الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المتفق عليه في كتابة تجربة الذات الإماراتية

المتفق عليه في كتابة تجربة الذات الإماراتية
24 فبراير 2016 02:30
سعيد حمدان قد تكون كتابة السيرة الذاتية هي واحدة من أصعب أنواع الكتابات، لأنها ترتبط بالذات وردة فعل الآخر على الحديث أو عن الفكرة، فمن قائل: ماذا يكتب ولماذا يكتب؟ ومتى كان صادقاً ومتى استخدم القناع، هل هو هذا حقيقة كما عاش وكما كتب؟ هذه بعض أسئلة قد يطرحها القارئ، أي قارئ يمكن أن يصادف كتابك، هل تملك الإجابة لهذه وغيرها من الاستفهامات؟ في حالة الوصول إلى معادلة ماذا ستكتب ولمن وهل يستحق سردك التدوين والنشر، تبقى كتابات تجربة الذات واحدة من أجمل وأغنى الكتابات، فهي تحمل وصفة لطريقة العيش، ومعرفة الناس، وتجربة الفشل والنجاح إذا أقبل، وقسوة طعم المرارة أو لون الفرح عند الإنسان، هي ملخص فكر ورؤى، وأحكام قد نتفق وقد نختلف عليها، إنها خلاصة حياة وتجربة. في دولة الإمارات العربية المتحدة خطت 7 شخصيات تجربة الكتابة عن الذات، جميعها- أي الشخصيات، معروفة وبعضها له مكانته وينتظر الجميع منها منذ زمن مثل هذه الكتابات، وهؤلاء جميعاً عندهم ما كتبوه، وعللوا في مقدمات كتبهم أسبابهم للإقدام على الكتابة، ما بين كتابة للتاريخ والأجيال وأهمية التوثيق، ومن يقدم سيرته لأبنائه وأحفاده حتى يعرفوا من هو وماذا قدم. حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، و4 تجار هم: محمد عبدالجليل الفهيم، وخلف الحبتور، وسالم السامان، والتاجر والسفير صالح القرق، كذلك الأكاديمي الدكتور عبدالخالق عبدالله، والشاعر كريم معتوق، نشروا مذكراتهم خلال الأعوام الأخيرة، وفي سنوات تبدو متقاربة. لكلٍّ طريقته.. وغلافه التجار الأربعة سبقهم محمد عبدالجليل الفهيم في النشر، كان ذلك في العام 1996 عندما نشر مذكراته تحت عنوان (من المحل إلى الغنى، قصة أبوظبي) عن مركز لندن للدراسات العربية، وصدر في السنوات التالية بطبعات ولغات مختلفة. السارد الثاني الذي نشر مذكراته هو الدبلوماسي عيسى صالح القرق سفير الإمارات السابق في لندن بعنوان (ينابيع الذاكرة) عن دار جون موري البريطانية، وكان ذلك في العام 1998، صدرت طبعاته باللغة الإنجليزية فقط، أما سالم إبراهيم السامان فنشر مذكراته في 3 أجزاء بعنوان (دفاتر العمر) صدر الجزء الأول منها في العام 2008 والثاني 2011 والثالث 2014. أما (السيرة الذاتية)- وهذا عنوانها - لخلف أحمد الحبتور، فصدرت في العام 2012 عن دار موتيفيت للنشر. صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي نشر أول مذكراته بعنوان (سرد الذات) في العام 2009 تلاها (حديث الذاكرة) الجزء الأول منه في 2010 الجزء الثاني 2012 والجزء الثالث 2013، وجميعها من منشورات القاسمي. الأكاديمي د. عبدالخالق عبدالله اختار لمذكراته عنوان (اعترافات أكاديمي متقاعد) وصدرت طبعتها الأولى في 2014 عن دار الفارابي. أما الشاعر كريم معتوق، فكان عنوان مذكراته (سيرة ذاتية تشبهني – الطريق إلى الحياة) وصدرت في العام 2015 عن دار نبطي للنشر. جميعهم اختار أن يكون الغلاف صورة شخصية له في مراحل عمرية مختلفة، باستثناء د. عبدالخالق عبدالله، والسامان الذي اختار صورة له مع الشيخ زايد بن سلطان (طيب الله ثراه) حاملاً صقراً على يده، والفهيم الذي وضع صورة من الماضي لمحل تجاري في مبنى قديم. كتابا سالم السامان وخلف الحبتور، قدم لهما الشيخ نهيان بن مبارك. السير جيمس كريج كتب مقدمة كتاب القرق، وكتب كذلك جيمي كارتر رئيس أميركي سابق وبول فيندلي عضو الكونغرس الأميركي سابقاً كلمات في مقدمة سيرة الحبتور. أما محمد الفهيم فكتب التمهيد لكتابه د. محمد مرسي عبدالله مدير مركز الدراسات والوثائق بالمجمع الثقافي آنذاك. سيرة الفهيم ساعد في تحريرها سوزان ماكولي، والكاتب الإنجليزي مايكل رايس عمل على إعداد كتاب القرق، وليندا س هيرد في كتاب الحبتور، ود. وليد السعدي ساعد السامان في ذلك، كما أشاروا لهم في كتبهم. الماضي وصعوباته اتفق كتاب الحاكم وسيرة التجار الأربعة على وصف الماضي ومرارة العيش، وحجم التحديات ومعنى الصبر وقيمته في حياة الأجداد والآباء، وأحلامهم الكبيرة وسعيهم لحياة أفضل. المستعمر البريطاني وأدواره السيئة التي مارسها كان حديثاً طويلاً في كتاب الشيخ سلطان وسيرة الفهيم تحديداً. القرق الذي له نظرة مختلفة عن بريطانيا يجتمع مع الحبتور في الحديث المشحون بالحب والوفاء للعروبة وعبدالناصر. فلسطين والحياة في مصر والحنين للسفر لها يكاد يكون حديثاً مشتركاً عندهم جميعاً. سرد الذات له قيمة تاريخية، ويعد وثيقة مهمة تصف تاريخ تلك المرحلة وشخوصها، تحدث عن أحداث تاريخية غلّفت بالإشاعات والتهويل، وكانت من الموضوعات الغامضة أو المسكوت عنها، خاصة حوادث الاغتيال والأحداث التي صاحبتها، تحدث عنها المؤلف بكل شفافية وجرأة متحرياً الأمانة، ومسجلاً شهادة للتاريخ من رجل استثنائي عاش تفاصيلها عن قرب. ما زالت صورة عالقة في ذهني من كتاب الفهيم، رغم أنني قرأته قبل حوالي عشرين سنة، وهي كيف توفيت شقيقته بسبب حريق، لم تجد من يسعفها في لحظتها، فلم يكن يوجد مستوصف في العين ولا وسيلة سوى سيارة عند الشيخ زايد وفرها لهم لتنقلهم في درب صحراوي استغرق عدة أيام حتى يصلوا إلى المستشفى الوحيد الذي كان في الشارقة، وتموت الطفلة قبل أن يصلوا. لكن ذلك المجتمع، رغم الفقر والجوع والحاجات التي لا تنتهي كان يربي أبناءه على الصدق والإخلاص والمحبة والتعاون، فيذكر السامان أن وصية والده عند وفاته الذي كان ميسور الحال وله ديون كثيرة عند التجار الآخرين: أن لا تشتكوا على أحد منهم في دين لي! قرابات.. وافتراقات قد يكون كتاب ينابيع الذاكرة للقرق، أكثر كتب السيرة هذه تعرضاً للنقد وتصحيح بعض المعلومات التاريخية فيه ومناقشة مؤلفه في بعض الطروحات والمفاهيم، فكتب عنه محمد المر في البيان، وعبدالغفار حسين، وعبدالخالق عبدالله في الخليج. إشكالية أجزاء دفاتر العمر للسامان أنه عبارة عن مقالات تروي سيرته، تحتاج إلى إعادة تبويب وربط أحداثها بتسلسل زمني أو مكاني، وأن تكون في كتاب واحد متاح لمختلف الشرائح وليس في حجم الكتالوج الفخم والضخم كما هو الآن، ففي هذه السيرة معلومات وتجارب غنية. ود. عبدالخالق عبدالله الذي بدأ كتابته من النهاية، أو عند ما نظنه المرحلة الأصعب في تاريخ نشاط الإنسان وعمره وهي مرحلة التقاعد، لينقل لنا تفاصيل مرحلة قد تكون هي الأجمل في حياة الإنسان لو عاشها كما تعايش عبدالخالق معها. قصته كذلك مع العالم الجديد الذي دخله فجأة وهو عالم التواصل الاجتماعي ،،واعترافه أن «تويتر هو أفضل وأسوأ مستجدات مرحلة التقاعد..» ويشرح ذلك. أما كريم معتوق فاستخدم لغة الشاعر في معظم فقرات كتابه، القصيدة حاضرة تتحدث بلسانه منذ نشأته وتسير معه في أسفاره ومنعطفات حياته، السرد في بداية السيرة يتحدث عن ولادته، دراسته، موت والده، عمله، زواجه، لغة السرد تختلف وتغيب في حالات، يقدم أحكاماً، رؤى، أمنيات، لكنه في النهاية يلخص لك لماذا أقدم على تجربة كتابة الذات «أدب السيرة الذاتية هو أدب الهروب إلى الذاكرة، والهروب الذي مارسته هنا أعادني إلى ذاتي التي كادت أن تتبدد مني بوفرة الحيوات التي حولي، لقد أعادت لي توازني الذي أنشده، وتوافقي مع نفسي..». وبينما نجد الحبتور في مقدمة كتابه مشحوناً بالأحلام وعالم المشاريع والصفقات: «لي من العمر ستون عاماً لكن ما زال أمامي الكثير، أشعر أحياناً بأن رحلتي في الحياة تبدأ الآن..» نجد السامان في الجزء الثالث من المذكرات خلال حديثه عن محل المجوهرات الذي يعد أيقونة مشاريعه وأهمها، أكثر عزوفاً وتعباً من تخبط السوق وحرب الوكالات التجارية والدسائس «.. وبما أنني بلغت من العمر عتياً، قررت أن أختم هذه المرحلة عملياً من خلال تخلصي من وكالات الساعات التجارية التي احتفظت بها على مدار أربعين عاماً خلت.. قررنا الراحة التامة، قررنا إنزال الحمل من على ظهورنا، خاصة أن لا نية للأولاد أن يكملوا المسيرة التي بدأناها، لا نية لهم- على ما يبدو- بالعمل والكد والتعب، حتى أتفرغ لحياتي وصحتي وعائلتي، أتفرغ اليوم لعبادتي وأداء واجباتي الدينية والحياتية.. أتفرغ للاهتمام بالخدمات الإنسانية والرعاية الإنسانية وبناء المساجد ومساعدة المحتاجين في مختلف أصقاع الأرض ولي متعة كبيرة بذلك». كل كتاب من هذه، يحتاج إلى حلقات، وقد نقد بعضها نقداً علمياً ويحتاج بعضها إلى إعادة قراءة لتجاوز المغالطات التاريخية أو الملاحظات الفنية، أو شرح موسع لبعض الحكايات عند إعادة طباعة الكتاب، ويبقى هذا السرد محاولات مهمة، وبعضها يمثل إضافة غنية لتاريخ الإمارات وللمكتبة العربية وللقارئ عموماً. ماء مالح عن الحياة في الإمارات قبل ظهور النفط يقول محمد عبد الجليل الفهيم في كتابه «من المحل إلى الغنى»: «كان معظم الناس يعيشون في بيوت» عرش، أي الأكواخ المصنوعة من خشب وسعف النخيل، وكان الناس يستخدمون الحطب الذي يجلبه البدو على ظهور الجمال وقوداً لطهي الطعام، وكانت المياه العذبة وفيرة في العين وليوا. أما في أبوظبي فقد كان الماء المائل إلى الملوحة المستخدم للشرب والطهي والاستحمام يسحب، إما من آبار ضحلة تحفر داخل المنزل أو ضمن السياج حول المنزل، وكان الماء رغم أنه قد ترشح من خلال الرمل وأقل ملوحة من مياه البحر فإنه كان في حقيقة أمره ماء بحر ولم يكن عذباً أو نقياً كما هي مياه الشرب اليوم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©