الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الاستثناء الأميركي»... في مرمى التهكم

12 نوفمبر 2010 21:13
عندما سئل الرئيس أوباما في السنة الماضية عما إذا كان يؤمن بفكرة الاستثناء الأميركي رد قائلًا: "إني أومن بالاستثناء الأميركي كما أعتقد أن البريطانيين يؤمنون بالاستثناء البريطاني واليونانيين يؤمنون بالاستثناء اليوناني". وحسب تصريح الرئيس الأميركي، فإن المحصلة النهائية حسب فهمه للاستثناء الأميركي أنه لا أحد في العالم يتمتع فعلا بهذا الاستثناء، وأن الولايات المتحدة مثلها مثل غيرها من الدول لا فرق بتاتا بينها وبين الآخرين. لكن على الأقل بدا أن أوباما فسح المجال أمام أميركا كمكان استثنائي بدل الفكرة حتى لو كان يعتبرها ضرباً من الانغلاق المحبب الذي لا يضير أحداً. وذلك يختلف عما ذهب إليه الكاتب والمعلق، "مايكل كينسلي" الذي دبج مؤخراً مقالا في موقع "بوليتيكو" الإخباري بعنوان "ليست الولايات المتحدة البلد الأعظم في العالم"، اعتبر فيه أن الحديث عن الاستثناء الأميركي ليس أكثر من سخافة يجب الكف عن ترديدها. أما من يتفوق عليه في تسخيف فكرة الخصوصية الأميركية فهو المعلق الآخر "بيتر بينارت" الذي انتقد بشدة الفكرة باعتبارها "تصوراً أخرق". ويبدو أن ما أغضب "بينارت" ودفعه إلى التهجم على فكرة الاستثناء الأميركي ووصفها بأقذع النعوت كان السيناتور "ماركو روبيو" من فلوريدا الذي صرح بأن "أميركا هي الأمة الوحيدة العظيمة في التاريخ البشري"، فتساءل "بينارت" عما إذا لم يدر في خلد السيناتور أن دولا أخرى في العالم مثل البرازيل والصين بدأت تتيح فرصاً لمواطنيها. وبالنسبة لـ"بينارت يعتبر السيناتور "روبيو"، الذي ينحدر من أب هرب من كوبا مؤدلج إلى درجة أنه لا يدرك أن "الحلم الأميركي في الصعود الاجتماعي مازال حياً لكن خارج أميركا وليس داخلها". الغريب في مفهوم "بينارت" و"كينسلي" للاستثناء الأميركي أنه يعكس تصورا هو في الأساس من بنات أفكار اليمين المتعصب، أو أنه نتاج الجهل والخوف من الأجانب.وبالاستناد إلى هذه النظرة الدونية لما يمكن اعتباره استثناء أميركا يظن البعض أن الفكرة وليدة اللحظة الراهنة، وليست عريقة سجلها العديد من المفكرين والكتاب منذ أكثر من قرن من الزمن. وضمن هذا الإطار يشير إليه الكاتب "أليكس دي توكفيل" في كتابه "الديمقراطية في أميركا" بقوله: "إن موقف الأميركيين تجاه أنفسهم فريد من نوعه، فهم يعتبرون أنه لا ديمقراطية في العالم تحتل المكانة التي يحتلها بلدهم". ومنذ ذلك الوقت والمؤرخون الذين درسوا الولايات المتحدة يرون بأن غياب التجربة الفيدرالية في التاريخ الأميركي بالإضافة إلى جذورها الطهرانية المستمدة من القيم البروتستانتية، وواقعية طموحها الثوري، فضلا عن عناصر أخرى كلها ساهمت في صياغة فكرة أميركا "كأول أمة جديدة". وفي السياق نفسه لاحظ "إي. إل. جودكين"، رئيس تحرير صحيفة "ذي نايشن" الأميركية عام 1867 أن افتقاد أميركا لنظام اجتماعي قائم على التقسيم الطبقي، ووجود حدود مفتوحة والتفاؤل المستمد من الحرية السياسية والاقتصادي جعل منها بلداً مختلفاً عن بريطانيا أو أوروبا. وفي عام 1906 أصدر عالم الاجتماع الألماني "ويرنر سومبارت" كتاباً بعنوان "لماذا لا توجد الاشتراكية في أوروبا؟" يورد فيه العديد من النقاط التي تميز أميركا عما سواها. ومنذ ذلك الوقت والمثقفون ذوو الميول "اليسارية" يهاجمون فكرة الاستثناء الأميركي مستكثرين على أميركا أن يكون لها أسلوبها الخاص للقيام بالأشياء يفرقها عن أوروبا، أو أن تكون عصية على النظام الأوروبي وسحبه على المؤسسات السياسية والاقتصادية الأميركية. لكن اليوم وبعدما أدارت أوروبا نفسها ظهرها، ولو مؤقتاً على الأقل، لسياسات الكينيزية المشجعة لدولة الرعاية الاجتماعية، يولي "بينارت" وباقي المثقفين وجوههم شطر الدول النامية مثل البرازيل والصين باعتبارها مصدر إلهامهم الجديد، وهي بلدان ينسى هؤلاء المثقفون أنها تدفع لملايين العمال قروشاً قليلة في اليوم ولا يمكننا أبداً تنصيبها نموذجاً تحتذي به أميركا، لكن لم لا إذا كان ذلك يظهر "الجمهوريين" وكأنهم متخلفون ومتعصبون! وأخيراً ليست المشكلة في عدم إيمان المثقفين الليبراليين بفكرة الاستثناء الأميركي بقدر اعتقادهم بأنها تعيق تقدم الولايات المتحدة وتبقيها في وضعية متأخرة، وهو ما يفسر هجومهم على الأشخاص الذين يودون الحفاظ على خصوصيتها. وللتذكير فقط أود التشديد هنا أني مع السيناتور "روبيو" فيما ذهب إليه من أن الولايات المتحدة هي البلد الأعظم في العالم، فهي وإن لم تصل بعد مرتبة الكمال إلا أنها تبقى آخر أمل على سطح الأرض. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإني أنوه إلى عدم اعتقادي بأن استمرار "الديمقراطيين" في الاستهزاء بفكرة الاستثناء الأميركي سيساعدهم على حل مشكلة أوباما في التواصل مع الناخبين. جونا جولدنبرج محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي تي إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©