الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التكلف في تحمل المشقة فيما يضر الإنسان غير جائز

التكلف في تحمل المشقة فيما يضر الإنسان غير جائز
14 أغسطس 2011 22:44
«الرخصة» في اللغة عبارة عن التوسعة واليسر والسهو، وشريعةً اسم لما يغير من الأمر الأصلي لعارض أمر إلى يسر وتخفيف، كصلاة السفر ترفها وتوسعة على أصحاب الأعذار، بمعنى أنها بديل شرعي وضعه الشرع لمن عجز عن أداء الأصل. والإنسان مخلوق ضعيف وتعتريه تغيرات يحتاج معها للتخفيف، وقد تميزت الشريعة الإسلامية بوجود الرخصة كبديل ومقتضى شرعي حال عجز المسلم أو ضعفه عن القيام بما أمر به، تخفيفاً بالناس ورحمة (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) «النساء، 28» (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) «البقرة: من الآية، 185». وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ) (صحيح ابن حبان). ويلاحظ أن الناس ينقسمون إلى قسمين في التعامل مع الرخص، فقسم يعرض عن الرخصة؛ لأنها مظنة للكسل أو التقاعس لذلك فهو يطلب العزيمة ويركن إليها، وهو أمر محمود عند جملة من أهل العلم - إذا خلا من الضرر، لكن الأخذ بالعزيمة وترك الرخصة في محلها ثم الوقوع في الهلاك نوع من التنطع والتشدد الممنوع في شريعتنا، فعَنِ بن عُمَرَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (ان اللَّهَ يُحِبُ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ) «صحيح ابن خزيمة». لذلك لا يجوز التكلف في تحمل المشقة فيما يضر الإنسان في نفسه وحياته؛ لأن ذلك ليس من البر. فعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عَنْهُمْ قال: كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قد ظُلِّلَ عليه فقال ما هذا فَقَالُوا صَائِمٌ فقال ليس من الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ) (البخاري) وقد عنف النبي صلى الله عليه وسلم قوماً أبوا أن يفطروا وآثروا الصيام مع المشقة المضرة بهم وبمصالح المسلمين، ظنا منهم بأفضلية ما يصنعون، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وصف أفعالهم بالمعصية، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ فَصَامَ النَّاسُ ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ ثُمَّ شَرِبَ، فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ (أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) «صحيح مسلم». أصحاب السبت وقسم آخر يحتال ليأخذ الرخص أو يستعملها في غير محلها وهو مفرط في الالتزام، واقع في الهوى والتشهي، وقد نعى القرآن على قوم يحتالون ليستحلوا ما حرم الله تعالى بأدنى الحل، فلما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت نصبوا شباكهم قبل يوم السبت الذي تخرج فيه الأسماك ليخرجوها يوم الأحد، وهو ما عابه عليهم القرآن، قال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) «لأعراف، 163»، وهو نوع من التحايل يلجأ إليه بعضهم لينفلتوا من أوامر الله تعالى، فينبغي على المسلم أن يكون أميناً في تنفيذ ما أمر الله تعالى به، فيأخذ بالجد إذا وجب، وييسر على نفسه ما يجوز فيه التيسير أو الأخذ بالرخصة فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بها عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ) (مسلم) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَسِّرَا ولا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا ولا تَخْتَلِفَا) (مسلم). تلفيق الرخص قال الطبرى: ومعنى قوله: (يسرا ولا تعسرا) في ما كان من نوافل الخير دون ما كان فرضاً من الله، وفي ما خفف الله عمله من فرائضه في حال العذر كالصلاة قاعدًا في حال العجز عن القيام، وكالإفطار في رمضان في السفر والمرض وشبه ذلك في ما رخص الله فيه لعباده وأمر بالتيسير في النوافل والإتيان بما لم يكن شاقاً ولا فادحاً خشية الملل لها ورفضها، وذلك أن أفضل العمل إلى الله أدومه وإن قل. إلا أن العلماء حذروا من التلفيق وهو تتبع الرخص بناء على الهوى من غير دليل فهذه يختلف عن التيسير فالمتتبع للرخص لا يهمه إلا البحث عن الشاذ أو الغريب من أقوال أهل العلم من أجل أن يصل إلى مراده فالبعض ربما يستفتي العلماء فان افتوه ذهب إلى غيرهم يقلب عن أراء أخرى تحققاً لرغباته وأهوائه فان عجز انطلق إلى بطن الكتب يبحث فيها عن مخرج يلبي فيها حاجته من غير مراجعة لأهل العلم والفتوى فهذا ومثله ضرب من التحايل على الشرع، والمسلم المؤمن العاقل المتزن هو من إذا أفتي أطاع؛ لأن الطاعة هنا لأمر الله تعالى ومن علامات الإيمان الصادق الطاعة في كل حال والمؤمن هو من يستجيب لما أمر الله تعالى به: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) «الأحزاب، 36». المشاق مما ينبغي على المسلم أن يعلمه أن تطبيق الأوامر الشرعية لا يخلو من المشقة، فالمشاق قسمان أحدهما لا تنفك عنه العبادة كالوضوء والغسل في البرد والصوم في النهار الأطول والمخاطرة بالنفوس في الجهاد ونحو ذلك لا يوجب تخفيفاً في العبادة؛ لأنها قررت معه، والقسم الثاني تنفك العبادة عنه وهو ثلاثة أنواع نوع في المرتبة العليا كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع، فهذا يوجب التخفيف لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة فلو حصلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثالها ونوع في المرتبة الدنيا كأذى وجع في أصبع فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة لشرف العبادة وخسة هذه المشقة النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قرب من العليا أوجب التخفيف وما قرب من الدنيا لم يوجب، ولأجل ان يتحسس العبد حلاوة الإيمان ولذة الطاعات ينبغي أن يتحمل ما تقرر من المشقة مع بعض العبادات، فالنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى رفع منزلة العبد بسبب أعمال لا تخلو من مشقة، فعن أبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْـخُطَا إلى الْـمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) «الموطأ». د. عمر شاكر الكبيسي
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©