الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أقسى من الحجر

أقسى من الحجر
26 فبراير 2009 23:54
منذ أن تفتحت أذهاننا على هذه الحياة، أدركنا أننا من الأطفال التعساء، بكل زاوية من زوايا بيتنا أنين خافت وشعور بالقهر والظلم، ملحمة الحاجة والجوع، والشعور بالذل والمهانة، والهزائم المتكررة لكل لحظة فرح يمكن أن تخطر على بالنا· نحن ثلاث شقيقات، أنا أكبرهن، أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً، أختي التي تصغرني في السابعة عشرة، أما الصغرى فهي في الثالثة عشرة من العمر، ثلاث زهرات يحيين في صحراء قاسية من ظلم البشر· كل ما نعانيه بسببه·· هذه هي الحقيقة·· إنه والدنا·· إنسان باع نفسه للمخدرات بيعاً كاملاً، فتحول إلى مخلوق بلا إحساس·· ولا كرامة·· ولا شرف· اعذروني إن تجاوزت حدودي وأنا أتحدث عن أبي، ولكن!! ما هو رأيكم في أب تتصل به ابنته لتطلب منه ثلاثمائة درهم فيقول لها: أنا في مزرعة ومعي شباب حلوين، تعالي وستحصلين على كل ما تريدين من مال· هل يمكنكم تصور مثل هذا الوضع؟ هل يتقبل إنسان شريف مثل هذا الكلام؟ إلى أي مستوى أوصله الإدمان؟ فقد آدميته وكل قيمه ثمناً للتعاطي، فما هو موقفكم منه بعد كل ذلك؟ هل يستحق كلمة (أبي)؟ لقد سحقنا ألف ألف مرة بقدميه، أنا وأمي وأختيّ، لا يمكنكم أن تتصوروا كيف هو حالنا!! وكيف نعيش!! ومن أين نأكل!! انتبهوا جيداً إذا حدث أن طرقت أبوابكم إحدى المتسولات، وهي امرأة ترتدي النقاب، صوتها مخنوق من شدة الحسرة، قماش النقاب يلتصق بخديها لكثرة دموعها، أرجوكم·· إن جاءتكم هذه المرأة تطلب منكم إحساناً، فعاملوها بلطف، فإن لم يكن لديكم رغبة بمساعدتها، فقولوا لها قولاً كريماً، فهذه المرأة هي أمنا!! وإذا شاهدتم امرأة رقيقة الحال، تبحث في الحاويات عن علب فارغة تجمعها لتبيعها، تمشي مهدودة الحيل، هدها الضعف والمرض، تلك هي أمنا، فارحموها· ''وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون''، لم يظلمنا خالقنا، ولكن أفعال الإنسان وارتكابه المعاصي وانغماسه في المحرمات، هو الظلم بعينه، يظلم نفسه، ويظلم أسرته، ويسيء لأقرب الناس إليه· هل تعرفون كيف أمضينا طفولتنا؟ عشنا في ملحق قديم مليء بالرطوبة والحشرات، عجزنا عن تسديد فواتير الكهرباء فقطعوها عنا لمدة سنة ونصف، تخيلوا!! هل يمكن لإنسان أن يعيش بلا كهرباء في هذا الزمن؟ خصوصاً في أشهر الحر، الكل يضج ويثور إذا انقطعت الكهرباء في بيته لساعات معدودة، أما نحن فقد عشنا في الظلام والحر لعام ونصف عام، وقد صبرنا ولم نتذمر· هذا بالنسبة للسكن، أما بالنسبة للطعام، فقد مضت علينا ليال عديدة ولم نجد خلالها ما نأكل، بالطبع لا أحد يصدق ذلك، ولكن هذه هي الحقيقة، كنا ننام مع الشعور المؤلم بالجوع وهو يقرص أحشاءنا طوال الليل· أما بالنسبة لما نلبس، فهذا شيء مستور ولله الحمد، فنحن لا نخرج كثيراً من البيت، وثيابنا لم تتغير لسنوات طويلة، نعيد ترتيبها لتكون ملائمة لنمو أجسادنا· أما بالنسبة للدراسة، فقد حرمنا من هذه النعمة بسبب الفقر، تخيلوا·· في هذا الزمن تعيش ثلاث فتيات لا يعرفن القراءة والكتابة، فهل يمكنكم تخيل مثل هذا الوضع؟ ماذا تفعل امرأة غير متعلمة لديها ثلاث بنات وقد هجرها زوجها لسنين طويلة؟ كيف تنفق عليهن وهي لا تملك دخلاً يمكن الاعتماد عليه؟ حتى الطلاق الذي يشكل نعمة طيبة في مثل ظروفها، لم تحصل عليه، فوالدي يأبى أن يأتينا النفع عن طريقه، فهو يعلم جيداً بأنه لو طلقها فإنها ستطلب راتباً من الشؤون يساعدنا في وضعنا البائس، لذلك فهو متمسك بإذلالها وجعلها محتاجة بشكل دائم، فهو على يقين بأنها لا تملك المال الكافي لترفع ضده دعوى قضائية، فهي لا تملك شيئاً على الإطلاق، حتى أجور التاكسي، وطباعة الأوراق لا تملكها، لذلك فهو مرتاح الضمير لكل ما أوصلنا إليه من حاجة وجوع، نحن فلذات كبده· الحكاية تزوجها وهي مطلقة، ومن فئة ''البدون'' ولم يستخرج لها جنسية، ولم يتقبلها أهله، وبقيت الخلافات مستمرة، فهو من عائلة كبيرة، وقد أدمن المخدرات منذ بداية شبابه، فتبرأت منه عائلته، لم يكن سهلاً عليها أن تطلب الطلاق فتكون مطلقة للمرة الثانية لذلك صبرت على وضعه، دخل السجن عدة مرات بسبب المخدرات، كان يعمل في الجيش فتمت إقالته ثم عمل في وزارة الصحة، وتمت إقالته أيضاً بسبب عدم التزامه بعمله، وبسبب المخدرات أيضاً· أثناء وجوده في السجن كنا نتسلم من الشؤون مبلغ ألفين وثلاثمائة درهم، وقد أعاننا ذلك المبلغ على تدبير أمورنا، فلا نحتاج لأحد، ندفع الإيجار وفواتير الكهرباء، وكل مصاريفنا، ولكن بعد أن خرج والدنا من السجن قطعت عنا تلك المساعدة فبقينا بلا مصدر ثابت للدخل· كانت الخلافات على أشدها بين أبي وأمي بسبب امتناعه عن إعطائها المال، فهجرها وتزوج من امرأة هندية، وصار يحاربها بشراسة، اضطرت للعمل في الخياطة، ولكنها أصيبت بالسكري والضغط ولم تعد قادرة على العمل بسبب اعتلال صحتها، وبالطبع فهو يرفض إعطاءها خلاصة القيد لتستخرج بطاقة صحية فتعالج بالمجان، لذلك ازداد العبء المادي بسبب حاجتها لشراء الأدوية المكلفة جداً· عندما وجدت أن أمي قد تعبت من تحمل تلك المسؤولية الثقيلة، قررت أن أتصرف، فقد كبرت ووعيت لكل الصعوبات التي تحملتها أمي، حاولت أن أفعل شيئاً لعلي أخفف من حملها، أو أجد حلاً لمشاكلنا، لذلك فقد قمت بعدة تحركات، منها ما فشل ومنها ما حقق بعض النجاح· الخطوة الأولى التي قمت بها هي اتصالي بجدي، حاولت استرضاءه واستعطافه كي يساعدنا، ولكنه اتخذ مني موقفاً سلبياً وأخبرني بأنه ليس لديه ولد، وأنه تبرأ منه واعتبره ميتاً منذ سنين طويلة، فقلت له: ولكن ما ذنبنا يا جدي؟ فقال: ليتحمل هو وحده وزركم، فلا شأن لي بكم، ثم أغلق السماعة· لم أيأس، فاتصلت بأعمامي، وهم يعملون برتب كبيرة في الشرطة، وهم في وضع مادي ممتاز، تحدثت معهم عن حالنا فسمعت منهم ما لا أطيقه من سباب وشتم لوالدي، فعرفت بأن لا أحد منهم مستعد لتحمل مسؤولية بنات أخيه المدمن· على الرغم من كل ما سمعت كررت المحاولة وقمت بالاتصال بعمتيّ، وقد كنت متوقعة منهما نفس الموقف، ولكني وجدت شيئاً من التعاطف، فجاءت إحداهما وزارتنا في بيتنا، فوجدتنا نعيش مثل الحيوانات المشردة، في جحر رطب متعفن لا يدخله الهواء، وقد قطعت عنه الكهرباء، وجوهنا صفراء شاحبة من قلة الطعام ومن الرطوبة، فتأثرت تأثراً شديداً لحالنا، ثم قامت بتأجير شقة صغيرة، أثثتها بشكل مناسب، وقامت بدفع إيجار أربعة أشهر، ثم أخذت بإعطائنا مبلغ ألف درهم شهرياً، وأحياناً ألفين· أحدثت نقلة نوعية في حياتنا، حيث صرنا نتنفس الهواء النقي ونعيش عيشة الآدميين· لم يدم نعيمنا طويلاً، فبعد أن انتهت فترة الإيجار، لم تستطع عمتنا دفع الدفعة الجديدة، فساءت حالتنا مرة أخرى بشكل كبير، فندمنا لأننا تركنا ذلك الجحر، ففي كل الأحوال كنا قادرين على دفع إيجاره البسيط· الكيل الطافح أنا التي لم أتحدث في حياتي مع شخص غريب لا أدري من أين جاءتني الجرأة، فاتصلت بأحد قنوات البث المباشر الإذاعية، وتحدثت عن حالنا، وصرخت بأعلى صوتي: يا ناس·· نحن بنات هذا البلد·· سنموت جوعاً·· سيتم طردنا من البيت المستأجر·· فأين سنذهب؟ وماذا نفعل؟ اتصلوا بنا من ديوان صاحب السمو رئيس الدولة وأعطونا مبلغ خمسين ألف درهم، فرحنا بها فرحاً عظيماً وقمنا بدفع الإيجار لسنة كاملة، ولكن الشهور لا تتوقف، وهي تمضي مسرعة، وموعد الإيجار سيأتي قريباً، فماذا سنفعل؟ ذهبت إلى الشؤون وحكيت لهم عن حالتنا، فقالوا إننا لا نستحق المساعدة إلا بعد أن نصل إلى سن الخامسة والثلاثين، أو أن يتم طلاق أمنا· فكرت في العمل، ولكن ماذا سأعمل وأنا لا أعرف القراءة والكتابة؟ قدمت أوراقي للشرطة وتوسلت بعمي ليتوسط لي، ولكنه لم يفعل، توسلت إليه أن يشتري لي سيارة ولو بخمسة آلاف درهم، استخدمها في توصيل بعض السيدات فأحصل على المال، ولكنه رفض أن يساعدني· ذهبت إلى الجمعيات الخيرية، ولكنهم طلبوا منا ورقة طلاق أمنا، فما دام الزواج قائماً فالزوج هو المسؤول عن أسرته· حتى أملنا في الزواج شبه منعدم، فمن يفكر بالزواج من فتاة والدها مدمن؟ إنه الحكم بالإعدام علينا·· أليست هذه هي الحقيقة؟ في أحد الأيام اتصل بنا والدي وطلب عقد زواجه بأمنا، ففكرت أمي بأنه ربما سيعود لرشده ويعمل شيئاً طيباً من أجلنا، أخذ عقد الزواج وشهادات الميلاد، وقال إنه سيطلب بيتاً من الحكومة لأجلنا، فرحنا فرحاً كبيراً وقلنا: الحمدلله·· سنعيش أخيراً في بيت ملكنا ولن يطالبنا أحد بالإيجار· وفعلاً فقد حصل على البيت الحكومي بأسرع مما توقعنا، ولكنه لم يدعنا للسكن فيه وإنما أسكن زوجته الهندية وحوله إلى وكر جديد للتعاطي· منذ أن تزوج والدي تلك المرأة الهندية ازداد كرهه لنا بشكل لا يوصف، فكلما اتصلت به صار يشتمني ويسب أمي، وعندما ألح عليه في طلب المال يكرر على سمعي تلك العبارة المنحطة، خلقكن الله بناتاً لتستفدن، ولكن أنتن غبيات مثل أمكن ولا تعرفن كيف تكسبن المال بسهولة· تحدثت مع زوجة أبي بعد أن يئست من تعاطفه، قلت لها: أنت إنسانة، لديك شعور وأنا مستعدة أن أعمل خادمة لديك، فقط أقنعي والدي ليعطينا مصروفاً شهرياً حتى لو كان ثلاثمائة درهم، فردت علي بنفس أسلوبه: يمكنك أن تكسبي الكثير من المال لو كنت ذكية ولكنك غبية مثل أمك· يبدو أن قلب أبي وزوجته قاسٍ كالحجر، ماتت فيه الأحاسيس، والله حتى الحجر يشعر بالرهبة والخوف من الله، ولكن قلوب هؤلاء الناس هي أقسى من الحجر· لا يمكنني أن أنسى ما قالته أمي وهي في إحدى حالات الحزن والانهيار، أخبرتني بأن والدي كان يوماً محتاجاً للمال من أجل المخدرات فلم يجده بعد أن باع كل ما في البيت، عندها جاءته فكرة شيطانية، حيث فكر بأخذي، أنا ابنته البكر، وقد كنت وقتها في السنة الثانية من عمري، قرر أن يبيعني ليحصل على المال الذي يؤمن له المخدرات، حدثت معركة حامية بينهما في ذلك اليوم، هي متشبثة بي، وهو يضربها حتى تجمع الناس من حولهما وأنقذونا منه· نتظاهر بالرضا والصبر أمام أمنا، لا نريدها أن تشعر بالمزيد من الألم والحزن، يكفيها ما عانته طوال عمرها، ونحن لا نيأس من رحمة الله، وما قد يخبئه لنا المستقبل، فالنظر للغد بتفاؤل خير وسيلة لرفض الواقع المظلم· سفَّاح بقليل من الدماء!! أحمد محمد القاهرة - كثيرون الذين حصلوا على لقب سفاح في عالم الاجرام بعدما ارتكبوا جميع انواع الجرائم، حيث سفكوا الدماء وقطعوا الطرق واستولوا على الاموال بالقوة تحت تهديد السلاح في جنح الظلام جهارا نهارا، تكررت جرائمهم وخالفوا القوانين وقاوموا رجال الشرطة، وربما دخلوا معهم في مواجهات دامية، والنتيجة دائما إما القتل في هذه المواجهات، واما القبض عليهم وتقديمهم للعدالة· والنهاية متشابهة حيث تقضي المحكمة غالباً باعدامهم· لكن محمد سيد مصطفى خالف هذه الأعراف فحصل على لقب سفاح دون أن يريق الكثير من الدم، أو يقتل حتى دجاجة· أصبح سفاحاً بجدارة دون أن يقطع طريقاً أو يسرق احداً في الظلام· كان سفاحاً حديثاً من نوع خاص اعتماداً على مجرد تصرفات صبيانية غير مسؤولة لم يحسب عواقبها· اولى خطواته على هذا الطريق كانت في 20 ديسمبر 2006 حيث كان على موعد مع البداية التي حولته الى أسطورة· لم يكن للناس في كل مكان حديث غيره، فقد اثار الذعر عندما خرج يبحث عن عمل، هو صاحب مهنة رائجة حيث يعمل حلاقاً، توجه الى منطقة المعادي في جنوب القاهرة يتجول بين صالونات الحلاقة لعله يجد فرصة عمل، وبينما كان يسير في الشارع كانت عيناه تتفحصان الفتيات والسيدات، وكان يصوب نظراته المسمومة نحوهن ويتابع كل واحدة منهن حتى تختفي عن ناظره·· سار بجوار محطة مترو الانفاق ولفتت انتباهه واحدة كانت ترتدي بنطلوناً ضيقاً فاقترب منها وتتبع خطواتها، التصق بها وكان الشارع شبه خال من المارة، أخرج شفرة حلاقة وقطع البنطلون عند منطقة حساسة من جسدها، نظرت خلفها فوجدته وصرخت بفزع، ولكنه في ثوان معدودة اختفى في إحدى الفيلات القريبة وطواه الظلام في الوقت الذي تجمع فيه المارة حول الفتاة محاولين تهدئتها، وعبثا بحثوا عن الفاعل فلم يجدوه، وتوجهت المجني عليها الى قسم الشرطة لتحرر محضرا بالواقعة· انتشرت قوات الشرطة في المنطقة بحثا عن المتهم دون جدوى، غير انهم فوجئوا بعد ايام قليلة بواقعة أخرى لطالبة بالصف الأول الثانوي تتعرض لطعنة من الخلف ايضا من شخص ملثم مجهول اثناء عودتها من درس خصوصي بمنزل إحدى زميلاتها، وكما حدث في الواقعة الأولى اختفى المتهم· انتشر رجال الشرطة في المنطقة تحسبا لظهور هذا المجرم لكنه انتقل الى منطقة مجاورة، وكانت ضحيته تلميذة في الرابعة عشرة من عمرها نالتها طعنة في الصدر اثناء سيرها بالقرب من مدرستها وهي عائدة الى منزلها واصيبت بتجمع دموي في الرئة· وهكذا بدأ يتنقل في المناطق المجاورة بين البساتين وصقر قريش والمعادي الجديدة· وفوجئت به إحدى السيدات كانت تعمل في مصلحة الطب الشرعي يقف خلفها اثناء توجهها الى عملها، ووضع يده على فمها لمنعها من الصراخ واخرج مطواه، فكانت اسرع منه واخرجت مشرطا طبيا وضعته في حقيبتها خصيصا بعد انتشار اخبار الجرائم وتمكنت من اصابته في يده فاصابها، هو الآخر بجرح وايضا اختفى وفر هاربا· ضاقت عليه هذه المناطق بسبب الانتشار الكثيف لرجال الشرطة، فنقل نشاطه الى منطقة أخرى تسمى ''زينهم'' وبطريقة مختلفة نسبيا حيث صعد الى موظفة في شقتها بالطابق الرابع واعتدى عليها باللكمات وسدد اليها عدة طعنات، ومن هول المفاجأة لم تستطع الاستغاثة، فخرج آمنا وترك المكان دون ان يشعر به احد· تحول هذا السفاح الى شبح يظهر ويختفي ثم يظهر في مكان آخر، يرتكب جريمة أخرى بنفس الطريقة، ويثير الذعر والفزع في نفوس الفتيات والسيدات والرجال والشباب خوفا علي بناتهم وزوجاتهم، فتوقفت التلميذات عن الذهاب الى الدروس الخصوصية بعد مواعيد الدراسة، وامتنعت السيدات عن التوجه الى الأسواق إلا بصحبة الرجال، وصارت كل امرأة أو فتاة تتلفت يمينا ويسارا اثناء سيرها خشية ظهور السفاح فجأة، كما أصبح البنات يسرن في جماعات حتى اذا تعرضت إحداهن لاي اعتداء سارعن إلى نجدتها وانقاذها· وتحولت مناطق المعادي والبساتين وصقر قريش وغيرها الى ثكنات عسكرية من رجال الشرطة، خصوصاً السريين الذين انتشروا في كل موضع قدم أمام المدارس لاسيما مدارس البنات وأمام المصالح والهيئات الحكومية، وعند محطات مترو الانفاق والباصات وفوق اسطح المنازل وفي وسائل المواصلات، وتم تجنيد ثمانين فرقة تضم ضباطا وجنوداً لمراقبة الشوارع ليلاً ونهاراً، كانت كلها تبحث عنه لكنها لم تعثر له على اثر· كما تم تدعيم الخطة بخمسين سيدة وفتاة في الشوارع كمصائد له عسى ان يقع في إحداها لكن ذلك لم يحدث· اصبح السفاح حديث الناس في العاصمة، وكان الجميع يخشون هذا الشبح ويتناقلون اخباره يوميا، ففي كل صباح هناك ضحية جديدة له، وكان يرتكب جريمته كما لو أنه يرتدي طاقية الاخفاء· لقد عرف من الصحف كل الترتيبات الامنية والحشود التي تنتظره، ورغم ذلك لم يتوقف عن ممارساته فعندما كان يسير في وسط العاصمة، وتحديدا في منطقة الازبكية، كرر فعلته مع سيدة تسير بجوار ابنها وشقيقها اللذين لقناه درساً ساخناً· وتركاه أمام تدخل المارة وبعدما اختفى اكتشفت المرأة انه قطع ملابسها، واصابها بجرح من شفرة الحلاقة فقامت بتحرير محضر ضده· وخلال ثلاثة اشهر كاملة هي ديسمبر 2006 ويناير وفبراير 2007 ارتكب السفاح الخفي خمسا وثلاثين واقعة· وتعددت الروايات والأوصاف حوله، واختلفت الاقوال وتباينت بشأنه، فمن الضحايا من تقول إنه أسمر وطويل، وأخرى تؤكد انه ملثم، وثالثة تصف لون بشرته بالقمحي، ورابعة تقول إنها لم تتبين ملامحه، وخامسة تقول إنه كان يستقل دراجة نارية، وصفه البعض في البداية بأنه شاب ملتح متطرف يتصيد ضحاياه من الفتيات المتبرجات وغير المحجبات، ولكن القول انهار بعدما اعتدى على سيدات محجبات، وهكذا لم يستطع رجال المباحث أن يصلوا لأوصاف معينة يعتمدونها، بينما هم يتفحصون وجوه جميع المواطنين ولا يستثنون احدا· حتى الرسامين الذين تمت الاستعانة بهم لرسم شكل تقريبي للمتهم من خلال الأوصاف التي ادلى بها الجناه رسموا له أحد عشر شكلا مختلفا معظمها متناقضة· وبعد أشهر ثلاثة اختفى السفاح الشبح وتوقفت جرائمه تماما، حتى خرجت الأقوال غير الواقعية وغير المقنعة يتناقلها الناس بدون تحقق، ومنها أن سفاح المعادي مجرد شائعة وكذبة ولا وجود له· مر عامان وبضعة أشهر على هذه الوقائع التي أصبحت في طي النسيان، قبل أن ينكشف أمر السفاح الغامض بالصدفة البحتة، عندما خرج مخرج الاعلانات من شقته فوجد شابا في الواحد والعشرين من عمره يقف في مدخل البناية، وسأله عن مقصده فقال له انه يبحث عن زميل له حلاق، فأخبره انه لا يوجد أحد هنا يعمل حلاقا· وتركه لشراء بعض حاجياته من الخارج وعاد بعد ربع الساعة ليجده مازال واقفا أمام شقة غير مسكونة، ويتحدث في الموبايل، إعتقد حينها انه لص حضر لسرقتها، فأمسك به وأبلغ الشرطة وتم القبض عليه لتتكشف الحقيقة دون أن يبحث عنها احد، وجلس الشاب امام ضابط الشرطة يعترف بارادته دون ان يسأله المحقق عن الماضي·· فأجاب عن اسئلة لم توجه اليه، وقال إنه مرتكب كل جرائم المعادي، وانه من قالوا انه السفاح وذكر كل التفاصيل الدقيقة وتعرف الضحايا عليه، واحيل الى النيابة التي أمرت بحبسه بتهم هتك العرض وإثارة الذعر وحيازة سلاح ابيض· ولم يخل الأمر من التشكيك في شخصية المتهم· واستبعاد أن هذا الشاب النحيل الضعيف يستطيع ان يرتكب كل هذه الوقائع· غير ان رد رجال الشرطة كان بسيطاً وفيه بعض الاقناع وقالوا إنهم لم يكونوا مضطرين لتلفيق هذه التهم لاي شخص لأن الموضوع أصبح من الماضي، وان المتهم كرر اعترافاته أمام جميع من سألوه وفي النيابة ايضا· وهكذا انكشف لغز السفاح بالصدفة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©