الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقدير خصوصيات الأديان

15 أكتوبر 2006 01:55
الاتحاد - خاص: شهد التاريخ الإسلامي حقبا طويلة توافرت فيها أجواء مناسبة للحوار الحضاري ومناخا للحرية الدينية لم يتكرر كثيرا· ومع ذلك فإن معظم الأدبيات التي قدمها التراث اختلط فيها مفهوم حوار الأديان بمقارنة أو مساجلة الأديان بالجدل الديني والمذهبي، مما أوحى بعدم تبلور هذا المفهوم عندنا من قبل· وحفلت المكتبة العربية بالكثيرمن الكتابات التي اقتربت من مفهوم حوار الأديان بدرجات متفاوتة· وهو محاولة الفرد المحمل بقيم وتقاليد وأفكار وعقائد مسبقة استكشاف الآخر (المختلف دينيا) وإدراكه وبلورة رؤية فلسفية غير نمطية إزائه، دون اللجوء إلى إصدار أحكام قيمية متحيزة ضده· وفي العصر الحديث نشأ هذا الحوار من خلال فكرة أخلاقية بحتة تولدت من الإحساس بقرب نهاية العالم نتيجة سيطرة الشر عليه· وفى الدراسة التى أعدها الباحث المصري الجاد حسام تمام بعنوان ''حوار الأديان ضرورة انسانية أم مؤامرة عالمية'' قال إن تفعيل هذا المفهوم جاء لأسباب وظروف تاريخية· فقد أدى تصاعد موجة الاستعمار الغربي وسيطرته على معظم أنحاء العالم القديم، إلى تفعيل فكرة حوار الأديان في محاولة لاكتشاف الآخر والتي كانت موزعة على عدد كبير من الديانات المختلفة لم يكن العالم الغربي على دراية كافية بها، فكان الاتجاه إلى تفعيل الحوار حتى يمكن بناء رؤية معرفية حول هذه الأديان ومعتنقيها· وتفسر تلك الرؤية تزايد اتجاه منظمات حوار الأديان العالمية لإشراك الإسلام في منظومته بعد أن كان مقتصرا على اليهودية والمسيحية وبعض الديانات الوضعية، إذ يرتبط ذلك إلى حد كبير بتزايد المد الإسلامي وظهور الحركات الإسلامية التي رأى فيها الغرب تهديدا للمصالح والمشروعات الغربية في العالم الإسلامي· وهو ما يفسر اتجاه منظمات الحوار لأن يكون ممثلو الإسلام شخصيات إسلامية من خارج المؤسسات الرسمية لضمان اكتشاف مساحات أوسع من الآراء ووجهات النظر خارج الدائرة الرسمية· ويأتى (حسب كلام تمام) مفهوم حوار الأديان انعكاسا للظروف التاريخية التي عاشت فيها أوروبا حالة من الصراع المذهبي والاضطهاد الديني، دفعت ببعض المذاهب الدينية التي عانت من الاضطهاد الديني في أوروبا كالبروتستانتية إلى تبني فكرة ''حوار الأديان'' بغرض إقرار مبدأ القبول بالآخر، حتى يتسنى لها البقاء كأقليات دينية، والحصول على حقوقها في المجتمعات الأوروبية ذات الأغلبية الكاثوليكية· وساعد على رواج فكرة حوار الأديان'' مؤخرا محاولة بعض الدول الكبرى تعريف نفسها ثقافيا وحضاريا للعالم من خلال حوار· وظهرت مؤشرات ذلك في تصدرها قائمة الدول الممولة لمنظمات حوار الأديان ومؤتمراتها بميزانيات ضخمة، في محاولة منها للوصول إلى الصدارة العالمية، ولكن من بوابة حضارية ثقافية تتناسب وأوضاع النظام الدولي الجديد وبشكل عام تعد هذه القضية من أكثر القضايا المثيرة للجدل· الأمر الذى بدت تجلياته في الانقسام الحاد من الموقف تجاه حدوث الحوار والذي يتمايز بين اتجاهين متناقضين مؤيد أو معارض، وداع إليه أو متشكك فيه· ويمتد الانقسام إلى داخل كل اتجاه بعينه· فتتباين الآراء وتتعدد أيضا الأهداف والقضايا والخطابات المستخدمة بالفعل ساحة ''حوار الأديان'' في مفارقة تجعلنا إزاء حوارات أديان وليس حوارا واحدا· واللافت للانتباه أن أنصار الحوار يرفعون دوما شعار إخلاص القصد· فهو يفترض التجرد من الشروط أو الأهداف أو الرغبة في إدراك الآخر ورؤيته معرفيا· وقد تحدث الاستفادة من هذه الرؤية وتطويقها لأهداف سياسية أو دعوية، أو غيرها من الأهداف الأخرى· ولا يتنافى هذا المضمون للحوار مبدئياً مع القصة التي أوردها القرآن الكريم في ''سورة الكهف'' عن محاورة بين رجلين أحدهما أتاه الله جنتين من أعناب يحيط بهما النخل وتتوسطها الزروع وتتفجر فيهما الأنهار، وزاده الله عن صاحبه مالاً وولدا· وتكشف القصة أن الحوار دار بين الرجلين بلا شرط أو قيد وأورده القرآن بتفاصيله كاملة، رغم أنها تتضمن كفرا من أحدهما بالله لم يقطع الآخر بسببه الحوار· كما لم يتحرج القرآن من ذكر الأقوال ''الكفرية'' لأنها في مجملها تستطيع بناء وصياغة رؤية معرفية عن الشخصية الكافرة بالله عز وجل· وقد تكرر ذكر لفظ حوار مرتين في هذه القصة من أصل ثلاث مرات في القرآن الكريم كله، وجاءت الثالثة سورة المجادلة· ويختلف ''حوار الأديان'' عن ''مقارنة الأديان'' و''مساجلة الأديان'' وإن اختلطت هذه المفاهيم في الأدبيات، فمقارنة الأديان علم يعني دراسة دين مقارنة بآخر على مستوى العقيدة والشريعة والعبادات، وتصوراته عن الإنسان والكون والحياة وغير ذلك، من محاولة افتراض الموضوعية وإمكانية إلغاء التحيز، بينما مساجلة الأديان عملية تهدف إلى إثبات تفوق وتميز دين على آخر، وهو ما لا يهدف إليه بالطبع ''حوار الأديان''· وأكد المفكر المصري الراحل الدكتور أحمد عبد الله الى أن ''حوار الأديان'' عالم واسع ومتنوع الأهداف والمستويات، والمبادرة إلى رفضه أو قبوله مبدئيا مغامرة غير محسوبة تختصر واقعا، وتنتقي وجها واحدا تحكم عليه بالسلب أو بالإيجاب وسط ظاهرة متعددة الوجوه· والتنوع الذى أراده يتضمن الأطراف المتحاورة، من رجال دين، أو أكاديميين متخصصين في الأديان، أو ناشطين في العمل الخيري، أو المهتمين بتعظيم دور الأديان في نواحي الحياة المختلفة، أو خليط من هؤلاء وأولئك· موضحا أن أهداف الحوار تختلف· فهناك حوارات تبحث عن تفاهم متبادل وتعارف أعمق· وأخرى تبحث عن القيم المتفق عليها·وثالثة تبحث عن موقف مشترك من قضية بعينها· ورابعة ذات أغراض سياسية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©