محمد وردي (دبي)
احتفى «مسرح الشباب للفنون» بتقديم عرض «الخط الأصفر» على مسرح دبي الشعبي في الممزر مساء أمس الأول، كحصيلة لفعاليات «ورشة الإخراج المسرحي»، التي نظمها بالتعاون مع «هيئة دبي للثقافة»، وإشراف المخرج المسرحي المصري المعروف انتصار عبد الفتاح، ومشاركة ستة عشر منتسباً بعضهم مخرجون وممثلون محترفون، والبعض الآخر من الهواة، الذين لم يسبق لهم المشاركة بأعمال فنية.
وجرى الاحتفال بحضور الدكتور حبيب غلوم مدير إدارة الأنشطة الثقافية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وناجي الحاي، رئيس مجلس إدارة «مسرح الشباب للفنون»، وياسر القرقاوي مدير الفعاليات في «هيئة دبي للثقافة»، مدير «مهرجان دبي لمسرح الشباب» وجمهرة كبيرة من الفنانين، والإعلاميين.
وتوجه غلوم بالشكر إلى المخرج انتصار عبد الفتاح على الجهود التي بذلها في الورشة، مشيراً إلى تجربته الفنية المميزة من خلال تقديم مسرح مختلف، لا يخلو من الصعوبة، ولكنه ينطوي على قدر كبير من التجريب الراقي. كما شكر غلوم هيئة «دبي للثقافة»على رعاية الورشة، بالإضافة إلى شكر جميع المشاركين فيها ومواظبتهم على حضور فعالياتها، وبالأخص المخرجون والممثلون المحترفون.
ولاحظ غلوم أنه تلقى إشارات عدة على نجاح الورشة، وأخرى تنطوي على عدم الرضى، مؤكداً أنه تكفي الإشارة إلى أن المخرج الموهوب مروان صالح أبلغه أن الورشة ألهمته فكرة جديده سيستهل بها عرضه المقبل، ما يعني أن الورشة حققت النتيجة المرجوة منها. وهذا ما تحرص عليه الوزارة من خلال القيام بمثل هكذا أنشطة، تستهدف تعزيز الخبرات المسرحية في الدولة، والارتقاء بها إلى ذرى جديدة تليق بالفنانين الشباب.
من جهته شكر المخرج عبد الفتاح القائمين على النشاط المسرحي في دولة الإمارات، معتبراً أن تجربته الأولى في التعاون مع المسرحيين الإماراتيين أسعدته، وخاصة لجهة التعامل مع محترفين وهواة، والوصول معهم إلى نتائج مرضية خلال فترة تدريب عملية لا تزيد في الواقع على ثمانية أيام، ولكنها أثمرت عملاً مقبولاً قياساً إلى صعوبة فكرة «الخط الأصفر»، التي هي بجوهرها عالمية وليست محلية أو عربية فقط، لأن رسالتها إنسانية بحتة. متمنياً أن يتواصل مع هذه الكوكبة الجميلة في تقديم العرض مرة أخرى بشكل أوفى في المستقبل.
يقوم عرض «الخط الأصفر»، على فكرة تكثيف اللحظة الدرامية إلى أقصر مدى ممكن، بحيث لا يتجاوز دور الشخصية في العرض، إلى أكثر من دقيقة أو دقيقة ونصف الدقيقة على أبعد تقدير، ولكنها مدة كافية بشحنتها التعبيرية لتقديم الشخصية بمجمل تفاصيل واقعها الإنساني الحلوة والمرة في آن واحد، من خلال خطاب ينطوي على دلالات عدة، ليس أقلها الصدق والشفافية في تعرية الذات وتصوير مأساتها كحالة إنسانية تستطيع انتزاع عنصري الإمتاع والإقناع، وخصوصاً لجهة التضامن أو التعاطف مع معاناتها.
يبدأ العرض من لحظة تلاقي مجموعة من المسافرين في مطار ما، ينتمي كل واحد منهم إلى جنسية عربية مختلفة، ويحمل معه حقيبة، يُفترض أنها تحمل متاعه الشخصي، إلا أنها في الواقع المسرحي، نكتشف - عندما يفتحها - أنها تحمل أحلامه وطموحاته، كما تحمل أوجاعه وخيباته وانكساراته، في مشهد درامي يختزل هويته الثقافية بمعناها المحلي والإنساني على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وتميز العرض بأداء مدهش إلى حد كبير، وكان متقاربا بين جميع الممثلين. ذلك لأن دور الشخصية التي يؤديها كل منهم، أعده المتدرب أو المنتسب بنفسه، بحيث اقتصرت وظيفة المخرج على تشذيب الدور واختزاله وتضمينه بعض الإشارات المحملة برسائل وافية وكاشفة لمضمون الشخصية التي يؤديها، هذا بالإضافة إلى استخراج أو تظهير الطاقات الفنية أو التمثيلية الكامنة بشخصيته، بحيث نجح المخرج عبد الفتاح في تقديم الشخصيات بمستويات متقاربة، استطاعت أن تؤدي دورها وتقدم رسالة العرض بحرفية عالية، وصلت لدرجة يصعب فيها المفاضلة بين الهواة والمحترفين.
وتميزت رحاب نعيم التي استهلت العرض بدور ناطق، والمخرج مروان صالح الذي ختم العرض بدور صامت، بحيث وصلا إلى ذروة الإقناع، وانتزاع التعاطف الذي وصل بالمتلقي إلى حد الحشرجة والاختناق بالشهقات الباكية بالنسبة لمأساة رحاب، وإلى حد السخرية وقمة الكوميديا المرة مع سيجارة مروان وبسماته الشاردة في متاهة الأفق، التي يختمها برمي الحقيبة على الأرض، لنسمع لسقوطها خبطة قوية وكأنها إيذانا لإغلاق الأبواب المشرعة على الوعي الشقي، وفتح أبواب أخرى للحلم. وهذا لا يعني أن الآخرين كانوا أقل تميزاً، وإنما العكس هو الصحيح، حيث تألق الجميع بأدوارهم وأدائهم، ووصلوا إلى حدود التماهي مع الشخصيات.
وفي الختام قام الدكتور حبيب غلوم مدير إدارة الأنشطة الثقافية في وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وناجي الحاي رئيس مجلس إدارة «مسرح الشباب للفنون» بتكريم هيئة «دبي للثقافة» متمثلة بياسر القرقاوي مدير الفعاليات في الهيئة، مدير «مهرجان دبي لمسرح الشباب»، والمخرج انتصار عبد الفتاح على جهوده بالورشة، والفنان عبدالله صالح رئيس مجلس إدارة «مسرح دبي الشعبي» لمواكبته ومشاركته بفعاليات الورشة، بالإضافة إلى جميع المشاركين بالعرض.
عدد اليوم
