الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

الحاكمية بوابة للتكفير

الحاكمية بوابة للتكفير
13 أغسطس 2015 23:23
خلق الله الخلق وأمرهم بطاعته، ورسم لهم طريق السعادة في عباداتهم ومعاملاتهم، وجعل شريعته رحمة للعباد، وأما الشرائع البشرية فيدخل عليها الخلل لنقص علم البشر واختلاف رغباتهم واحتياجاتهم وشهواتهم، والله تعالى مُنَزَّهٌ عن كل ذلك، فكانت شريعته مطهرة من الجهل والميل والظلم، وحتى لا يقع البشر في الإضرار بأنفسهم جعل الله لهم شريعة هادية مُصْلِحَةً (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، «سورة المائدة: الآية 48»، فهو العليم بعباده وما يصلحهم (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، «سورة الملك: الآية 14». وأمر الله رسوله ومَنْ يأتي بعده من حُكَّامِ المسلمين بتطبيق هذه الشريعة، فقال: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)، «سورة المائدة: الآية 49». والتقصير في تطبيقها بعد الإيمان بها ليس كفراً كما قال خوارجُ الماضي والحاضر، بل إنْ كان عدم تطبيقها للعجز عن ذلك فالعجز عُذرٌ شرعي، وإن كان التقصير في تطبيقها لغير عُذْرٍ فهو معصية لا تُخْرِجُ من الإسلام، وليس كُفْرَا، والْمُقَصِّرُ في العملِ بها كالمقصر في ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام ونحو ذلك. وقد اعتمد الخوارج في تكفيرهم للمسلمين على فهمهم السقيم لقول الحق سبحانه: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)، «سورة المائدة: الآية 44»، وفهموا هذه الآية فَهْماً خالفوا فيه الصحابة والتابعين، وأئمة الدين، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: (ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة... كفر دون كفر) والأثر في مستدرك الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي على تصحيحه. قال الإمام الكبير أبو المظفر السمعاني المتوفى سنة 489ه في تفسيره: «اعلم أن الخوارج يستدلون بهذه الآية ويقولون: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر. وأهل السنة قالوا: لا يكفر بترك الحكم، وللآية تأويلان: أحدهما معناه: ومن لم يحكم بما أنزل الله ردا وجحدا فأولئك هم الكافرون. والثاني معناه: ومن لم يحكم بكل ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، والكافر هو الذي يترك الحكم بكل ما أنزل الله دون المسلم». وما نسبه السمعاني إلى أهل السنة هو الذي قرره ابن جرير الطبري، والبغوي، والقرطبي، والبيضاوي، والرازي، وابن كثير وغيرهم. فَشَذَّ الخوارج عن ذلك وسلكوا مسلك التكفير واستباحة الدماء، ولو تركوا أهواءهم، واتبعوا ميزان الشرع لَعَلِمُوا أنَّ لفظ «الكفر» يأتي في نصوص الشرع ولا يُقْصَد به الكفر المخرج من الملة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» متفق عليه، فهل يحكمُ الخوارج بكفرِ مُسْلِمَيْنِ اقتتلا بباب المسجد، وقال الله عن المتقاتلين: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا)، «سورة الحجرات: الآية 9»، فَسَمَّاهم الله مؤمنين، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت»، (رواه مسلم)، فهل يقول عُشَّاقُ التكفير إنَّ المرأة إذا صاحت على ولدها قد كفرت وخرجت من الإسلام. إنَّ الخوارج قومٌ طمس الله بصائرهم، فوقعوا في الاعتداء على كتاب الله، وعبثوا بمعانيه، وفسروه على غير وجهه، واستساغت عقولهم أنْ يكفروا الصحابة الذين شهدَ لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة فكيفَ بِمَنْ دون الصحابة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الخوارج، فقال: «يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان»، (رواه البخاري ومسلم). إنَّ الخوارج اتخذوا موضوع الحاكمية بوابة لتكفير الحُكام وأجهزة الدولة من جيش وشرطة، ثم عَمَّمُوا التكفير لكل من خالفهم فكفروا الشعوب، ورفعوا شعار عودة الإسلام وإقامة دولة الإسلام والخلافة، وكأنَّ دين الله قد انقطع من الأرض، حفظَ الله بلادنا وبلاد المسلمين مِنْ شر الخوارج. د. سيف علي العصري المفتي في المركز الرسمي للإفتاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©