تأخذنا مشهد العبرة وهي تتهادى في مياه الخور في رحلة قصيرة بين ذهاب وإياب، هذه الحركة الديناميكية التي تسير على وتيرة واحدة تعيد إلى الأذهان ملامح دبي القديمة التي لازالت تنبض بالحياة وتواصل العمل في ظل التطور السريع في وسائل النقل· فعلى ضفاف خور دبي تتمازج خطوط التطور بصروحها المعمارية الشاهقة التي تلقي بظلالها على خور دبي، مع سحر الماضي الماثل أمامنا في مشهد ينبض بالحيوية والحركة المتواصلة بين ضفتي الخور، ينطلق سائقو العبرة بهمة عالية يبحرون بها بكل ثقة وإقدام ويخترقون مياه الخور متجهين إلى الضفة الأخرى، وهناك !! تحلقت الوجوه بقسماتها المختلفة على عتبة الانتظار وكل يحمل أمنية واحدة هي الوصول إلى عتبة البر الآخر، فما أن ترسو العبرة حتى تتسارع الخطى باتجاهها لاقتناص مقعد في أحضانها لخوض غمار هذه التجربة المرعبة الرائعة، فسرعان ما يدون ركابها خطواتهم لحظة دوي حشرجة المحرك والتصاقها بمياه الخور، في مشهد بديع ساحر لا يكتمل إلا بعروض طائر النورس الذي يحلق عاليا ثم يهوي ليلامس الماء ويعود مرة أخرى إلى التحليق وهو يخفق بجناحيه كأنه يلقي التحية على ركاب العبرة هذه اللوحة المترابطة في مفرداتها، ظلت ذكرى محفورة في سجل أبناء هذه المنطقة وارتباطهم الروحي بها، فرغم رحيل رعاياها الأوائل إلا أنها لازالت تواصل عطاءها وصمودها ضد التمدن والتحضر·
ومع التطور الذي تشهده دبي في التمدن العمراني والتكنولوجيا والسرعة في وتيرة الحياة كان لابد لهذه الوسيلة التقليدية من النقل أن يمسها جانب من هذا التطور، تم ذلك من خلال إدخال المحركات لبعض العبرات حتى يسهل الوصول إلى البر الآخر بشكل أسرع، وقد كشفت مؤسسة النقل البحري في هيئة الطرق والمواصلات أن عدد مستخدمي العبرة بالمحرك بين ضفتي خور دبي للعام الماضي بلغ 20 مليونا و201 ألف راكب و380 راكبا، انطلقوا عبر مليون و10 آلاف و69 رحلة تسير وفق خط سير ووقت معين، فأصبح العمل أكثر تنظيما وترتيبا وأمانا، لنقل الركاب، وقد أصبحت العبرة مزارا سياحيا مهما بين الأجانب الذين يحرصون على أن تكون في أجندة رحلتهم السياحية، وأيضا الخليجين والعرب الذين يرون أن التنقل بها له مذاق خاص تنفرد بها مدينة دبي عن الدول الخليجية الأخرى، فكل زائر إلى دبي لابد أن يخوض هذه المغامرة ويبحر على متن العبرة في مشهد جمالي تطل على ضفاف الخور دبي القديمة بمبانيها الدافئة الساحرة، وهي تراقب عن كثب في لحظة ذوبان الشمس في مياه الخور ملامح التطور والعمران المتنامي على الضفة الاخرى، وتظل العبرة واحدة من المشاهد الحية التي تجسد الحياة قديما لمدينة دبي·
عدد اليوم
