الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبناء ريامة: بطن الجبل أكثر راحة من قلب المدينة الصاخب

أبناء ريامة: بطن الجبل أكثر راحة من قلب المدينة الصاخب
6 أغسطس 2012
قال أبناء قرية ريامة في الفجيرة إن وسائل الاتصال والإعلام من هواتف متحركة وقنوات فضائية تعد سهماً يمزق الاستقرار الأسري، حيث لم يعرف أبناء القرية قديماً تلك الوسائل ولم ينشغلوا بها، كما يحدث الآن بين الناس، على مختلف فئاتهم، موضحين أن حياتهم في بطن الجبال والأودية، أكثر راحة بالنسبة لهم من أحضان المدن وإزعاجها المستمر. وأوضح أبناء القرية أن العادات الرمضانية لا تزال عالقة في ذاكرة الآباء والأمهات عن صيامهم وعباداتهم وتعاطفهم فيما بينهم، وكيف كان يعيش الأهل في قديم الزمان، ورغم تشابه تلك العادات بين الشعوب، إلا أنه لكل منطقة ومدينة نكهة خاصة، تتذوق من خلالها الذكريات وتستشعر السنوات القليلة الماضية. تطل قرية ريامة من بعيد ببيوتها الشعبية الملونة البسيطة، في إحدى مناطق الفجيرة، التي تقع بعد الطويين في الطريق الجديد نحو رأس الخيمة، بعد رحلة عبر شارع طويل إلى بطن الجبال والأودية وكأننا ذاهبون إلى مالا نهاية، أو فقدنا الطريق نحو قرية ريامة، وقد كان الوقت ظهرا، والناس صائمون وبسبب درجة الحرارة الشديدة، لم يكن يوجد أي شخص للتحدث إليه، وكان لا بد من الصبر حتى يؤذن لصلاة العصر. ومن أحد البيوت بجانب المسجد خرج طارش الحمودي، وكان ذاهبا لقضاء حاجة لأهل بيته، وأصر على أن يستضيفنا حتى موعد خروج الرجال للصلاة، وتم الترحيب بنا ليعبر عما في نفوسهم، التي تتزاحم بداخلها العواطف الجياشة تجاه الضيوف، وبعد صلاة العصر خرجنا للقاء بعض الرجال الذين كانوا لا يرغبون في الوقوف ولا الجلوس، لأن كلاً منهم يريد العودة بسرعة إلى منزله بسبب شدة الحرارة، ولم يكن أحدهم يرغب في التصوير، ونصحونا بتصوير المنطقة فقط. العادات الرمضانية إلى ذلك قال طارش الحمودي أحد أبناء قرية ريامة في الفجيرة إن العادات الرمضانية والذكريات لا تزال عالقة في ذاكرة الآباء والأمهات عن صيامهم وعباداتهم وتعاطفهم فيما بينهم، وكيف كان الأهل معنا في قديم الزمان، ورغم تشابه الذكريات عن العادات الرمضانية بين الشعوب المسلمة، إلا أنه لكل منطقة ومدينة نكهة خاصة، تتذوق من خلالها الماضي وتستشعر السنوات القليلة الماضية، خاصة الصيام وقيام الليل والزكاة، ونحن نعتبر من الجيل القديم، حيث لم يبق في القرية، إلا أشخاص يعدون على أصابع اليد الواحدة، لكن لا نزال نتذكر طفولتنا في هذا المكان النائي عن المدن البعيدة، فنحن لم نكن نعلم في طفولتنا الكثير عن أحكام الصيام، لكن الأهل والجيران كانوا ينتهزون الفرص، عندما نتجمع ليعلمونا معنى الصوم، وما الذي يجب أن نصوم عنه كاللغو والثرثرة وذكر الآخرين في عدم وجودهم. وأضاف: كنا نشارك الكبار في العديد من أداء الواجبات التي يجب أن نقوم بها، وقد كانت الأمهات يتعمدن أن يوكلن الأعمال المنزلية للفتيات حتى خارج المنزل، كي يتعودا على الصيام والعمل معا، ولم تكن المهام بأشق من مهام الأمهات قديما، فقد كنا نرى أمهاتنا منذ أن يستيقظن لتناول السحور يبقين حتى أداء صلاة الفجر، ثم يخرجن لجلب الماء من الآبار، ويرجعن محملات بالأوعية الفخارية مابين وعائين إلى ثلاثة، ويسرن بتلك الأوعية مسافات طويلة، وبعد أن يصلن للبيوت يسكبن الماء في أوعية الحفظ الفخارية الضخمة، ويسقين الماشية والدواجن. ومن مهمات الفتيات والأمهات حسب ما ذكر الحمودي، تنظيف الحظائر، ثم الخروج لجمع الحطب لزوم الطهي والتدفئة في موسم الشتاء، وكانت الوجبات بسيطة جداً، ومن أهمها أن تجهز النساء خبز الرقاق المخبوز من القمح، ويعتبر من أشهر أنواع الخبز، وهو معروف لدى العرب منذ القدم، ويصنع من عجينة رخوية بعض الشيء، وهي تكال بواسطة اليد على شكل لقمة، ثم تبسط على المخبز المسطح، وهو الطوبي بواسطة اليد أيضا. شباب القرية أما بالنسبة للشباب فقال الحمودي إنهم يلحقون بالآباء ويعملون على مساعدتهم في المهن التي احترفوها، والغالبية كانوا يهتمون بالزراعة، ومن ذلك الإنتاج، يأكلون وييبعون بعض المحاصيل، وربما يركب أشخاص عدة على الحمير، كي يذهبوا إلى الفجيرة أو دبا للبيع والشراء، وما كان يهمهم في رمضان هو أن لا يصابوا بالإعياء، ولذلك كان خير طعامهم التمر واللبن، كما تصنع النساء الروب أو الزبادي من حليب الماعز والضأن، ويؤكل عند الإفطار أو السحور مع خبر القمح، أو يتم تناول الخبز بعد وضع بعض الدهن والسكر على وجه الخبرة، ويؤكل الخبز أيضا، على شكل ثريد إما مع مرق اللحم أو مرق الخضراوات أو الدجاج، أما الآن فيستخدم الخبز القمحي للفريد أو الثريد، ويستعمل للمشوي من الذبائح للولائم وتجهيزه منزلياً، وطريقته تكون بإعداد مقادير مكونة من أربع أكواب من الدقيق المصنوع من القمح، أو الدقيق المنزوع النخالة، وهكذا يصنع في الوقت الحاضر دون نخالة وماء للعجن، وشيء من الملح والبعض يستغني عنه، لأن المرق أو اللبن يكون محتويا على الملح من قبل، وهذه الطريقة يعرفها حتى الرجال، من أجل صنع الخبز خلال السفر الطويل. وشارك في الحديث والد طارش وهو راشد بن ربيع الحمودي، بقوله: كنا نقلد آباءنا عندما تشتد الحرارة ونحن صيام، بأن نغمس ملابسنا في الماء ونرتديها، لأن المنطقة لم يكن فيها كهرباء، لكن ذلك لا يعني أننا كنا نفعل ذلك ونذهب للنوم، لكن من أجل التغلب على الحرارة ونحن نعمل مع الآباء، وكانت الفتيات يلحقن بالأمهات، ليتعلمن جمع الحطب وجلب الماء من الآبار، وفي الوقت نفسه فرصة للهو واللعب. ويكمل راشد: مرافقة الآبناء للآباء تكسبهم الخبرة في كل شيء، ومن ذلك الصبر على العبادة في كل الظروف المناخية، إلى جانب تعلم الكرم والنخوة ومساعدة الآخر، والصدق مع الأهل والآخرين، لكن لا يعني ذلك أيضا أنه كل الأطفال كانوا يتمتعون بشخصيات هادئة، فلا بد من الشقاوة، حتى يتعلم الصغيرحتى يصبح شاباً، ويكون أهلاً للثقة، ولأنه في مرحلة متقدمة سيتسلم تلك المهام، فيكون بديلاً عن والده، وكذلك الفتيات، يذهبن بدلاً عن الأمهات ويخرجن لجلب الماء وجمع الحطب وكذلك رعي الغنم. ووفقاً للحمودي الأب، رغم المشقة والتعب كان أهل القرية يعيشون في بهجة ورضى، لذلك يشعرون بالحنين للماضي، على الرغم أيضاً من توافر معظم الأشياء، ويتم توفير مالا يوجد لدينا في وقت قصيربخروج الرجال إلى المدن وشرائه من هناك، لكن الشعور برمضان لم يعد كما كان، فنحن نتطلع لرمضان من الحول إلى الحول، ونعد الشهور حتى يعود، لكن شيء ما تغير داخل النفس، لأن الكثيرين من أهلنا الكبار قد رحلوا. أخبار العالم أما مطر سعيد اليماحي، فقال مشاركاً في الحديث عن العادات في رمضان، طبعا قديما، لم نكن نعرف الكثير عن العالم من حولنا، حتى عن أحوال أهلنا في بقية المناطق، حيث لم تكن هناك وسائل للاتصال والتواصل، أما اليوم فنتأثر وننزعج من كثرة متابعتنا لوسائل الإعلام ورسائل الهواتف المتحركة، كما كنا قديما كبقية شعوب العالم التي تحتاج للغذاء والدواء، وكنا نستعيض عنهما بالأدوية الشعبية وأبسط المواد الغذائية من التمر واللبن الروب والأرز. ويكمل اليماحي: كنا نعم بالهدوء والأستقرار الأسري للبعد عن ترقب وسماع الأخبار اليومية المزعحة من حولنا، كنا أن نوعية الأطعمة، كانت تقلل الإصابة بالأمراض، حيث كان من العادات الخاصة بالطعام في رمضان تناول الخبز المصنوع من القمح مع دبس التمر، وكان الإفطار يعتمد على التمر والقهوة وشيء من الكامي «مطبوخ اللبن مع السمن» وبعد صلاة المغرب يتم تناول الروب والأرز، وفي أيام نادرة يكون هناك السمك الذي يؤتى به من مدينة الفجيرة ويتم حفظة بوضعه في الكثير من الملح، ويتم تعليقه في أوعية من سعف النخل في الهواء الطلق. وبالنسبة الاستعدادات لإعداد الوجبات خلال شهر رمضان، فإن نساء الجيران عندما يتقابلن، فإن كل واحدة تسأل الأخرى ماذا ستعدين للإفطار؟ حيث تعد كل واحده منهن وجبة للإفطار بمفردها، أو مع النساء والفتيات داخل الأسرة، ولكن الإفطار يكون جماعياً، وبذلك تكون المائدة منوعة وفيها صنف من كل بيت، وهذا ما تعودنا عليه منذ عهد أجدادنا، حيث كنا نستغل هذا الشهر الفضيل لنجدد ترابطنا وتآلفنا. وقال: نحن في رمضان نجدد العهد فيما بيننا بتلك اللقاءات، حتى نبقى كالأسرة الواحدة في بقية شهور السنة، ليس باتفاق رسمي وبورق، ولكن بإهداء الأطباق لبعضنا، ونحن نستغرب اليوم حين نشاهد أناساً يستهجنون من شخص يهدي لهم هدية، وطبعا نحن لا نستوقف غريبا ونهدي له طبقاً أو هدية، لكن من عادات الكرم العربي، التعبير عن المحبة بالهدية ولو كانت حبة من زبيب. وأكمل سالم علي اليماحي: من العادات المشتركة في الإمارات وفي دول الخليج، أن تجتمع النساء لعملية تنقية حب البر أو القمح من الحصوات الصغيرة ومخلفات أخرى، وأيضا عملية دق القمح تكون بالتعاون بين النساء، وفي كثير من الأحيان، يساعد الرجل المرأة في عملية طحن الحبوب بالرحى لأنها عملية شاقة، إلا في بعض البيوت تكون هناك خادمات، أو غلمان لعملية الدق والسحق، حيث تأخذ العمليتان وقتا طويلا يستمر لأيام، وفهناك أسر قد تطحن بشكل يومي، الجزء الذي ترغب في طهيه في ذلك اليوم، لكن في الغالب تتبرع النساء بالدق والطحن لبقية البيوت، من باب التعاون وتلبية لنداء فطري ينبع من داخلهن تجاه القبيلة أو البقية من البيوت. وقال، نعمل على غرس العادات النابعة من الدين في نفوس الأبناء، خلال شهر رمضان، فمن العادات الجميلة، أن تنتهز الأمهات فرصة دخول شهر رمضان لتعلم أبناءها طاعة الله، ويتم بفرض الحجاب على بناتهن من خلال تغطية الشعر كما كانوا قديما يلبسونهن البراقع بديلاً عن النقاب، من أجل الحشمة وصد عين الدخلاء والفضوليين. أما مطر سعيد، فتحدث عن أهم العادات الرمضانية وهو الاعتكاف في المساجد للرجال من بعد صلاة العشاء: عندما كنا صغاراً، لم نكن نعرف سبب بقاء الرجال في المساجد يقرأون القرآن حتى وقت السحور، وهو قبل صلاة الفجر بدقائق، وتعتبر هذه العادة من السنة النبوية، حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في المسجد، وكانت الأمهات يبعثن بالصبية، أو الخدم من الرجال إلى المساجد، لإيصال الأطباق المختلفة والمنوعة من الأطعمة الرمضانية، وأحيانا كثيرة، يذهب بعض الرجال ممن لم يعتكفوا لأسباب صحية لتوصيل الطعام. وأضاف، في البيوت كانت النساء ومازلن حتى اليوم يجتمعن كل يوم في بيت إحدى نساء القرية، بعد أداء صلاة التراويح جماعة مع بعضهن، لكن تفضل كثير من النساء أيضا البقاء في البيت لتلاوة القرآن، واليوم لا يمنع الرجال النساء من الذهاب إلى المسجد لأداء التراويح، وسماع المحاضرات الدينية. حياة الجماعة قال مطر سعيد أحد أبناء قرية ريامة: نحن لانزال نعمل بشكل جماعي ونحزن بشكل جماعي، ونأكل بشكل جماعي، فكيف نهنأ باللقمة إن تناولناها دون أن نشارك الآخرين؟ ونحن مثل الشخص الواحد أو الرجل الواحد يتألم مع البقية، ولذلك ما يمر رمضان دون أن نبكي من كان معنا في العام الماضي، حيث يجدد الشهر الفضيل بداخلنا، مشاعر التواصل والتلاقي، لأن نظام التكافل الاجتماعي الاسلامي موجود معنا ومتوارث، ويغرس فينا ذلك التعاون والمحبة والتعاطف، ومهما تغيرت وتبدلت الظروف، لا يتغير فينا هذا النظام، بل من واجبنا تنميته لأنه فيه مصلحتنا ومصلحة أولادنا من بعدنا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©