الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

للأسف.. إنه وطني

للأسف.. إنه وطني
10 نوفمبر 2010 19:46
تعرف مدن الشمال المغربي حركة ثقافية تهتم بالأساس في نقل الأدب الاسباني إلى اللغة العربية، ففي طنجة، العرائش، تطوان، أصيلة حيث يعيش رجال يحرسون هذا الأدب ويقومون بترجمته إلى اللغة العربية وكأنهم بترجمتهم لهذا الأدب يستعيدون شيئا من أمجاد الفردوس المفقود أو من الأندلس الضائعة أو على الأقل ما تبقى منها. فكما لو أنهم يربطون الماضي بالحاضر عبر هذا الفعل الثقافي. فمن منا لم يستمتع بترجمة أعمال الشاعر بيسوا على يد المترجم المغربي المهدي أخريف، ومن منا لم يستمتع بترجمة الشاعر عبد السلام المصباحي لديوان “مخطوطة الأحلام” للشاعر الشيلي سيرخيو ماثيياس. فهؤلاء بترجمتهم وعشقهم لهذا الأدب إنما يحنون إلى خريطة الجسد الثقافي العربي في ما وراء النهر، حيث عاش ما يربو على ثمانية قرون، وما تبقى في هذا الجسد من أحلام وآثار عربية... وقبل أيام قليلة أتحفنا الشاعر والمترجم المغربي نور الدين الدامون بترجمته الرائعة والفريدة لديوان “الواقع والرغبة” للشاعر الاسباني الشهير لويس سيروندا الذي ولد بإشبيلية في سنة 1902 وتوفي في ميكسيكو 1963، وينتمي إلى شعراء جيل ما قبيل الحرب الأهلية الاسبانية 1898 ـ 1936، الذي يتشكل من عدة شعراء كبار مثل: أنطونيو ماشادو، وميغيل دي أونامونو، وبيدرو ساليناس، وخوان رامون خمنيث، وغيرهم.. وظل شعر سيروندا غير معروف وهو يكتب من منفاه الطويل بانجلترا (1938 ـ 1947)، وبالولايات المتحدة (1947 ـ 1952)، معبرا ـ حسب المترجم ـ عن “احتقاره العميق الاسباني تجاه العالم المادي الأنجلو ساكسوني”، ولئن كانت الحرب الأهلية الاسبانية غيرت مجرى التاريخ باسبانيا فهي بدورها، مع قسوة المنفى تركت تأثيرا دراميا على حياة لويس سيروندا، وعلى إنتاجه الشعري المبدع، ومن هنا عانق شعره المدارات الوطنية التقدمية للشاعر الكبير أنطونيو ماشادو، فظل يعتبر اسبانيا أمه قبل أن يبعدوه عن ثديها بفعل العراك الدموي بها على حد تعبير الروائي خوان غويتصولو، إلى جانب هذا يمكن اعتبار شعر سيروندا يعتمد على ثلاثة محاور أساسية: 1 ـ محور التمرد الديني: وذلك بمدحه للملذات الأرضية التي تتنافى مع المذهب البيوريتاني الضيق للوسط الاسباني الذي كان يعيش فيه. 2 ـ محور الإشادة ورثاء الشعراء “الذي وضع الله في قلوبهم عطش الخلود”، “والموت وحده هو الذي يسمعهم الأغنية التي وعدهم بها”. حيث نلمس في قصيدة “المظاهر” التي يهديها الشاعر لويس سيروندا إلى الشاعر العملاق أوكتافيو بات: “الساحة وحيدة ـ الهواء رمادي،/ الأشجار سوداء، الأرض مصبوغة بالثلج/ يبدو هذا ليس حقيقة، لكن نسخة/ حزينة بدون حقيقة. إذن،/ أمام العتبة قلت:/ أن أعيش هنا، أصير/ شبحا لنفسي/ عدوانية في زينتها/ الدقيقة ـ إناءات خزفية/ برونزية، أثاث صيني ـ يبدو المنزل/ كله معتما/ نوافذه شاحبة تطل على النهر./ ويختفي اللون،/ رافدة المذبح الاسباني، وقماشا/ فرنسيا، لمعانه المخيف”. يقول المترجم نور الدين الدامون إن الشاعر لويس سيروندا صرح قائلا في إحدى محاضراته سنة 1935: “الشاعر هو تقريبا دائما ثوري، وهو كباقي الناس تنقصه الحرية، لكنه يتميز عنهم بكونه يرفض أن يقبل الحرمان منها، ومن ثمة يصطدم عدة مرات بجدار سجنه. نلمس في شعر هذا الشاعر موقفه من الحرب الأهلية الاسبانية: فسنواتها المرعبة تركت في الذاكرة الاسبانية جروحا عميقة، وهو بهذا الصدد صرح في سيرة حياة صغيرة صدرت له سنة 1958: يقول فيها “في البداية كان اعتقادي الشديد والقديم أن المظالم الاجتماعية التي عرفتها اسبانيا تتطلب إصلاحا، وأن هذا الإصلاح كان وشيكا الشيء الذي جعلني أرى الآمال التي يحملها الصمود للمستقبل، وإني أشاهد عرايا وجها لوجه، أشاهد من جهة الخلود ورد الفعل الاسباني الخالد الحي دائما غارقا في الجهل والإيمان بالغيب والسحر، وأشاهد عدم التسامح بشكل القرون الوسطى وفي الجهة الأخرى أرى قوى اسبانيا الناهضة متوجة بجروحها وجذورها تنهض.. لكن تتابع الأحداث جعلني أومن شيئا فشيئا أنه ليس هنالك إمكانية الحياة على هذه الأرض... حيث تتابع الأحداث كان داميا باسبانيا.. لقد خدعوني”، ويتجلى هذا الإحساس في قصيدة له بعنوان: “للأسف، إنه وطني”. “هذا ما يجري في وطنك وطن الموتى،/ حيث كل شيء الآن يولد من الموتى،/ ويعيش في الموت، ويموت في الموت”. في قصيدته يكتب الشاعر لويس سيروندا قصيدته إلى “شاعر ميت” يهديها إلى مواطنه الشاعر الكبير فيديركو غارسيا لوركا قائلا: “مثلما لا نرى أبدا على الصخرة/ الوردة المضيئة تتفتح،/ وفي شعب شرس وخشن/ لا نراها تسطع بكل جمالها/ زينة الحياة الرفيعة والندية./ لهذا قتلوك: كنت خضرة أرضنا القاحلة،/ سماء لجونا المظلم./ وجيز هذا هو القدر من الحياة/ الذي يشتريه الشعراء الذي يشبهون الآلهة./ ويبقى الحقد والدمار صامتا/ وإلى الأبد بأحشاء/ الاسباني القاسي معجونا بالمرارة/ يترصد كل سمو/ وبيده الحجر./ قدرك أن تولد في حرب/ بموهبة شهيرة/ في هذا الوطن، حيث الرجال/ في شقائهم لا يعرفون/ سوى القذف، التهكم/ والارتياب العميق”. ونلمس من خلال هذا النص عمق الألم الذي عاشه الشعب الاسباني في ظل الحرب الأهلية، وظل الديكتاتورية المؤلمة التي تدك إنسانية الإنسان وتفتك بقيمه. نشير إلى أن هذا الديوان من إصدارات المطبعة السريعة، في 90 صفحة من الحجم المتوسط، مزين بلوحة فنية تشكيلية للفنان ماتيس. أما الشاعر لويس سيروندا فهو من مواليد اشبيلية، درس بجامعتها العلوم القانونية، ولما تخرج رفض أن يشتغل في مهنة المحاماة، زار بعد ذلك باريس وألقى محاضراته في جامعة “تولوز”. وعاد إلى وطنه واشتغل بالتدريس والنقد الاجتماعي حتى سنة 1938 وأثناء الحرب الأهلية الاسبانية ساهم في تحرير مجلة “لحظة اسبانية” التي كان ينشر فيها الشعراء والمثقفين المناهضين للفاشية الفرانكوفونية. بعد ذلك سافر إلى انجلترا واشتغل مدرسا بجامعة “جلاسجو” ما بين سنة 1939 ـ 1943، ثم في جامعة “كامبردج” ما بين سنة 1943 ـ 1945 وتولى بعد ذلك الإشراف على المعهد الاسباني في لندن. كما أنه اشتغل بالتدريس في كلية “مونت هوليوك” بالولايات المتحدة الأمريكية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©