الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفغانستان··· نمط فريد في التعامل مع القيادات

أفغانستان··· نمط فريد في التعامل مع القيادات
26 فبراير 2009 02:14
لقد كان لقائي الأول بالرئيس الأفغاني حامد كرزاي في عام ،2003 لقاء اسثتنائياً نوعاً ما· حينها كانت قد توحدت جهود كل من مؤسسة ''راند'' مع جهود ''ورشة سمسم'' بهدف إنتاج نسخة أفغانية من سلسلة Sesame Street التلفزيونية التعليمية الموجهة للأطفال· وكنا نعكف على تصميم وتصوير سلسلة فيديو قصيرة، بهدف عرضها لأطفال ما بعد ''طالبان'' من الجنسين في شتى المدارس الأفغانية· وكان كرزاي قد وافق على الظهور في إحدى حلقات المسلسل، حيث يتم تصوير مجموعة من الأطفال الأميركيين الأفغان وهم يرتدون الملابس الشعبية الأفغانية بصحبة حامد كرزاي أثناء إحدى زياراته إلى واشنطن· وكان يوم التصوير بارداً جداً وممطراً للغاية· فتدفق فوج من المتطوعين من سائقي السيارات ذات الدفع الرباعي، ممن تبرعوا بتوصيل الأطفال من منازلهم إلى Blair House المقر الرسمي لاستضافة رؤساء الدول والحكومات· ولكن مضت ساعات طويلة من الانتظار قبل أن يصل الرئيس حامد كرزاي إلى المكان، بسبب تأخره في اجتماع مشترك بينه ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس ''الشيوخ''· وحين وصل كان الغضب بادياً عليه وكان في ضيق من الكونجرس الذي حاصره بالانتقادات على تنامي تجارة المخدرات وممارسات الفساد في بلاده· وكان قد استغنى عن خدمات سفيره لدى واشنطن للتو، بعد أن حمله مسؤولية ما حدث· وحين رأيته وهو يدخل إلى قصر الضيافة الرئاسي وهو بتلك الحالة، خلت أن تلك هي نهاية مشروعي الصغير الذي خططت له وأعددت له كل عدتي· إلا إن مزاجه تغير واعتدل ما أن وقعت عيناه على الأطفال· فجلس ودعاهم للجلوس إلى جانبه· وما أن بدأ الأنس معهم، حتى تنفس طاقم المصورين الصعداء وبدأ بتصوير اللقطات· كان كرزاي قد حدث الأطفال عن قصصه المفضلة لما قبل النوم حين كان طفلاً، وعن ذكرياته عندما كان تلميذاً بالمدرسة الابتدائية، وعن ألعابه المفضلة، والدول التي زارها في صغره· وكانت تلك القصص مثيرة لإعجاب الأطفال وفضولهم، بينما كان كرزاي يزداد ارتياحاً واسترخاء لوجوده معهم، إلى أن وقفت طفلة صغيرة وسألته عما يفضله في كونه رئيساً لأفغانستان؟ وعندها حل صمت عظيم في المكان· ففيما يبدو كان كرزاي قد نسي أين يكون في تلك اللحظة· فتقطب جبينه حتى ساد القلق بين الكبار الحاضرين من المصورين وغيرهم، قبل أن يجيب: لا شيء· وظلت تلك اللحظة تعود إلى ذهني وذاكرتي في كل مرة أفكر فيها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، المقرر لها شهر أغسطس من العام الجاري· ذلك أن عام 2003 كان لا يزال وقتاً بهيجاً وإيجابياً لحامد كرزاي· فحينها كان محبوباً لدى مواطنيه وقادة العالم وشعوبه· وحتى تلك الأسئلة القاسية التي وجهت إليه من قبل مشرعي الكونجرس الأميركي، كان الهدف منها فهم ما يجري وكيفية تقديم المساعدة الممكنة له لتخطي المصاعب التي يواجهها في إدارة بلاده، والتصدي لمشكلتي تجارة المخدرات وتفشي ممارسات الفساد، أكثر مما كانت تهدف إلى إحراجه· أما اليوم فيواجه كرزاي اتهامات بالتواطؤ مع ممارسات الفساد المنسوبة لإخوته، والتهاون مع تجار المخدرات، وأدار له الظهر عدد من قدامى أصدقائه ووزرائه الموثوقين، وبدأوا يوجهون له الإدانات والانتقادات علناً، ويجاهرون بمنافستهم له على المنصب الرئاسي· وبعد أن كان كرزاي محل تقدير وثقة كبيرتين داخلياً وخارجياً، قد تحول إلى رمز للفشل لا أكثر· وقد أثار هذا الانحسار الذي حدث لكرزاي فضولي فذهبت أبحث وأمضي بعض الوقت في القراءة عن سير القادة الأفغان السابقين· ومما توصلت إليه من بحثي وقراءتي، أن دولاً كثيرة مرت بمراحل تاريخية عاصفة، إلا إن أفغانستان تعد حالة استثنائية في احتفائها الشعبي الكبير بقادتها الجدد، ثم إدارة الظهر لهم ومعاداتهم بعد فترة وجيزة· وقد تكرر هذا التاريخ نفسه مع الرئيس الحالي كرزاي· ومنذ عام 1700 تعاقب على قيادة أفغانستان 29 قائداً، لم يكمل منهم ولايته سوى أربعة فحسب· أما الباقون فإما أطيح بهم، ثم قتلوا أو سجنوا أو نفوا أو أعدموا أو ضربوا حتى الموت· وتظهر الصور الفوتوغرافية لهؤلاء القادة وجوهاً غمرتها السعادة والشعور بالثقة والاعتزاز بالنفس في بادئ الأمر، ثم الأرق والوجوم والحيرة في نهاية الأمر· ولم يكن كرزاي أول من عاد من خارج أفغانستان وهو يعتقد أنه جاء إلى بلاده بأفكار جديدة وتصورات ملهمة للدفع بها على طريق التقدم والحداثة· وأياً كانت نوايا القادة وطموحاتهم، فقد تكرر في التاريخ الأفغاني، حب الشعب وتقديره والتفافه حولهم في بادئ الأمر، ثم كراهيتهم وإدارة الظهر لهم في النهاية· بل يعد الذين قتلوا فحسب من هؤلاء في الماضي، من بين المحظوظين جداً· فعلى سبيل المثال كان الرئيس السابق نجيب الله رحمن-المدعوم من قبل السوفييت- قد اقتيد عنوة من مبنى للأمم المتحدة في العاصمة كابول عام 1996 حيث ضرب وعذب وترك ليموت ببطء، قبل تعليق جثته على عمود للإنارة في الشارع العام· وفي بعض الأحيان، تكون كراهية الأفغان لقائدهم من العظم إلى درجة لا يكفي القتل وحده لإشفاء غليلهم· من ذلك مثلاً أن الرئيس الأسبق بابراك كارمال كان قد توفي بداء السرطان بعد مضي عقد كامل من الإطاحة به· إلا إن قادة حركة طالبان نبشوا قبره وأرداو أن يلقوا برفاته في النهر، لولا تدخل بعض الحكماء الكبار وإقناعهم بإعادة دفنه في القبر· فرغبة التشفي عندهم لا يطفئها القتل وحده كما نرى! واليوم يحتاج الشعب الأفغاني إلى الكثير من الخدمات الأساسية: الأمن، الكهرباء، المستشفيات والمدارس، فضلاً عن حاجته الماسة إلى مصادر اقتصادية بديلة لتجارة المخدرات· غير أن ضمن ما يحتاجه الأفغان بشدة، احترام مؤسسات الحكم والنظام الديمقراطي· وهذا ما يجب على المجتمع الدولي أن يساعد الأفغان في تبنيه، بدلاً من مساعدته لهم على ترسيخ طقوس ''عبادة الفرد''· شيريل بينارد مديرة مشاركة لمبادرة الاستراتيجيات البديلة بمؤسسة راند ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©