الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لحظة التفاوض مع «طالبان»

لحظة التفاوض مع «طالبان»
5 أغسطس 2012
خلال زيارتـه إلـى كابـول في شهر مايـو الماضي قال أوباما إن "سلاماً متفاوضاً عليه" يشكل عنصراً أساسياً ضمن خطته لإنهاء الحرب في أفغانستان، والحقيقة أن ما قاله أوباما ليس جديداً فقد شدد القادة العسكريون الأميركيون أكثر من مرة على أن الحرب مع "طالبان" لا يمكن الانتصار فيها عسكرياً؛ ولكن في الوقت الذي تحدث فيه أوباما عن السلام المتفاوض عليه كانت قد مرت سنة كاملة من الجهود الدؤوبة للتواصل مع قادة "طالبان" دون أن تؤدي إلى نتيجة. كما أن ممثلي الحركة، وبالأخص المتحدثين باسم "الملا محمد عمر"، الذين كان يفترض فيهم فتح مكتب للاتصال في العاصمة القطرية، الدوحة، علقوا العملية برمتها منذ شهر مارس الماضي، وهو ما أطلعني عليه مسؤول أميركي بارز قائلاً: "لم يعد خيار الدوحة مطروحاً اليوم، ويمكن القول إن حظوظ فتح المكتب تراجعت إلى أقل من 50 في المئة". والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إذا كانت العملية التفاوضية توقفت مع تعليق مكتب الدوحة فإلى أين إذن تتجه الاستراتيجية السياسية لإنهاء الحرب في أفغانستان؟ سيجادل المتشككون في العملية السياسية بأنه لم يكن هناك أصلاً أي أمل في موافقة "طالبان" على الشروط الأميركية للتوصل إلى صفقة بين الطرفين، تلك الشروط التي تشمل التخلي عن تنظيم "القاعدة"، ووضع السلاح، والالتزام بالدستور الأفغاني الذي يكفل حقوق المرأة والأقليات. ومع أني كنت في السابق من المتشككين في العملية السياسية إلا أنني اليوم غيرت موقفي، وبدلت قناعاتي. صحيح أن فشل مسلسل الدوحة التفاوضي يكشف عن حجم التحديات، بعدما فشل الطرفان معاً في بناء خطوات الثقة المشتركة، حيث تقول "طالبان" إن أميركا أخلفت وعدها بإطلاق سراح خمسة سجناء في معتقل جوانتانامو، فيما تؤكد الولايات المتحدة أنها لم تحصل على ضمانات بأن المطلق سراحهم لن يعودوا إلى قتال الأميركيين في أفغانستان. ولكن الأهم من ذلك، الانشقاقات داخل صفوف "طالبان" نفسها التي أعاقت العملية التفاوضية، بالإضافة إلى المتشككين داخل الإدارة الأميركية، فحسب هؤلاء قد تكون للمفاوضات مع "طالبان" تداعيات عكسية، لاسيما في الموسم الانتخابي الحالي، ولذا فلا داعي للتسرع في التواصل مع "طالبان". والحال أنه على رغم كل هذه التحديات والمشاكل لا يوجد وقت أفضل من الآن لبدء المفاوضات مع "طالبان" وإنجاحها، ذلك أنه مع المكاسب العسكرية المهمة التي تحققت في أفغانستان، وبخاصة في المناطق الجنوبية وتراجع قوة "طالبان"، إلا أن هذه الأخيرة ما زالت تحمل السلاح وتواصل القتال. كما يؤكد القادة الأميركيون عن حق على أهمية الاتفاق الذي وقع مع أفغانستان ويضمن بقاء قوات أميركية حتى بعد موعد الانسحاب المقرر في 2014. وهذا الاتفاق، يعتقد المسؤولون الأميركيون أنه، بالإضافة إلى التعهدات الدولية بمواصلة دعم أفغانستان، سيقنع الأفغان بأنهم لن يُتركوا لحالهم ولن يتم التخلي عنهم. وفي هذا السياق يقول أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية: "لا تستطيع تخيل أهمية اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، فطالبان كانت تعيش تحت وهم أننا سنغادر أفغانستان نهائياً بحلول 2014". ولكن على رغم هذه التطمينات باستمرار الانخراط مع أفغانستان شرعت المكونات الأفغانية العرقية المختلفة في تسليح نفسها استعداداً للمعركة على غرار التسعينيات، والسبب عدم التأكد من القدرة على إبقاء المكتسبات العسكرية المتحققة، أو وفاء الغربيين بتعهداتهم. ولذا فإنه بدون التوصل إلى اتفاق سياسي قبل 2014 ستغرق البلاد مجدداً في الحرب الأهلية. وهذا السيناريو بدأ يقلق أيضاً بعض قادة "طالبان"، كما يقول الكاتب الباكستاني والخبير في شؤون "طالبان"، أحمد رشيد، فهو يرى أن "طالبان تعرف جيداً أنها لا تستطيع كسب حرب عرقية"، ولاسيما أن جيران أفغانستان سيدعمون أطرافاً مختلفة في الحرب، وهذا الخوف من اندلاع حرب أهلية شرسة على غرار ما وقع في التسعينيات هو ما يدفع "طالبان" إلى التفكير في السلام. بيد أن الاختلاف يبقى حول تفاصيل والأسلوب الذي ستتم به تلك المباحثات، فالولايات المتحدة مثلًا ترفض على لسان سفيرها السابق في أفغانستان، "رايان كروكر"، أي حوار مع "الملا عمر"، مؤكداً أن المقاربة الأفضل هي استقطاب بعض العناصر البارزة في "طالبان" وإقناعها بجدوى الحوار. وفي هذا الصدد تتجه أنظار بعض المسؤولين الأميركيين والأفغان إلى "آغا جان معتصم"، أحد قادة "طالبان" المقرب من "الملا عمر" باعتباره شخصاً يمكن الاعتماد عليه لحشد عناصر "طالبان"، ولاسيما أنه يحظى ببعض الشعبية في صفوفها. ومعتصم الذي يؤيد المفاوضات مع الأميركيين تعرض لمحاولة اغتيال في باكستان وكاد يقتل على يد متشددين في الحركة، وهو اليوم يعيش في تركيا. ومن جهة أخرى هناك مقاربة يتبناها أيضاً بعض المسؤولين الأميركيين تقول إنه من الأفضل لـ"طالبان" التفاوض مباشرة مع المسؤولين الأفغان وإن كانت المحاولات السابقة للحكومة الأفغانية في التباحث مع "طالبان" لم تحقق النجاح المرغوب. وهنا يشير السفير السابق، "كروكر"، إلى ما حدث في مؤتمر كيوتو للدول المانحة لأفغانستان عندما جلس أحد كبار قادة "طالبان" مع عضو بارز في الحكومة الأفغانية، وهو أول لقاء يتم بين مسؤولين علناً. ولكن مهما يكن الأمر فإن أي استراتيجية للتفاوض لن يكتب لها النجاح بدون دعم من البيت الأبيض على أن تُراعى مسألة التوقيت، إذ كلما اقترب موعد 2014 الذي حُدد للانسحاب الأميركي تعقدت الأمور أكثر وباتت أشد خطورة. ترودي روبين كاتب محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©