الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبدالوهاب عبدالمحسن: القيم البصرية عامل مشترك بين حضارات الشرق

عبدالوهاب عبدالمحسن: القيم البصرية عامل مشترك بين حضارات الشرق
5 أغسطس 2012
مجدي عثمان (القاهرة) - بدأت علاقة الفنان التشكيلي عبدالوهاب عبدالمحسن بالخط العربي قبل أن يتخرج في كلية الفنون الجميلة بعام واحد، حين قدم الفنان الراحل أحمد ماهر رائف من بعثته في ألمانيا لنيل درجة الدكتوراه، عام 1975 ليُدرس في الكلية بمفهوم جديد للرؤية البصرية، ناهيا عن الاستمرار في الارتباط بالنموذج الإيطالي الأكاديمي، ودراسة المنظور والموديل والطبيعة الصامتة، من خلال قناعة خاصة نتجت بعد بحث وتأمل استمر حوالي 20 عاماً في فلسفة الفن وعلاقته بالرؤية البصرية، بأن التعامل البصري السائد لدى الفنانين غير حقيقي وغير محدد. وقال عبدالوهاب إن الدكتور ماهر رائف بدأ محاولة إلغاء المنظور، والنقل عن نموذج مرئي لتحقيق علاقات الظل والنور والشكل والفراغ، موضحاً أن تلك الأشياء حينما تراها بالعين المجردة تختلف عما إذا رأيتها من خلال عدسة مجهرية، كما تختلف رؤية الفنان لها باختلاف زاوية ومساحة الرؤية، وربما ما تراه بعينك غير حقيقي، وأن أصل الأشكال موجود فعلياً في الخط العربي، كما ألغى الدراسة عن النموذج البشري باعتبار أن الجماليات موجودة في جميع ما خلق الله. وأضاف أن ذلك كان مغايراً لما درسوه مدة 4 سنوات من الخبرات الأكاديمية، ويصعب الاستغناء عن تلك المهارات والانقلاب على الذات، ويحتاج إلى تهيئة نفسية وفكرية وثقافية، لاستيعاب الفكرة بكامل أبعادها، ولذلك وجب إعادة التفكير في شكل المنتج الفني بعد التخرج في الكلية، من منطلق رؤية خاصة خاضعة للمسافة بينه وبين العنصر أو الموضوع الذي سيرسمه، فأعاد دراسة مهارات اللغة البصرية، واستنتج من ذلك وجود اختلاف بين لغة التشكيل ولغة الأدب، حيث إن أبجدية العمل الفني أو عناصر التصميم هي الخط واللون والملمس، وتذكر أن ذلك كان جزءا من الحوار الفكري والثقافي، الذي دار مع الدكتور رائف، فبدأ مراجعة لغته البصرية وتنقيتها من خلال التأمل، ولم يعد الموضوع هو الأساس في العمل الفني، كما تفتت فكرة المنظور لديه، باعتباره خداع بصري، مما أكد عمق وثبات تجربته الإبداعية. قلم الباست وأشار عبدالوهاب إلى أن مشروع تخرجه كان تحت عنوان «استعمال أداة الخط العربي في التشكيل» واستخدم فيه البوصة أو قلم الباست، والذي رأى فيه حضورا وتلخيصا للكثر من القيم البصرية، إضافة إلى أنه يعطي إيقاعات ملونة ذات ملمس خاص، إذا أُجيد استعمالها، كما أن له «بحة» بين الصوت العالي والمنخفض، مما يعطي تنوعاً وثراء في الشكل من خلال الإحساس بالـ «هوى» كفنان شرقي له علاقة بالتعريب والتنغيم والتطريب والأناقة والدلال، وإن الخط العربي يرتبط بالتزيين والزخرفة والطقوس الدينية، من ناحية الشكل، والخط في الأعمال الفنية هو أساس الحركة واتجاهها وتكثيف الرؤية داخلها. يحن الفنان عبدالوهاب من وقت إلى آخر إلى التشكيل بالخط العربي معتبراً أنه نوع من المذاكرة، وتنظيم الفكر وإرضاء النفس، لما فيه من «مساحة أمان» لسهولة استخدام الأحبار على خامة الورق، موضحاً أن ذلك العمل يرتبط بالمزاج الشخصي الذي يسمح له بإظهار أداءات البوصة، وإنه يقوم بذلك دون أن يهتم بعرض أعماله، وإنما مستمتعا بالنتيجة، ومؤكداً أن الخط العربي يكون ملاذه عندما يشعر بأنه وقع في حالة من التكرار أو توقف دهشة التجربة الفنية، وبذلك يعيد لحالته الإبداعية الحيوية والتجدد، كما أن تلك العلاقة مع الخط تجعل ثقافته البصرية ذات أصول مرجعية. مرجعية تراثية وقال إنه للتعبير عن واقع أو بيئة ما، يجب أن تكون للفنان مرجعية تراثية، وهى موجودة بالفعل في منطقة الشرق، إلا أن الأمر يرتبط بالجهد الذي يبذله الفنان لدراسة وتأمل تلك المرجعيات، وإننا ننسى ذلك لما لكل بيئة من فراديات تظهر عند الاشتغال بالعملية الإبداعية على موضوع يخص الواقع الذي يحياه الفنان، ومن دون ذلك يزداد الاغتراب، والذي بدوره يؤدي إلى زيادة في عدد الفنانين مع نقصان في الذائقة، مما يحدث انفصالاً بين الفنان ومجتمعه، ويصبح الفن منطلقاً من دون أن تكون هناك لغة مشتركة أو مرتبطة بتاريخ وحياة المجتمع وعقائده. وأوضح أن الشعوب عندما تتعرض لأزمات، تبحث عن ركائزها وأساسها الذي يمثل مصادر القوة لديها، ومن دون ذلك تصبح هينة ومن السهل إخفاء معالمها، ومن ثم يشكل التراث حائط الصد أمام تلك الهجمة في عالم مفتوح. وأكد عبدالوهاب أننا نعيش في حالة تبعية ثقافية واقتصادية وتكنولوجية تطحن أي فنان، غير واع بقيمه التراثية، من خلال إدارة ترويجية إعلامية ضخمة، ولا بد أن يتنبه الفنان إلى أن الانفتاح الثقافي على العالم يثرى ويتنوع بتنوع الثقافات والذائقة، وهو ما يمكن من خلاله إثبات الهوية والشخصية، حينما يرتبط الإنسان أو الفنان بركائزه الحضارية. وقال إنه تناول في رسالته لنيل الدكتوراه رسالة الغفران لأبي العلاء المعري من خلال رؤية تشكيلية معاصرة، ومن أجل ذلك قرأها عدة مرات، وإن اختياره لأبي العلاء لكونه كفيفا، حيث أن المبصر ربما يُصبح أسير الرؤية، وأن ما يذكره أبوالعلاء متفق مع مفهومه للفن، بعد أن بدأ يرى أن مفهوم الرؤية البصرية غير دقيق، وإنه عندما يصف اللون الأبيض على سبيل المثال، فإن ذلك الأبيض ليس هو ما نعرفه، حيث إنه لون خاص به، يتوافق مع مفهوم التجريد، كما إن أبا العلاء لديه الجرأة والتمرد والغرابة في التناول، مما يحدث لقاء بين نصه وما يعبر عنه تشكيلياً من خلال التخيل والتجلي في شكل إبداع مواز لنموذج أدبي. وأشار إلى إنه يعمل من خلال التأمل والفيض الإلهي، وربما يكون العمل بسيطا جداً، ولكن تلك البساطة توضح أنه تجرد من أعباء الخبرة والتراكم البصري، ودخل إلى حالة لا يحتاج فيها إلى أي نوع من المجهود. وأوضح أن الحضارات التي نشأت في أحضان المعتقدات، كالحضارات الشرقية، تتفق فنونها جميعا في القيم البصرية من تكرار وتراكب وتعامد، وأن فكرة التصوير تختلف عن المنتج الفني الحضاري، الذي له نظام خاص، وأن الفنانين يهبط إنتاجهم قيميا عند الاشتغال أو النقل عن النموذج الغربي، وأن ما يصوره بعض المستشرقين عن فنون الحضارات في الشرق، خاصة الفن الإسلامي، لن يقلل أبداً من جماليات إبداعاته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©