الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

كيف نقرأ المشهد اليمني الراهن؟

كيف نقرأ المشهد اليمني الراهن؟
13 أغسطس 2015 23:30
كانت مدرسة الحوليات الفرنسية قد قلبت المنهجية التاريخية رأسا على عقب. ففي الماضي كانوا يكتبون التاريخ مركزين على القادة والحكام وتسلسل الأحداث التاريخية وما حصل من معارك عسكرية وبطولات... إلخ وكانوا يعتقدون أنهم استنفدوا علم التاريخ بذلك ولا زائد لمستزيد. ولكن أقطاب مدرسة الحوليات وعلى رأسهم المؤرخ الشهير فيرنان بروديل قالوا بأننا لا يمكن أن نفهم بلداً ما إذا لم نعكس ذلك ونركز على البنى التحتية لا الفوقية السطحية. قبل الحديث عن أي بلد ينبغي أن ندرس المعطيات الجغرافية والمناخية والديموغرافية السكانية والاقتصادية. بعدئذ ننتقل إلى دراسة القادة والأبطال والأحداث السياسية والسلالات الحاكمة. وبالتالي فالبطل الأساسي لأي بلد ليس ما نعتقده ونتصوره. انه ليس هذا الحاكم أو ذاك بالدرجة الأولى وإنما أشياء من النوع التالي: هل حبا الله هذا البلد بموقع جغرافي مهم؟ هل منحه مصادر طبيعية غنية واقتصادا مرموقا؟ هنا يكمن البطل الحقيقي للتاريخ. هاشم صالح إذا ما طبقنا هذه المنهجية الحديثة على اليمن وجدنا أنه يتمتع بمناظر طبيعية خلابة وموقع جغرافي رائع وشعب شهم ورائع. ولكنه يعاني من نقص في الثروات الطبيعية وفقر حقيقي. فالاحتياطات البترولية لليمن قد تستنفد بحسب أقوال الخبراء بعد خمس أو عشر سنوات على أكثر تقدير. وبالتالي فميزانية الحكومة ستتأثر كثيرا بذلك. ومعلوم أن البترول يشكل 75 بالمئة من هذه الميزانية. وفي ذات الوقت نلاحظ أن المعطيات الديموغرافية مقلقة. فالنمو السكاني يصل في اليمن إلى نحو الأربعة بالمئة. وهي نسبة كبيرة في بلد لا يمتلك ثروات طبيعية كافية لإطعام كل هذا العدد الغفير من السكان. فعدد اليمنيين 25 مليون نسمة حاليا ولكنه سيصبح أربعين مليوناً بعد عشر سنوات أو خمس عشرة سنة فقط. فكيف يمكن تأطير واستيعاب كل هذه الأجيال الجديدة الطالعة؟ كيف يمكن لبلد فقير في الموارد أن يلبي حاجاتها؟ يضاف إلى ذلك مشكلة المياه. هل نعلم أن صنعاء مهددة بالعطش قريبا بسبب الإفراط في استخراج المياه وتبذيرها؟ ثم بسبب سوء السياسات الحكومية السابقة. وبالتالي فليس نضوب البترول هو الذي يشكل مشكلة وإنما نضوب المياه أيضا أو شحها. ومعلوم أن التنافس على الماء قد يسبب النزاعات والحروب. نقول ذلك ونحن نعلم أن الحرب الإثيوبية - الإريترية اندلعت على المياه. بل و80 بالمئة من الحروب اليمنية السابقة كانت على المياه. ومعلوم حجم الفزع الذي شعرت به مصر عندما أحست بأن حصتها من ماء النيل قد تنخفض بسبب السدود الجديدة التي تقيمها إثيوبيا بل وبسبب السودان أيضا. وبالتالي فحروب المياه قد تكون قادمة إذا لم يستطع المسؤولون تحاشيها بحكمتهم وتعقلهم. معطيات بنيويّةهذه هي بعض المعطيات البنوية المفصلية التي تتحكم بمصير اليمن بغض النظر عن السياسات الحكومية المتبعة وبغض النظر عن الأحداث السياسية أيا تكن. إنها معطيات مادية جغرافية اقتصادية ديموغرافية لا مهرب منها ولا مفر. فكيف إذا ما أضفنا إليها الحروب الأهلية والمجازر؟ إن مأساة شعب اليمن الحالية يدمى لها قلب كل عربي. فهل يستحق شعب أبيّ وكريم كشعب اليمن كل هذا العذاب؟ هل يستحق كل هذا الدمار؟ الأحوال الإنسانية أصبحت هناك مأساوية بكل ما للكلمة من معنى. أصبحت لا تحتمل ولا تطاق. ينبغي العلم أنه إذا ما انهارت الدولة والبلاد فإن أول المستفيدين هو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. ومعلوم أنه أقام مركزه الأساسي مؤخرا في اليمن، بلد أسامة بن لادن. وهم الآن في طور تشكيل ملجأ كبير آمن هناك بعد أن ضاقت بهم أفغانستان وباكستان.. وزاد الطين بلة أنه انضاف اليهم مؤخرا من هو أكثر تطرفا ودموية منهم. قصدت تنظيم داعش ما غيره. وقد بث الرعب مؤخرا في صنعاء من خلال تفجيرات انتحارية في الجوامع أدت إلى سقوط المئات من قتلى وجرحى. ويرى الخبراء أن اليمن قد يصبح قريبا بل وأصبح منذ الآن عبئا على المنطقة، فهل يمكن أن تتخلى عن اليمن؟ هل يمكن أن تتركه يغرق؟ في الواقع أنه لن يغرق وحده وانما ستغرق المنطقة كلها معه. لماذا؟ لسببين أساسيين: هو أن المنظمات الإرهابية المذكورة سابقا ستنتعش كثيرا وتستغل الوضع لصالحها وبالتالي ستعيث فسادا في كل المنطقة. وثانيا لأن انهيار اليمن يعني أن نصف سكانه سيهربون، وبالتالي فسوف تتحول المشكلة اليمنية بالضرورة إلى مشكلة إقليمية. فهناك جيش جرار عاطل عن العمل في اليمن. وهؤلاء سيهربون، فهل يمكن لها استيعابهم كلهم؟ ينبغي العلم بأن العمال اليمنيين الطيبين المغتربين هم المصدر الثاني للدخل في اليمن بعد البترول. فكل عامل يمني في الخارج يطعم في الداخل نحو سبعة أشخاص بفضل ما يرسله إلى عائلته بالعملة الصعبة. كل هذه المعطيات تجعلك تتخيل حجم الرعب الذي يشعر به الإنسان اليمني حاليا. انه رعب يحيط به من كل الجهات. انها نار جهنم تنزل على رأسه من السماء وهو في حالة من الفقر والبؤس يرثى لها. وبالتالي فكل ما يأمله أي عاقل غيور على اليمن هو أن تنتهي هذه الأزمة في أقرب وقت وأن تتحقق الأهداف المرجوة. بعد أن تحدثنا عن البنى التحتية فيما سبق لننتقل الآن إلى البنى الفوقية إذا جاز التعبير. أقول ذلك على الرغم من أني أكره هذه المصطلحات الماركسية ولا أعترف لها بالصلاحية المطلقة. فالعوامل الفوقية ليست مجرد انعكاس للعوامل التحتية على عكس ما يقول الماركسيون. وإنما لها استقلاليتها الذاتية النسبية. بل وأحيانا تكون أكثر أهمية وحسما من العوامل التحتية. المقصود بالعوامل الفوقية هنا العوامل الأيديولوجية أو السياسية أو الدينية. فمن الواضح أنها تلعب دورا كبيرا جدا في هذا المنعطف التاريخي الذي يعيشه ليس فقط اليمن وإنما المنطقة بأسرها. موقف الإخوان اليمنيون في أغلبيتهم الساحقة مسلمون. ولكنهم ينقسمون الى مذهبين أساسيين: المذهب الزيدي الشيعي/‏‏‏‏ والمذهب الشافعي السني. الأول هو الغالب في شمال اليمن والثاني في جنوبه.. وينبغي أن نعود إلى الوراء قليلا لكي نفهم ما يحصل حاليا. يرى بعض الباحثين أن احتلال صنعاء من قبل التمرد الحوثي في 21 سبتمبر من عام 2014 وضع حدا لهيمنة الإخوان وحلفائهم القبليين على السلطة اليمنية بعد رحيل علي عبد الله صالح. والسقوط المفاجئ للعاصمة اليمنية في أيدي الحركة الحوثية الشيعية دون مقاومة تذكر من قبل الجيش مثل مفاجأة ودهشة حقيقية للكثيرين. ينبغي الاعتراف بأن أغلبية النخب الثقافية والسياسية اليمنية ما قبل ما يسمى الربيع العربي والثورة الأخيرة كان قد هجر هذا الانتماء المذهبي الضيق لمصلحة الانتماء الأوسع ولصالح هوية إسلامية عامة تشمل الجميع. والذي حصل بعد سقوط صالح واستبداده هو أن الباب أصبح مفتوحا أمام الحزب المعارض الأساسي للقفز على السلطة: قصدت حزب «الإصلاح» لجماعة الإخوان. ومعلوم أن الدعم اللوجيستيكي والبشري الذي قدمه هذا الحزب الإخواني - القبلي للثورة اليمنية كان حاسما لإجبار صالح على الرحيل. ولذا فإن حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت مباشرة بعد رحيله كانت تضم العديد من قادة الإخوان. وبدا الإخوان بمثابة الحليف الأساسي للرئيس الانتقالي الجديد عبد ربه منصور هادي. وهكذا قطف الإخوان ثمار الثورة اليمنية كما قطفوا ثمار الثورة المصرية والتونسية. وتحول الربيع العربي إلى شتاء أصولي. ولكن سقوط حكم الإخوان في كل من مصر وتونس وجه لهم ضربة موجعة في اليمن وأجبرهم على التراجع إلى الصفوف الخلفية ولو كحركة تكتيكية. والإخوان بارعون في التكتيك والازدواجية وأساليب الكر والفر. وينبغي العلم بأن أحد قادة الإخوان عبد المجيد الزنداني كان رفيق درب لأسامة بن لادن. وعموما فكل حركات التطرف خرجت من معطف الإخوان. لفهم كل هذه الأحداث المأساوية ينبغي التساؤل: هل سينتهي عهد التكفير اللاهوتي أم لا؟ نلاحظ أن المرسوم الإماراتي الأخير المانع للتكفير والتحريض والتمييز الطائفي أو العنصري يمشي في الاتجاه الصحيح. انه يمشي في اتجاه حركة التاريخ. غير أن هناك مشكلة أساسية وعقدة مركزية، وهي سيطرة فئات متشددة على تدريس مادة التربية الدينية في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية والمعاهد والجامعات والفضائيات في كثير من الدول، فهم يكفرون كل أديان العالم وكل مذاهب العالم دون استثناء. انهم يكفرون أربعة أخماس البشرية. وهذا غير ممكن في عصر العولمة الكونية والتواصل اليومي بين الشعوب. لقد تم السكوت عنهم طويلا في الماضي حتى وصلت النار إلى باب البيت مؤخرا. نعم أن مادة التربية الدينية إذا ما مورست من خلال هذا المنظور التكفيري الإرهابي هي أخطر أسلحة الدمار الشامل على الإطلاق. لذلك ندعو إلى تجديد الفكر الديني وتغيير برامج التعليم العربي بشكل جذري. ندعو إلى عصر ذهبي جديد. ندعو إلى تدشين عصر التنوير العربي الإسلامي. عودة الإخوان إعادة الأزمة اليمنية إلى المربع الأول باسل ترجمان* تبدو النهاية المنطقية للمغامرة غير محسوبة العواقب التي خاضها تحالف الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح في اليمن قد اقتربت، بعد الهزائم العسكرية الكبيرة التي تلقتها قوات الطرفين واقتراب تحرير العاصمة صنعاء على يد التحالف العربي وقوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، فيما يبدو مستقبل اليمن بعد أربع سنوات من الفوضى أمراً بالغ الأهمية بالنسبة لدول المنطقة، ولأهمية ضمان استمرار عدم تعرض منطقة خليج عدن وباب المندب لأي تهديد يمكن أن يمس الأمن والاستقرار فيها. هذه المعطيات تطرح وجوب التوصل إلى حل سياسي يمهد للاستقرار في بلد عرف سنوات فوضى طويلة وأهمية مشاركة أكبر عدد من القوى السياسية الفاعلة والراغبة بالخروج باليمن من حالة عدم الاستقرار ويظهر واضحاً دور القبائل وأهمية مشاركتها في صياغة الحل القادم. ولكن هل يمكن للكثير من القوى التي كانت جزءاً من صناعة الأزمة وتفجيرها في اليمن أن تكون جزءاً من الحل في ظل وقائع جديدة غيرت من معادلة التحالفات وميزان القوى السياسي والقبلي للكثير من القوى وأهمها حزب الإصلاح اليمني (الجناح السياسي لجماعة الإخوان) أو بالمفهوم القبلي قبائل حاشد؟ بعد سقوط نظام علي عبد الله صالح اعتبر حميد الأحمر أنه المنتصر الأكبر في التحالف الذي قاده الإخوان والذي انقلب على حزب المؤتمر الشعبي العام حليفه التاريخي، لكن تغير التحالفات القبلية والتلاقي بين الحوثيين وصالح الذي رفض القبول بالهزيمة وغدر بالإخوان دفع بالصدام مجدداً بين حلفاء الأمس لواجهة الأحداث والتي أفضت لانهيار سريع وغير متوقع للقوة العسكرية لشيخ مشايخ قبائل حاشد وفراره إلى تركيا . هذه المعطيات تدفع للتساؤل عن الدور القادم الممكن للإخوان أن يلعبوه في إطار البحث عن الحل بعد أن كانوا جزءاً من صناعة الأزمة الطاحنة في اليمن، وهل لهم على أرض الواقع قوة فاعلة ودور يمكن المراهنة عليه أم إنهم يحتاجون كما كانوا على امتداد تاريخهم لقوة دافعة تؤهلهم للعب دور في قادم المستقبل اليمني؟ يبدو حال قادة حزب الإصلاح وزعيمهم حميد الأحمر صعباً بعد انقلابهم على حلفائهم التاريخيين في الخليج، وقفزهم إلى المركب التركي الذي أراد تصدير ما سمي (ثورات الربيع العربي) والتي تحولت لكوارث ونكبات. عودة الإخوان في اليمن، إذا ما تم فرضها من قوى إقليمية في المنطقة، سيكون في المحصلة عملية إعادة الأزمة إلى الحالة الجنينية في انتظار توافر ظروف دولية، تعيدهم لواجهة الأحداث لاستمرار مشروعهم المدمر في المنطقة. قادم اليمن السياسي سيحسمه من كانوا جزءاً من الحل الذي فرضه التحالف العربي وحلفاؤه اليمنيون، وثلاثي صناعة الأزمة وتفجيرها (الحوثيون/‏‏‏ علي عبد الله صالح/‏‏‏ الإخوان)، سيكون من المهم إبعادهم في هذه المرحلة عن المشاركة في صياغة الحل وضمان قبولهم لنتائجه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©