الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المحظرة جامعة بدوية تناسب بدائية قاطني الصحراء

المحظرة جامعة بدوية تناسب بدائية قاطني الصحراء
26 فبراير 2009 23:45
يدين الموريتانيون للمحاظر التعليمية المنتشرة على طول البلاد بالكثير من الفضل، لأنها حافظت على هوية البلاد الحضارية والثقافية ووفرت فرص التعليم المجاني لجميع الموريتانيين دون استثناء من رعاة الإبل في الصحاري القاحلة إلى صناع القوارب على شواطئ المحيط الأطلسي، مما ساهم في تدني نسبة الأمية بموريتانيا مقارنة بدول المغرب العربي· كما أن مقارنة بسيطة بين لهجات الدول المغاربية واللهجة الموريتانية تؤكد إسهام هذا النظام التعليمي في الحفاظ على نقاء اللهجة الحسانية من الشوائب ومن التأثر بفترة الاستعمار الفرنسي، حتى قيل إن اللهجة الحسانية هي الأقرب بين اللهجات العامة إلى اللغة العربية· وساهم انتشار المحاظر بالصحارى في وصول العلم إلى كل طالب له، حيث كان من المستحيل تعليم البدو المتنقلين بين ربوع الصحراء والذين يشكلون النسبة العظمى من سكان البلاد، عن طريقة إقامة المؤسسات والمدارس، فكان من الضروري وجود نظام يؤمن وظيفة المدرسة ويوافق طبيعة الصحراء والترحل الذي يميز حياة سكانها، ونجحت المحظرة في تحقيق هذه المعادلة، حيث ابتدع الموريتانيون هذا النظام التعليمي وطوعوه ليوافق ظروفهم الاجتماعية والبيئية· وإذا كان الدور الأساسي للمحظرة هو نشر التعاليم الدينية وتحفيظ القرآن الكريم، فإن محافظة الموريتانيين على دينهم ومعرفتهم الدقيقة والواسعة لأصوله، تؤكد قيام المحظرة بدورها على أكمل وجه وهو ما أهلها إلى أن تستمر على مر القرون وتنطبع في حياة المجتمع· كما لعبت المحاظر دوراً كبيراً في نشر الإسلام بغرب أفريقيا خصوصاً بمالي والسنغال حيث تستقبل هذه المحاظر طلبة من جميع الجنسيات إحياءً لسنة أفريقية قديمة كانت تربط بين رحلات التجارة العابرة للصحارى أو رحلات البحث عن الماء والمرعى لطلب العلم والتفقه في الدين، إضافة إلى استقبالها الأوروبيين والأميركيين الباحثين عن حقيقة الإسلام· والمحاظر الموريتانية التي خرّجت علماءً كباراً جابوا الدنيا بعلومهم وعملوا على نشر الإسلام وتعاليمه، هي شكل من أشكال التدريس لا يوجد إلا بموريتانيا، فرضته حياة الترحال حيث كانت هذه الجامعات البدوية تنتقل بطلابها على ظهور الإبل، محافظة على طابعها ونظامها التقليدي· ويعود تاريخ ظهور التعليم المحظري إلى القرن السادس الهجري حيث كانت المحظرة تطلق على المدارس القرآنية في بلاد المغرب العربي، ثم أصبح استعمال هذا الاسم مقتصراً على جامعات شعبية بدوية متنقلة في موريتانيا، وقد لعبت هذه الجامعات دوراً مهماً لم يقتصر على الجانب التعليم والتثقيفي بل تجاوز ذلك لتضطلع بدور سياسي واجتماعي برز عبر مراحل تاريخ بلاد شنقيط، حيث قامت المحاظر بسد الفراغ الذي خلفه سقوط دولة المرابطين وشكلت سلطة سياسية تلتجئ القبائل إليها لفض نزاعاتها وعقد الصلح بينها، كما أنها قاومت الاستعمار وشكّلت بؤرة التعبئة الشعبية ضد وجوده ووقفت سداً منيعاً ضد محاولاته طمس الهوية الإسلامية وفرض اللغة الأجنبية، فعززت هذه الجامعات البني الاجتماعية والثقافية وصانت هوية البلاد ولغته وحققت الترابط والتجانس بين أفراده· وتضم موريتانيا أكثر من 1500 محظرة يدرس بها حوالي 70 ألف طالب من مختلف الجنسيات، وتنتشر المحاظر على طول البلاد وتضم مختلف المراحل الدراسية من الابتدائي وحتى العالي، وتنقسم إلى محاظر كبيرة ومشهورة تدرس القرآن الكريم وعلوم الفقه وأصوله وعلوم الحديث والبلاغة والفلسفة والتاريخ والحساب والطب، وأخرى صغيرة تختص بتدريس القرآن الكريم فقط· ومن أجل المحافظة على هذا النظام التعليمي الذي دخل في صراع حاد مع المدرسة النظامية خصصت الحكومة الموريتانية وزارة تتولى تنظيم تعليم المحاظر وهي وزارة التوجيه الإسلامي والتعليم الأصلي·
المصدر: الدار البيضاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©