الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد النبي الإنسان 2

محمد النبي الإنسان 2
26 فبراير 2009 23:51
بدأ الاهتمام بقضايا البيئة في هذا العصر مع بداية الاختلال في التوازن البيئي الطبيعي، بسبب استخدام منجزات الثورة العلمية فى إحداث الإضرار بالتوازن البيئى الربانى، مما أدى إلى العديد من المشكلات البيئية، ومن أبرزها تدهور إنتاجية الأراضي الزراعية والتلوث وتغيير المناخ الذي نتج عنه ارتفاع درجة حرارة الأرض و ارتفاع مستوى سطح مياه البحر مما يهدد بغرق 120مدينة ساحلية· ومن هنا تتضح أهمية دعوة المصطفى - صلى الله عليه وسلم- إلى الاعتدال في الإنفاق ونهيه عن الإسراف والتبذير· فيعتبر جشع الإنسان وطمعه وحبه للتملك من الأسباب الرئيسية لاختلال التوازن البيئي· وهذا الطمع خصيصة بشرية يرصدها الخالق سبحانه وتعالى: ''زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب'' آل عمران: 14 ويحذرنا رسول الإسلام - صلى الله عليه وسلم- من هذا الطمع ويدعونا الى التوبة عنه قائلاً: ''لو كان لابن آدم وديان من مال لابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب'' رواه روى البخاري· ويدعو الى الوسطية و الاعتدال فى الإنفاق والاستهلاك فيقول''كلوا واشربوا وتصدقوا في غير إسراف ومخيلة''( رواه النسائي وابن ماجة) أنماط الإنتاج الضارة وتتضح أهمية دعوته إلى الوسطية في الحفاظ على البيئة، إذا علمنا أن الإخلال بالتوارن البيئي قد جاء بسبب الإسراف سواء عبر أنماط الإنتاج أو من خلال أنماط الاستهلاك لدى الإنسان المعاصر· فيما يتعلق بأنماط الإنتاج فى العصر الحديث، نجد أن الدول الصناعية تسعى بنهم كبير إلى استهلاك كميات متزايدة من المواد الخام ومواد الطاقة التى تنتج عالمياً مثل الفحم الحجرى، والبترول والغاز الطبيعي، وكلها مصادر للطاقة غير متجددة والعجيب أن حجم الوقود المستخرج من هذه المصادر قد تضاعف الى نحو 30 مرة في هذا القرن مقارناً بالقرن الماضي· ومن هنا ندرك فداحة هذه المشكلة ونتصور آثارها الضارة على البيئة، وما تدل عليه من جشع وإسراف· وبحسب تقرير للمجلس الاقتصادي الاجتماعي للأمم المتحدة الصادر في مارس عام 2001م، فإن السبب الرئيسي لاستمرار تدهور البيئة العالمية يكمن في انماط الاستهلال والإنتاج غير المستدامة ولا سيما في البلدان الصناعية· كما نجد إجهاد البيئة بطرق مختلفة منها استنزاف التربة والقطع الجائر للغابات، وإنهاك ماشية المرعى، والصيد الجائر للحيوانات البرية والبحرية والتلوث الذي أدى الى القضاء على كثير من أنماط الحياة البرية في العديد من دول العالم· النهم الاستهلاكي فساد للبيئة أما من حيث أنماط الاستهلاك، فنجد تزايداً خطيراً في أنماط الاستهلاك· فيعزي تقرير المجلس الاقتصادي الاجتماعي للامم المتحدة نسبة 86% من مجموع نفقات الاستهلاك الفردي إلى 20% من من سكان العالم الذين يقطنون في البلدان مرتفعة الدخل· و قد كان العالم قبل عام 1950م لا ينتج إلا نحو 20% من السلع التى ينتجها اليوم ، كما كان العالم لا يستهلك إلا نحو 35% من المعادن التى يستغلها اليوم· وتتعدد ملامح الإخلال بالتوازن البيئي بسبب التدخل غير الراشد للإنسان، ففي مجال الزراعة حدث تدمير خطير، ويكفى أن نذكر أنه خلال الفترة ما بين 1971- حيث انعقدت قمة أستوكهولم للبيئة بالسويد - وحتى عام 1992 حيث انعقدت قمة ''ريودى جانيرو'' في البرازيل، أعلنت الأمم المتحدة أنه تم قطع 494 مليون فدان من الأشجار، وأن التصحر قد نجح في التهام 297 مليون فدان أخرى، وأن عشرات الألوف من الحيوانات والنباتات قد انقرضت، ولم يعد لها وجود فى دنيا الناس، كما ارتفعت نسبة ثاني أكسيد الكربون بمقدار 25% عما كانت عليه عام 1972 أي أن معدل قطع الغابات قد بلغ 25 مليون فدان سنوياً كما بلغ معدل التصحر 15مليون فدان سنوياً· أما في المجال الصناعي، فقد أدت الثورة الصناعية الى إنتاج العديد من المركبات والمواد الكيماوية، الضارة بالبيئة، من بينها المبيدات التي تستخدم في مكافحة الآفات الضارة بالزراعة، ومنها مركب د·د·ت· ومشتقات كل من الزرنيخ والفلور،كلها لها اضرار خطيرة على الإنسان والبيئة· كما أن الدول الصناعية الكبرى قد حشدت فى ترسانتها الحربية كميات هائلة من المواد الضارة بصحة الإنسان والملوثة للبيئة، وفي مقدمتها اليورانيوم، و أصبحت الأقمار الاصطناعية والمكوكات الفضائية تجوب الغلاف الجوى ليل - نهار فمزقت هذا الغلاف وصاحب ذلك نفايات وعوادم تكتظ بها البيئة فضلاً عن عوادم السيارات ومخلفات المصانع· خطورة الإسراف و تتضح خطورة الإسراف والنهم في إشباع الرغبات بصورة عنيفة بلغت حد السفه، إذا لاحظنا الاندفاع المحموم الذي تقوم به شركات تصنيع الإغذية، حيث تعمد الى ترويج منتجاتها بكل السبل لدفع الناس الى زيادة الاستهلاك الى درجة الإسرف· و المقصود بالإسراف والتبذير، من المنظور الإسلامي بحسب الدكتور حسين شحاتة ـ أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر '' ما يجاوز حد الاعتدال والوسط في الإنفاق والسلوك''· والإسراف مُحرم بنص قول الله عز وجل: ''والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما'' الفرقان الآية ·67 كما يعتبر التبذير من الكبائر التي نهى الله تعالى عنها، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ''إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ''الإسراء: الآية ·27 وقد أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة إلى أن مستوى الاستهلاك ومعدلاته الحالية في العالم في تزايد وإذا استمر على ما هو فيه فإن المصادر الطبيعية فى الأرض ستنضب في مدة لا تتجاوز عشرين عاماً، كما يرى واضعوا التقرير أن الأرض يمكن أن تلبي حاجات البشر بشرط البعد عن الإسراف· وهنا يبرز منهج المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الذي نهى عن الإسراف، حيث يقول:''ما ملأ آدمي وعاء شر من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ''· رواه الترمزي وأحمد و الحاكم· وفي سلوكه يقدم لنا المصطفى أسوة حسنة في الاعتدال في مأكله مشربه، قالت أم هانئ بنت أبي طالب ''دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال هل عندكم شيء فقلت لا ·· إلا كسر يابسة وخل فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: قربيه فما أقفر بيت من أدم فيه خل'' وروى جابر وابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية (سنن الترمذي) وقد ناولته ابنته فاطمة كسرة من خبز شعير، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:''هذا أول طعام أكله أبوك من ثلاثة أيام'' رواه أحمد· ويعنى التطبيق العملى لذلك في ميدان البيئة - الحفاظ على التوازن البيئى، فلا شك في أن السلوك المعتدل في تعامل الإنسان مع بيئته يعطي الفرصة لعناصر البيئة لكي تتجدد ذاتياً ولكى تمتص التلوث الناتج عن هذا التعامل أو التفاعل فيما بين الإنسان والبيئة ، وهو ما يسمى بإعالة الحياة· ومن ثم فإن الاعتدال الذي يدعو إليه خاتم المرسلين، ينسجم مع التوازن البيئي ويحافظ عليه، ولكن عندما يتصرف الإنسان بعيداً عن هذا المنهج، يحدث الخلل ومن ثم التلوث الضار بالبيئة·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©