الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الموسيقى.. ما بعد اللغة

الموسيقى.. ما بعد اللغة
21 يناير 2015 21:35
تمثل دولة الإمارات عموماً وعاصمتها أبوظبي على وجه الخصوص، المنطقة الأكثر إيماناً بفعل الثقافة والفنون في توسيع فضاءات الحوار الإنساني، وهذا ما يؤكده رولاند بيرلويتز، مدير البرامج الموسيقية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، في حواره مع «الاتحاد الثقافي»، إذ يرى أن المنطقة المحلية تشكل محطة استثنائية على مستوى المنطقة العربية، في قدرتها على تأسيس لقاءات عالمية عبر الفنون، ممثلةً في أحد وجوهها في مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية، الذي يستثمر منظومة الصناعة الموسيقية العالمية، في تعزيز البنى الاستراتيجية لإمارة أبوظبي، نحو الاهتمام بالمناطق الثقافية. * هل تكفي الإتاحة النوعية لعزف المؤلفات الموسيقية الكلاسيكية في إحداث فعل التجديد، وبناء التواصل الموسيقي بين الأفراد في المجتمع المحلي، وبين المعنيين بالموسيقى حول العالم؟ ** كان هذا سؤال البداية لرولاند بيرلويتز، الذي تطرق في حديثه إلى الأنماط الموسيقية وآليات اختيار كبار العازفين العالميين، الذين يتم استقطابهم، وأثر ذلك في تشجيع العازفين الإماراتيين، لعقد لقاءات موسيقية في أوروبا، بالتعاون مع موسيقيين عالميين تمت استضافتهم في المهرجان، وذلك بعد اطلاعهم على تجربة العازفين الشباب، وإعجابهم بها. وأشار رولاند إلى أهداف المهرجان في اكتشاف العلاقة بين الموسيقى الغربية والموسيقى العربية، إضافة إلى تهيئة البيئة الموسيقية للدفع باتجاه إنشاء أوركسترا إماراتية، تقوم على أيادي عازفين من المنطقة المحلية، معتبراً أن تخصيص جائزة لمهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية، وتديرها لجنة احترافية، بالتوازي مع تصويت الجمهور، إنما هو جزء من التشجيع والرغبة الملحة من القائمين على المهرجان في قياس مدى التفاعل الاجتماعي والثقافي للمهرجان. * الموسيقى الكلاسيكية نمط من الموسيقى أو أسلوب التأليف الموسيقي، الذي انتشر في أوروبا بين القرن الـ 17 والقرن الـ 19، ورغم استمدادها لقوتها المطلقة من الطبيعة كمصدر للإبداع، إلا أن التجديد ومناحي التطوير فيها أخذت أبعاداً مختلفة، أهمها التحديث الذي شهدته الأوبرا على سبيل المثال، ما يطرح تساؤلاً جدياً حول دور الحدث الموسيقي في تعزيز أوجه التحديث في الموسيقى الكلاسيكية، على مستوى الاختيارات الموسيقية، والعازفين القادمين للمنطقة العربية؟ ** مفهوم (التجديد) أو (التحديث) في الموسيقى الكلاسيكية، يُعد موضوعاً مهماً، وجديراً بالبحث العلمي والفني، وعملياً فإن اختيارات مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية، تقوم على المضامين الفنية للعازفين، وما تقدمه الموسيقى العالمية من استثمار مذهل للمؤلفات الشهيرة من جهة، وللمؤلفات الخاصة من جهة أخرى. في موسم عام 2014 - 2015، هناك حضور لفنانين معروفين، من أكثر من 20 بلداً مختلفاً، راعينا في اختيارهم التنوع واعتمدنا صيغة الهارموني التي توفر إمكانية الاطلاع على مختلف الاختيارات الموسيقية، وبالنسبة لي إنها فرصة تُتاح في إمارة أبوظبي، لتقريب الأشكال الموسيقية للمتلقي من مختلف دول العالم، سواء من يقطن دولة الإمارات، أو من يعمد إلى الحضور من خارجها للمشاركة، والجدير بالذكر أن احتمالية زيادة العروض الفنية في المهرجان أمر وارد، تبعاً لمبيعات بطاقات العروض، ومستوى الإقبال. محطة للصناعة *يشهد «أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية» حوارات نقاشية توازي العروض الفنية، ما مدى اهتمامكم بطرح المحاور الفكرية المنوطة بمسألة الصناعة الموسيقية في المنطقة المحلية، وهل تسعون كحدث موسيقي عالمي لخوض المشاركة الإنتاجية، وطرح ألبومات موسيقية، وعملياً ما الكيفية الاستراتيجية في تأسيس التكوين الاستثماري، بعد إنجاز المنطقة المحلية لفضاءات حققت رؤية الموسيقى في التواصل الإنساني؟ ** الحديث عن الاستثمار، يدعونا مجدداً للبحث عن الرؤية النوعية في جعل إمارة أبوظبي «محطة صناعة موسيقية»، وقراءة مشهد التنامي فيها من خلال ابتكار بيئة نموذجية لما يمكن تسميته بالصناعة. في الحقيقة العمل على الإنتاج، مهمة متعددة الأطراف، وتشمل دورة عمل متكاملة تبدأ من الفرد المنتج للموسيقى والبيئة المحفزة للذائقة، والشركة المنتجة وصولاً إلى المتلقي، وجميعها ذات تفاصيل رئيسة، لا يمكن إغفالها، فالبيئة المحفزة، مثلاً، تشمل العملية التعليمية والإعلامية والثقافية وغيرها. إننا نسعى في مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية، لجلب عروض موسيقية عالية المستوى، تتجسد عبر فرق احترافية، يديرها كبار النجوم، والذين تصعب أحياناً استضافتهم، والهدف من هذا الاهتمام المستمر، هو تعريف رواد الموسيقى الكلاسيكية بنشاط المنطقة، ما سيشكل آفاقاً متعددة للتعاون. وبالنسبة لنا، فإننا عمدنا إلى طرح أقراص مدمجة (CD) لمجموعة من التسجيلات والسيمفونيات الحيّة من المهرجان، إيماناً بالمشاركة الإنتاجية والمعرفية، في مجال تعزيز الذائقة الموسيقية المحلية. *استضاف المهرجان العرض الأول للحفل الموسيقي العالمي: «ابن بطوطة: رحلة الإسلام»، للموسيقار الإسباني جوردي سافال، وذلك بمشاركة الفرقة الموسيقية «هيسبيريون21» المتخصصة بمجال الموسيقى القديمة، هذا التجوال الموسيقي عبر عالم الرحلات يطرح السؤال الأهم وهو دور الموسيقى في تمكين الحوار الحضاري بين الشعوب، باعتبارها خياراً استراتيجياً وإنسانياً، وماهية آلية اختيار المهرجان للموسيقيين والمواضيع المطروحة، وهل يُعد وجود الفنان المغربي إدريس المالومي، أحد أهم محترفي العود العرب، إلى جانب 16 موسيقياً يعزفون على آلات موسيقية عربية تقليدية في الحفل، جزءاً مهماً من الرسالة الشمولية للثقافة التي تتبناها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة؟ ** في مسرح قصر الإمارات - مقر الحفل - تكمن الإجابة الفعلية، لتلك الأسئلة، وهو ما يمكن تصنيفه بالتلاقي المباشر بين ما يحدث على المسرح من سرد عالمي يتخطى حدود اللغة والجغرافيا، وبين ما يمكن استشفافه من المتلقي للرسالة العالمية لتلك المعزوفات، حيث اصطحب الحفل الجمهور إلى عالم الرحلات من شمال أفريقيا ومصر وشبه الجزيرة العربية، مروراً باليمن والسودان ومياه الخليج العربي وزيارة الأناضول وصولاً إلى أفغانستان، ويمكن اعتبار الحدث نموذجاً موسيقياً على ما يمكن تسميته باكتشاف العلاقة بين الموسيقى الغربية والعربية، والتي شكلت أهم أهداف ورؤى «أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية» منذ انطلاقه، وبإيمان من هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - الجهة المعنية بالحدث ـ بأنه بعد مرور عقود من الزمن فإن الموسيقى الكلاسيكية «الغربية» و«العربية» مكنت فناني العالم العربي من امتلاك مهارات أخاذه في مسألة أداء مقطوعات لموزارت وبيتهو?ن وغيرهم، وبالمقابل فتحت الموسيقى العربية آفاقاً جديدة للموسيقيين الغربيين، وتأتي اختيارات المهرجان عادةً ضمن سياق مدى التأثير الذي يمكن أن يقدمه هذا الإيقاع المتكامل بين مختلف العازفين من عدة دول مختلفة، في جوقة واحدة. * كيف تنظرون للعلاقة بين الموسيقى الكلاسيكية، والتراث الموسيقي في الإمارات، أو ما يمكن تسميته بالمعزوفات الشعبية، وما مدى التشجيع الذي يقدمه محفلكم العالمي للتراث المسموع في المنطقة؟ ** موضوع الموسيقى الشعبية، يفتح ملف أولولية المهرجان في دعم العازفين الإماراتيين، الذين تلقى بعضهم دعوات لإقامة حفلات موسيقية عربية في أوروبا، ومنهم عازف العود فيصل الساري والفنان أحمد الملا، وذلك نتاج دعوات قدمها كبار العازفين في المهرجان. وبالرجوع إلى الموسيقى الشعبية، فإن هناك علاقة وثيقية تجمع (الكلاسيكية) ببيئة (الشعبية)، كما أن الإرث الموسيقي الإماراتي مرتبط بالإنتاج العربي عموماً، ونحن نسعى إلى وضعها جميعا في مشروع واحد، نستثمر فيه المنصة العالمية لإيصالها بشكل فعلي، ولم نكتف باستقطاب عازفي العود في المنطقة، بل سعينا لإشراك فعل آلة (الربابة) أيضاً. تعددية*في إمارة أبوظبي وحدها، مهرجانات عدة معنية بالموسيقى الكلاسيكية، إلى جانب المهرجانات الخليجية، هل يمكن اعتبارها تنافسية جيدة، تعيد طرح الإمكانية الفعلية لتأسيس أوركسترا موسيقية لعازفين إماراتيين في العاصمة، هل حان وقت التفكير الجدي في ذلك؟ ** طبعاً، نحن نحتاج للتفكير ملياً بتأسيس أوركسترا محلية، تتضمن عازفين إماراتيين، حتى وإن تضمنت في البداية عدداً قليلاً من العازفين، سيزداد مع الوقت، خاصة أن التأسيس يحتاج إلى وقت وجهود نوعية، وأعتقد أنه مشروع مطروح، ضمن آليات البيئة الثقافية التي تسعى إمارة أبوظبي إلى تهيئتها، أما بخصوص المهرجانات المختلفة فلا أعتقد أنها تنافسية إذا ما وضعنا في الاعتبار دورها في تمكين الذائقة الموسيقية، بل على العكس يظل المجهود عملية نسبية، ومع كثرة حضور الموسيقى نضمن فاعلية أكبر لمستقبل فعل الموسيقى ولغتها العالمية والإنسانية في المنطقة. *هل يمكن الانتقال بمنصة المهرجان إلى إعداد مشروع للمكتبة الموسيقية، والوصول إلى مرحلة الدراسة البحثية والتوثيقية؟ وبالتالي محاولة استقطاب أكبر قدر من التنوع الموسيقي في العالم، تجربة أميركا اللاتينية مثلاً، وتتدرج من التركيز الغالب على عازفي (البيانو) و (الكمان) كأبرز الآلات الموسيقية التي تشهدها العروض الموسيقية الكلاسيكية، إلى الآلات ذات المنحى الفلكلوري؟ ** بالطبع هناك محاولة دائمة لابتكار مدارات أوسع للعملية الموسيقية في المنطقة، والانتقال إلى تكوين مرجعية بحثية، هو مشروع مهم، يساهم في تحريك دفة الاستقطاب النوعي، لأكبر قدر ممكن من المنجز الإنساني الموسيقي، ليس العالمي فقط، بل غير المكتشف أيضاً كظاهرة موسيقية، والفولكلور نواة تفاعلية لأشكال التكوين الثقافي، ونحن في مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية سنسعى لإثرائها وطرحها للنقاش، وصولاً إلى محاور عملية في تبني تلك المشروعات من قبل دائرة المعنيين بالموسيقى، كونه جهد مشترك ونسق يشارك فيه المجتمع الموسيقي ككل . كيف نستمع للموسيقى؟ يرى رولاند بيرلويتز، مدير البرامج الموسيقية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أن التكنولوجيا ومنذ زمن بعيد مثلت للمجتمع الموسيقي تحدياً، قد يساهم في التقليل من التفاعل الإيجابي مع العرض الحيّ للموسيقى، مؤمناً بأن طريقة استماعنا وتفاعلنا مع الموسيقى بدأت تؤثر في مسارات التواصل معها، باعتبارها المحرك الأهم في صناعة الفنون الموسيقية، لافتاً إلى أن التكنولوجيا أصبحت مساهماً فعلياً في تقريب التلاقي مع الموسيقى بأنواعها، ودراسة علاقتنا مع التكنولوجيا هي ضمان ابتكار متجدد لوسائل الاتصال الموسيقي. أجندة موسيقية يستضيف مهرجان أبوظبي للموسيقى الكلاسيكية في 17 فبراير القادم، حفلاً موسيقياً لفرقة «ستاتسكابيللي درسدن» مع قائدهم كريستيان ثيلمان الذي سيخوض معهم تحدياً عبر عزفه أجزاء من السمفونية التاسعة لأنتوني بروكنر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©