الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضريح مؤمنة خاتون أقدم معالم «جمهورية نخجوان»

ضريح مؤمنة خاتون أقدم معالم «جمهورية نخجوان»
16 أغسطس 2011 22:26
أحمد الصاوي (القاهرة) - هي وضريحها والمدينة علامات استثنائية في تاريخ الإسلام بتلك الأصقاع من آسيا الوسطى التي تلاقت عندها شعوب الترك مع الأرمن والشعوب السلافية الأوروبية. ونخجوان أو “ناختيشفان”، كما ينطقها أهلها هي اليوم جمهورية مستقلة استقلالاً ذاتياً وأصلها من أقاليم أذربيجان، ولكنها منفصلة جغرافياً عن الوطن الأم ويتطلب الوصول إليها المرور إما عبر أرمينيا أو أذربيجان الغربية التي هي مقاطعة إيرانية وفي ذات الوقت تعد الجمهورية الصغيرة معبراً لجمهورية أذربيجان باتجاه تركيا. وتعرف “نخجوان” في كتب الجغرافيين العرب باسم “النشوى”، وقد أطلق عليها اليونان اسم “نخشوانا” أي الماء العذب وفي تفسير آخر مدينة نوح. وخلال القرنين السادس والسابع الهجريين “12 - 13م”، كانت المدينة حاضرة لدولة أتابكة أذربيجان التي امتد نفوذها ليشمل العراق وبلاد الشام. «الأتابكة» والسيدة المقصودة هنا هي “مؤمنة خاتون” زوجة أتابك أذربيجان محمد بهلوان وهي أميرة سلجوقية كان والدها حاكماً للري المدينة الإيرانية المعروفة وجاء زواجها ضمن صفقة سياسية أو لنقل إنه كان زواجاً سياسياً حفظ لأطرافه أوضاعهم وممتلكاتهم في وقت كانت إمبراطورية السلاجقة المترامية الأطراف تتعرض للتمزق وتجتاحها الصراعات بين القادة العسكريين الكبار. فبعد انتهاء عهد السلاجقة العظام تنازع أمراء البيت السلجوقي في العراق وإيران العرش وهو ما أتاح الفرصة أمام القادة الأتراك للاستقلال بأجزاء من الأقاليم التي كانت خاضعة للسلاجقة، وقد عرفت الدويلات التي أسسوها باسم دول “الأتابكة” نسبة لتلقب الواحد منهم بالأتابك أو القائد الكبير باللغة التركية ولعل دولة أتابكة حلب أبرز تلك الدول لما لعبته في ظل حكم نور الدين محمود زنكي من دور في مقاومة الصليبيين بالشام. ومن هؤلاء القادة برز اسم شمس الدين يلدكز وهو مملوك تركي لكمال الدين أبي طالب وزير السلطان السلجوقي محمود بن محمد بن ملك شاه فلما اغتيل الوزير سنة 516 هـ في بغداد انتقل يلدكز لخدمة السلطان محمود ثم أخيه السلطان مسعود الذي قربه إليه وزوجه أخت زوجته، وهي أرملة أخيه السلطان طغرل بن محمد فصار شمس الدين أتابكا “قائداً” لأرسلان شاه بن طغرل وأعطاه ابن زوجته حكم إقليم أران في أذربيجان سنة 541 هـ، فأخذ يوسع نفوذه حتى استولى على معظم أذربيجان وبلاد الجبل وهمذان وأصبهان والري واتخذ من تبريز عاصمة له وأصبح ابنه “محمد جهان بهلوان” حاجباً لأخيه من الأم أرسلان بن طغرل الذي أصبح سلطانا للسلاجقة في فارس والعراق. ظل شمس الدين يهيمن على الدولة السلجوقية حتى توفي عام 568 هـ “1172م”، ولم يكن للسلطان أرسلان معه إلا الاسم وورث محمد بهلوان نفوذ أبيه حتى أن أرسلان آثر الانزواء حتى وفاته سنة 571 هـ وقيل إن أخاه محمد جيهان بهلوان دس له السم ليتخلص منه وجعل السلطنة لابنه الطفل طغرل بن أرسلان وهو آخر ملوك سلاجقة فارس والعراق. اعتراف بالفضل حافظ أتابكة أذربيجان من أسرة شمس الدين يلدكز على مواقعهم في أران وما حولها وأضحت نخجوان عاصمة لملكهم عوضاً عن تبريز التي هوجمت غير ما مرة من أمراء السلاجقة المتنازعين على العرش. ومارس محمد جيهان بهلوان الحكم فعلياً في حياة أبيه، وظلَّ من بعده قوي النفوذ وتغلب على هجمات ملك الأبخاز على أذربيجان وهجمات محمد ابن طغرل عم السلطان السلجوقي على العراق واتصل به صلاح الدين الأيوبي سنة 581 هـ لدى وصوله إلى الموصل ملتمساً منه السماح بالمرور في الأراضي الخاضعة لنفوذه كي يحطم قلاع الإسماعيلية الحشيشية في قزوين وبسطام ودامغان، ولكن بهلوان خشي أن يشجع ذلك صلاح الدين على غزو العراق فرفض ذلك وانتهى الأمر بالصلح بينهما وما لبث محمد بهلوان أن مرض وتوفي سنة 582 هـ “1186م”، وكان حتى وفاته يسيطر على بلاد الجبل والري وأصفهان وأذربيجان وأران والأمراء والأموال بحكمه، وليس للسلطان طغرل معه إلا الخطبة والتسمي بالسلطنة. وعندما توفيت زوجته “مؤمنة خاتون” في عام 582 هـ “1186م”، وكان في مرض الموت أمر بأن تشيد لها قبة ضخمة على غرار القباب السلجوقية لتدفن تحتها اعترافاً بما كان لزواجه منها من فضل في تثبيت دعائم أركان ملك أبيه وخاصة أنها منحته وريث عرشه “عثمان قزل أرسلان” الذي ساهم بشجاعته وقسوته في حماية ممتلكاته من عدوان الأبخاز والسلاجقة. ويعتبر مدفن مؤمنة خاتون اليوم من المعالم الرئيسية في الجمهورية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 550 ألف نسمة يتحدثون اللغة الأذرية وربما يكون أقدم هذه المعالم من الناحية التاريخية وأكثرها التصاقا بالطرز المعمارية للسلاجقة. القبة الأتابكية ويعرف المدفن اليوم بالقبة الأتابكية ومهندس المدفن معماري شهير هو “أبو بكر أوغلو عجمي”، وهو فيما يبدو من اسمه التركي أحد المهندسين الذين خدموا ببلاط السلاجقة في بلاد العجم “فارس”، وقد التزم في تصميمه للمدفن بالطابع المعماري المميز للمدافن السلجوقية التي انتشرت في إيران والعراق والأناضول أيضاً. وقد بدأ السلاجقة تشييد الأضرحة على شكل أبراج اسطوانية أو ذات أضلاع وأوجه متعددة في خراسان واتخذوا الآجر مادة لبنائها واكسبوها الكثير من الضخامة والأناقة ويعتبر ضريح كنباد قابوس في إقليم جرجان أقدم الأمثلة السلجوقية لهذا النوع من العمائر وهو مؤرخ بعام 397 هـ. أما قبة مؤمنة خاتون فهي عبارة عن برج مثمن الأضلاع شاهق الارتفاع، وهو مغطى بقبة مخروطية وقد ازدان كل ضلع بدخلة غائرة تتوج في نهايتها بعقد له مقرنصات من ثلاث حطات وتضم دخلة واحدة فتحة باب المدفن التي تتقدمها درجات سلم جانبية. وبأعلى هذا المدخل سجل عجمي اسمه كمهندس لهذا العمل في اعتزاز واضح بما قام بانجازه. تصميم وقد استخدم المعماري عجمي قوالب الآجر في زخرفة واجهات البرج حتى القمة بأشكال هندسية متداخلة قوامها أشكال الأطباق النجمية التي تحصر في مركزها لفظ الجلالة منفذاً بالخط الكوفي، ولم يستخدم غير تلك الأشكال الهندسية التي عزز جمالياتها ببعض قوالب الآجر المطلية باللون الأزرق الفيروزي المزجج والذي أخذ يتكاثف كلما ارتفع البرج فبعد انتهاء قمم العقود المتوجة للدخلات استخدم عجمي بلاطات من الخزف الأزرق الفيروزي في تنفيذ الكتابات التذكارية الخاصة بالمدفن وجاءت بالخط الكوفي المعماري من دون أن يشغل الفراغات بين الحروف بأي نوع من الزخرفة النباتية وكأنه أراد للكلمات التي تحمل اسم مؤمنة خاتون وتاريخ وفاتها في عام 582 هـ أن تكون واضحة ومقروءة لكل من يزور المدفن. وبعد الشريط الكتابي أعاد المعماري توحيد الكيان البنائي للأوجه الثمانية للبرج بثلاث صفوف من المقرنصات البديعة وأعقب ذلك ببلاطات من الخزف المطلي باللون الأزرق الفيروزي الذي يحتضن القمة المخروطية لقبة المدفن. إحاطة السوار بالمعصم وكما تقوم جمهورية نخجوان اليوم فريدة بين أراضي أرمينية وإيران رغم انتمائها لأذربيجان يقف ضريح مؤمنة خاتون وحيداً بين العمائر الإسلامية في الإقليم فهو وحده الذي يتحدث بلسان سلجوقي مبين عن ماضي ذلك الإقليم الذي كان موضع أطماع أجناس وعقائد في قديم الزمان مثلما هو اليوم مطمح لدول ثلاث تدعي كل واحدة منها أحقيتها بضمه، وهي أرمينيا التي تحيط به إحاطة السوار بالمعصم، وإيران المتاخمة لحدوده الشرقية وأخيراً الوطن الأم أذربيجان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©