنصر ثالثة وهكذا... كما يقوم التراث بوظيفة نقدية تربوية، فالمجتمع أحياناً يوظف بعضاً من عناصر تراثه الشعبي في نقد السلوكيات التي تتعارض مع فلسفة المجتمع، وكل ذلك يتم بطريقة غير مباشرة عن طريق النادرة والنكتة والحكاية. ويرى رفعت محمد دويب في كتابه “أغاني الأعراس في دولة الإمارات” أن أهم خصائص وسمات الموسيقى الشعبية لأغاني أعراس الإمارات تتمثل في المرونة سواء من حيث الشكل أو المضمون، ما يجعلهما قادرتان على التعبير عن احتياجات المجتمع المتغيرة، ومواكبة ما يجري فيه مع الاحتفاظ بروحهما التقليدية الأصيلة، وكذلك ما يمنحهما القدرة على استيعاب الألحان الوافدة.. ناهيك عن سرعة حفظها ومن ثم سرعة انتشارها بين عامة الناس لبساطة تركيبها وسهولتها. وثمة سمة تميز الموسيقى الشعبية في الإمارات وهي حضور الرقصات الشعبية معها جنباً إلى جنب. يكاد لا يحضر الغناء إلا إذا حضر الرقص. قلما ينفصلان.. كأنه بالرقص يقارع المجهول، يروضه، يزيل عنه السحر والفخاخ. كانوا يغنون ويهزجون وهم ذاهبون إلى الغوص.. وفي عودتهم منه. يترنمون إذا ظهر القمر.. يغنون وهم يفلقون المحار. وكأنهم برغبتهم هذه في إشاعة الغناء والرقص يعلنون رغبتهم عالية في الحياة. توأمة تعد فنون الأداء الشعبي من الميادين الأساسية المؤلفة للتراث الشعبي، وتشتمل الفنون الشعبية على ثلاثة فنون هي: فن الموسيقى الشعبية، فن الغناء، فن الرقص. والموسيقى الشعبية واحدة من مجالات التراث الشعبي الأكثر قدرة على تجسيد الحالة الوجدانية والشعورية لأي مجتمع، من دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية المفردات الأخرى التي تشمل كل مناحي الحياة تقريباً. ومن يتقصى منابع الموسيقى الشعبية وأغلب القوالب الغنائية والإيقاعات والنغمات التي تمارسها أو تحتويها الأغنية المتوارثة في دولة الإمارات خاصة، ومنطقة الخليج العربية عامة، يجد أنه امتداد لدور الإيقاع في التراث الموسيقي العربي. وقد وفدت هذه الألحان والضروب اللحنية والموسيقية مع الوافدين من القبائل العربية الآتية من الجزيرة العربية، ثم سرعان ما اندمجت وانصهرت في بوتقة البيئة ومع ما كان موجوداً في الإمارات. وتنقسم الآلات الموسيقية التقليدية التي تشترك في أداء كل الفنون الغنائية الرئيسية بالإمارات إلى ثلاثة أنواع: الدفوف والطبول بأشكالها وأحجامها المختلفة، ومنها ما يعزف عليه بالعصي، ومنها ما يضرب بالكف أو يتم النقر عليه بالأصابع. آلات النفخ. الآلات الوترية التي يعزف عليها بالقوس وتصدر أصواتاً مثل الربابة والطنبورة. وتشكل القاسم المشترك في أداء كل فن جماعي، وهي من أقدم الآلات الموسيقية العربية. ومن بين الدفوف ما يعرف باسم الطار، وهو ذو شكل دائري ويضرب باليد، وتحيطه قطع من النحاس بحجم صغير لكي يصدر الرنين المطلوب. والدف نوعان أحدهما مربع، والآخر مستدير، وهو الغالب. ويمكن اعتبار الدف أو الطار أشهر آلة موسيقية في المنطقة، وجذوره تضرب في التاريخ القديم. عرفه العرب الجاهلية باسم الصنج، ومن المعروف أن النابغة الذبياني سمي “صناجة العرب” لأنه كان يقرأ شعره على قرع الدفوف، وفي رواية أخرى لما يتميز به شعره من إيقاع عالٍ. ومن بين الطبول: ? الرحماني: طبل كبير، يضرب باليد. يصنع من جلود الحيوانات التي تشد على تجويفين من الخشب. ? الجاسر: طبل صغير يضرب بالعصا. يصدر صوتاً عالياً وحاداً يسمعه الناس من مسافات بعيدة. ? الطاسة: قطعتان من النحاس الأصفر على شكل نصف كرة، حوافهما مسطحة. يصدر الصوت عندما يصطفقان ببعضهما بعضاً. أصيل و.. وافد ويميز الباحثون بين قسمين أساسيين في الفنون الشعبية: الفنون الأصيلة، والفنون الوافدة. الأولى نشأت في الإمارات ونموذجها من الفنون البحرية (العيالة، المالد، الأهل، العرضة، الدان، تقصيرة، هولو، العرضة على السفينة، النهمة، الخطيفة). أما بالنسبة لأهل البادية فهي: (الونة، الرزيف، الحربية، الطازج، العازي، التغرودة، السامري، الردحة، ورقصة المناهيل). ويلاحظ المتابع لهذا المنحى في التراث الشعبي الإماراتي أن الكثير من الفنون الموسيقية والرقصات الشعبية وردت إلى المنطقة لكونها بيئة منفتحة على من حولها، فقد ربطت بينها وبين الدول المجاورة علاقات اقتصادية قوية. من هنا، نجد الأثر الإفريقي أو الهندي أو الإيراني في بعض هذه النماذج التي ذابت تماماً في التراث المحلي، وخضعت لتعديلات وتطويرات جعلتها ذات نكهة إماراتية محلية. وتعتمد هذه الفنون الوافدة على الآلات الموسيقية الوترية وآلات النفخ التي لم تكن معروفة في الفنون العربية الأصيلة، ومن أهم النماذج على هذا النوع من الفنون الوافدة: (الليوه، الهبان، النوبان الفجرى، مكوارة.. وغيرها). واليوم تحظى الفنون الشعبية باهتمام خاص، وتوجد الفرقة القومية للفنون الشعبية، التابعة لوزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وفرقة أبوظبي للفنون الشعبية والاستعراضية، التابعتان لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، في كل المناسبات الوطنية المحلية أو المعارض والفعاليات الثقافية التي تقيمها الدولة في الخارج. وغالباً ما تحظى بإعجاب وإقبال الزوار لاسيما الأجانب الذين ينبهرون من حيويتها وخصوبتها والدلالات التي تنطوي عليها. الرقصات الشعبية الإماراتية.. الأصيلة والوافدة تقدم الفنون الشعبية في الإمارات نموذجاً واقعياً على الانفتاح الذي يسم مجتمعات السواحل بشكل عام، هذه المجتمعات التي تتلقى الآخر ثقافياً بوعي، فهي تجسد التداخل البناء أو التلاقح الإيجابي بين الثقافات. ففي هذا المجال يعثر الباحث على سلوك تسامحي، حيث الإنسان القادر على تقبل الآخر بعفوية، ووعي في الآن نفسه. في هذا النمط من المجتمعات المجاورة للبحر، يسهل أن يذوب الكثير من المعطيات الثقافية والتراثية المادية والمعنوية في حضور الآخر، لكن السمة التعددية التي تميز المجتمع الإماراتي القابل للآخر، وللتعددية، حمى الثقافة الشعبية ممثلة بجنح التراث من الذوبان في الثقافات الواردة، وفي الوقت نفسه هضمها وتذويبها في نسيجها مع الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية، وما بين يديها من عناصر الهوية الوطنية. من إفريقيا جاءت (الليوة) والنوبان وصومال لكنها باتت مع الوقت جزءاً من الفنون الشعبية المحلية. هنا تعريف ببعض الرقصات الشعبية الأصيلة. العيالة من الفنون الشعبية البحرية. يحتل مكان الصدارة بين الرقصات الشعبية في الإمارات، ويعتبر الفن الأكثر تجسيداً لهوية الدول. و”العيالة” فن عربي أصيل ويصعب تحديد تاريخه. تؤدى “العيالة” في كل المناسبات الاجتماعية والوطنية، وهي عبارة عن فن جماعي يتضمن رقصا وغناء جماعياً، و”العيالة” هي رقصة الحرب العربية او بتعبير صح رقصة الانتصار بعد الحرب ودحر العدو. لذلك فإن هذه الرقصة تجسد قيم الشجاعة والفروسية والبطولة والقوة العربية.. تسمى “بالرقصة الشريفة” اي لا يؤديها الا العرب الخلص الشرفاء. يشترك في أداء “العيالة” الفرقة المحترفة والهواة أيضاً من المدعوين والحضور. وغالبا ما تكون فرقة العيالة مقصورة على العازفين على الطبول والدفوف والطويسات “الآلات النحاسية” وبعض المنشدين والراقصين، يشاركهم في الإنشاد والرقص بعض الحضور الذين يحبون ويعشقون هذا الفن. تؤدى رقصة “العيالة” من خلال صفين متقابلين من الرجال، وكل صف يقف أفراده متلاصقين بشدة ومتشابكين والأيدي من الخلف، فكل رجل يشبك بيده حول خصر زميله ليشكلوا صفاً متلاحماً أو متماسكاً. وتتوسط الصفين الفرقة المحترفة التي تقوم بالضرب على الطبول المختلفة الأشكال والدفوف والطوس “الآلات نحاسية” فتقدم اللحن والإيقاع الحماسي المناسب للنص المؤدى. يرأس هذه الفرقة رجل يحمل طبلة أسطوانية الشكل ذات وجهين، وتسمى “كاسر” يدق عليها بقوة كي يخرج منها إيقاع عالٍ وحماسي، يناسب المقام، وتعتمد عليه “العيالة” اعتماداً رئيساً يسمى “الابو”. اليولة تستهوي جيلاً من الصغار والشباب في الإمارات رقصة اليولة التي اشتقت من الرقصة التراثية القديمة التي تسمى العيالة، والتي كانت تدل على الشجاعة والفروسية واستعراض القوة. وقام جيل من الشباب من الذين أحبوا ممارسة اليولة على تحديثها، لتصبح رقصة استعراضية تمارس بمرافقة بندقية على أنغام الموسيقى والإيقاعات الحديثة والأغاني الحماسية. ويحظى فن اليولة الذي يمثل لوناً شعبياً لحياة البدو الأصيلة باهتمام كبير من قبل جميع فئات المجتمع الإماراتي، حيث يظهر فيها المتسابق إبداعاته ومهاراته في حمل السلاح ورميه والتقاطه وأداء حركات فلوكلورية جميلة وشائقة. الحربية هي رقصة من نوع (العرضة) (والعيالة) (والرزيف)، وهي بالإضافة إلى أنها تؤدي أداء جماعياً، فلأنها تقوم على جملة لحنية واحدة موزونة، ولا يصاحب الحربية أي إيقاع أو آلة موسيقية عدا أصوات البنادق في الماضي، أما أهازيج أو أشعار الحربية فغالباً ما تتسم بالطابع الحماسي، غير أن تقديم هذه الرقصة في الأعراس الشعبية أدخل عليها لاحقاً بعضاً من الحب وقصائد الغزل. ويؤدي (الحربية) جمع من الرجال في صفين متقابلين، يقترب كل صف من الآخر بحركة إيقاعية بين الحين والآخر أثناء أداء الرقصة، وتقوم مجموعة تحمل البنادق بأداء حركات إيقاعية بين الصفين، وفي حالة زيادة عدد المشاركين في الرقصة تنقسم الصفوف إلى ثلاثة أو أربعة حسب العدد، وغالباً ما تشترك الفتيات (النعاشات) مع الرجال في أداء الحربية للقيام بالدور ذاته الذي يمثلنه في رقصة (العيالة). المناهيل هي إحدى الرقصات المميزة التي يقبل عليها الكثير من رجال البادية، وهناك أيضاً من يؤديها بالحركات نفسها في بادية حضرموت في جنوب الجزيرة العربية. وتعود تسمية الرقصة نسبة إلى قبيلة (المناهيل،) ومن مظاهر هذه الرقصة أن يجتمع الرجال والنساء في حلقة واسعة، ويواجه فريقان بعضهما بعضاً، وتتسع الدائرة أكثر، ويبدأ راقصان من الحضور أو المشاركين، وهما رجل وامرأة، في أداء حركات رشيقة وسريعة. ويبدو من اتجاه الخطوات أن المرأة في حالة هجوم، بينما الرجل يتقهقر وعيناه في مواجهتها، وفي هذا تكمن فكرة طريفة هي أن القوة في موقف الضعيف، والضعيف وكأنه قوي يهاجم بعنف وشراسة، فالمرأة هي المهاجم المندفع والرجل ذو الأذرع الفولاذية يلوذ بالفرار، وتستمر الرقصة بخفة ويحل محله رجل آخر بسرعة، تجعل عملية التبديل تتم في بعض الأحيان من دون أن يلحظها المشاهد. الونّه فن عربي أصيل (والونه) دور موسيقي أو نشيد يأتي ضمن أدوار وأناشيد عروض (العيالة)، ويتميز هذا الفن في صياغته اللحنية والإيقاعية بطابع خاص يميل إلى الهدوء والرومانسية من حيث طبيعة الأداء، نظراً لأن كلماتها غزلية المضامين والمعاني، بعكس ما تحفل به كلمات أناشيد (العيالة) من معاني الحماس والمديح والبطولات. والونه أيضاً من أغراض الشعر النبطي في الإمارات، حيث تصطبغ ألفاظ القصيدة بمسحة من الحزن والأنين، وقد يشترك في هذا الضرب من الغناء اثنان يتبادلان ويتناوبان الغناء. الرّزيف أهم فنون البادية على الإطلاق، وأكثرها انتشاراً وأداءً في بيئته وهو فن خاص بالرجال يخلو أداؤه من أي عنصر نسائي، حيث يقف صفان من الرجال لا يقل عدد كل صف عادة من خمسة رجال، وقد يصل عددهم إلى أكثر من عشرة، ويقف الصفان متقابلين يرتدون أزياءهم الشعبية، ويلف كل واحد منهم حول وسطه حزاماً، له جيوب كثيرة محشوة برصاص البنادق التي لا يستغني عنها ابن الصحراء، وأحياناً يعلق في الحزام (جراباً خاصاً) لوضع خنجر بداخله بوضع مائل، وهو يعد مظهراً من مظاهر الفتوة والفروسية العربي، يقف الصفان وكل رجل بيده اليمنى عصا من الخيزران للتلويح بها أثناء الرقص، (الرزيف)، تصاحبه حركات إيقاعية بسيطة، فيميل كل صف متلاحماً ناحية اليمين مرة وناحية اليسار مرة أخرى، فإذا مال أحد الصفين ناحية اليمين، خاصة عند بدء الأداء وبعد اندماجهم، فإنهم يلوحون بالعصي تلويحا جماعياً، بينما يطلق بعض الحضور والمدعوين طلقات نارية عديدة متتالية، وفي الصفين يمسك كل فرد خصر زميله بذراعه الأيسر، فيبدو كل صف متماسكاً متلاحماً تماسك الجماعة البدوية وتلاحمها، وبفضل هذا التشابك تأتي حركة الرجال في الأداء حركة جماعية واحدة،. اليولاس تؤدى في كثير من المناسبات والأعراس. أما نظام هذه الرقصة فيتطلب وجود عشرين شخصا، يقفون في صفين متقابلين، كل صف يضم عشرة رجال، وفي جانب الصفين يقف حملة الطبول. وتبدأ رقصة “اليولاس” بدق الطبول والغناء والتصفيق من الرجال الواقفين في الصف، كما يؤدون أيضاً بعض الحركات، حيث يتحركون إلى الأمام وإلى الخلف في خطوات بسيطة متراصة، وفي أثناء الغناء والرقص يخرج رجلان في الوسط من كل صف رجل واحد، ويكون في أيديهما السيوف، حيث يرددان الغناء، ويتحركان حركات بطيئة، إذ يرفعان السيوف إلى أعلى وإلى اسفل ثم يقذفانها إلى أعلى وهكذا، فإذا أحس الرجلان بالتعب يخرج رجلان آخران، حيث يقومان بالحركات السابقة نفسها، وفي بعض الأحيان يتبارز الرجلان، وهذا يدل على الفروسية المتأصلة عند الأهالي. الفجري من الفنون الشعبية الأصيلة القديمة جداً، وهو فن بحري غنائي راقص لكنه يميل إلى الاتزان والوقار، وعلى الرغم من احتوائه على بعض حركات الجسم واليد، وهو يعتمد في غالبيته على الترداد، وكان هذه اللون من فنون رجال البحر، يؤدى في العديد من المناسبات والأحيان، بعد أن يفرغ البحارة من تناول وجبة العشاء على ظهر السفينة أو يوم العودة من موسم الغوص”القفال”، وأيضاً أثناء سحب الأشرعة، حيث يعلو صوت “النهام” ببعض الآيات، ويردد البحارة خلفه بقولهم “هه”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©