الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإفطار في سنغافورة

16 أغسطس 2011 22:42
وجدتني ذات رمضان في سنغافورة، وهي كما هو معروف مجرد ميناء بحري أقيم على جزيرة صغيرة يقطنها خليط من التجار قد يصل عددهم إلى ثلاثة ملايين نسمة، بينهم نصف مليون مسلم من سكان البلاد الأصليين، والبقية خليط بشري يضم المهاجرين من الصين وماليزيا والهند والباكستان وأندونيسيا. غير أنني لم أشعر بالغربة، فكنت أذهب إلى شارع العرب الذي يعتبر نموذجاً مصغراً لحي عربي الطابع، حيث المسجد والمحال والمطاعم العربية، ووجدتني شبه مقيم في ذلك الحي خصوصاً في الفترة المسائية، حيث أذهب للإفطار وصلاة المغرب في مسجد السلطان، وهو أكبر المساجد في البلاد، ويستمر بقائي إلى ما بعد صلاة التراويح. تجد نفسك هنا تعيش وسط حي لا يختلف كثيراً عن الأحياء العربية، بل إنك قد تستغرب تآلف السنغافوريين وتوادهم في هذه الأيام المباركة وتكافلهم واهتمامهم بعابري السبيل والغرباء، وقد يحاولون التحدث معك بالعربية من باب اعتزازهم بها لأنها لغة القرآن، ويعرفون أنك قادم من منطقة مقدسة في العالم الإسلامي. وبالرغم من أن المسلمين هم سكان البلاد الأصليين غير أنهم يعتبرون أقلية، وهم من أنشط الأقليات المسلمة في جنوب شرقي آسيا، وقد عرفوا الإسلام عن طريق التجار العرب المسلمين، الذين حملوا أخبار الدعوة الإسلامية إلى سنغافورة منذ وقت مبكر، حيث تكونت بالمدن الساحلية أولى الجاليات الإسلامية في القرن الهجري الأول. وبمرور الوقت اعتنقه سكان الجزيرة طواعية؛ لأنه الدين الذي يساوي بين البشر، ويقر جميع الحقوق الإنسانية دون أي فوارق عرقية. وانتشرت اللغة العربية وانتعشت مؤسسات الدعوة والتعليم الإسلامي في سنغافورة منذ القرن التاسع الهجري. ولا تزال الحروف العربية مستخدمة وإن كان بشكل محدود في بعض اللوحات الإرشادية في الشوارع الرئيسية والأماكن العامة، وهي وإن كانت حروفاً عربية غير أنها تعبر عن لغة «الملاي» لغة أهل البلاد الأصليين، التي تنتشر بجانب خليط لغوي يتكون من اللغات الصينية والإنجليزية والتاميلية التي جاء بها المهاجرين معهم من بلدانهم. غير أن مسلمي سنغافورة حافظوا على هويتهم عبر السنين بالرغم من كل ما يتعرضون له من تغريب بسبب التمازج الثقافي والإثني في البلاد، ونجحوا في خلق نموذج للتعايش بين الأديان لدرجة الانصهار دون أن يؤثر ذلك على عقيدتهم بالرغم من الأيديولوجيات التي تحيط بهم، وربما من أجل ذلك يحرصون على بناء المساجد والمدارس الإسلامية من أموال الزكاة والوقف، ومازالت بعض المساجد الأثرية قائمة حتى اليوم وأقدمها مسجد «ملقا» الذي بُني عام 1830م. سعيد البادي | rahaluae@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©