السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العقيدة السليمة لبنة أساسية لبناء الشخصية

العقيدة السليمة لبنة أساسية لبناء الشخصية
13 أغسطس 2011 22:58
إن الإيمان هو قضية الإنسان الكبرى ومسألته الأساسية في هذه الحياة؛ لأنه يجيبه عن سر وجوده في هذا الكون، ويكشف له عن خالقه وخالق المخلوقات من حوله، ويحدد له علاقته بهذا الخالق وبالكون والوجود، ويبين له مصيره ونهايته. ولا ريب في أن للعقيدة التي يحملها الإنسان في داخله ويدين بها قلبه وعقله وجميع جوارحه، أثراً في بناء شخصيته من الناحية النفسية والفكرية والسلوكية. فكلما كان إدراك الإنسان للعقيدة إدراكاً صحيحاً قائماً على العلم والمعرفة، كلما كان إيمانه بالله وتوحيده إياه أعمق وأثبت في قلبه وعقله، قال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه..) “محمد، 19”. فكان العلم سابقاً على الإيمان وطريقاً مؤدياً إليه، ومتى عرف الإنسان ربه وعظمته وكمال صفاته، آمن به وبكل ما يأتيه عنه من علوم الغيب. ولهذا ظل النبي صلى الله عليه وسلم طيلة العهد المكي يعلم الإنسان ويعرفه بخالقه، ويصحح العقيدة في فكره وفي نفسه، تطبيقاً لمشيئة الحكمة الإلهية التي اقتضت أن تكون العقيدة هي القضية الأولى التي يتصدى لها الرسول صلى الله عليه وسلم منذ أول يوم من الرسالة، وذلك لما للعقيدة من تأثير كبير في تسيير الإنسان نحو وجهة معينة وفق التصور الذي يستمد مبادئه وأصوله مما استقر في نفسه منها. فالعقيدة السليمة هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية المسلم على مستوى النفسي والسلوكي، وهي العنصر الفعال المحرك لعواطفه والموجه لإرادته. ومتى صحت عناصر العقيدة ورسخت في داخل الإنسان استقامت الأساسيات الكبرى لديه فكره وقلبه وسلوكه وعواطفه وإرادته. الجانب النفسي إن للإيمان تأثيراً كبيراً في بناء الجانب النفسي لدى الإنسان، فالنفس التي لم تعرف توحيد الله سبحانه وتعالى، ولم تذق حلاوة الإيمان والتصديق، تعيش تائهة حائرة، يائسة قانطة، مضطربة متوترة، تفزع للمصائب وتجزع للنوائب، وتبطر الخير والنعمة، وتغمط الناس حقهم وفضلهم. ولقد أخبرنا القرآن الكريم عن حقيقة النفس الإنسانية وكشف لنا عن خفاياها وخباياها في آيات كثيرة. ولهذا فإن منهج العقيدة الإسلامية في بناء النفس الإنسانية يقوم على تعريف الإنسان بحقيقة نفسه وطبيعتها وماهيتها، ثم بالإجابة على الأسئلة الكبرى الملحة عندها والتي تجعلها تعيش في قلق وحيرة تجاهها، وهي: من الذي أوجدني؟ وما هي الغاية التي لأجلها وجدت في هذا الكون؟ وإلى أين المصير وما هي النهاية؟ وحين تظفر هذه النفس بالجواب الصحيح على تلك الأسئلة الملحة يتضح للإنسان تصوره لنفسه وللحياة وللكون من حوله، وتترسم له معالم الطريق الذي يجب أن يسلكه ويسير فيه بجلاء بين، فتهدأ نفسه وتطمئن، وتعيش في سكينة واستقرار بعيداً عن الحيرة القاتلة. تزكية النفس كما تعمل العقيدة الإسلامية على تزكية النفس وتطهيرها من كل ما يشوبها ويفسدها، وإن للنفس التي عرفت التوحيد والإيمان، سمات وخصائص تميزها، منها: - الأمن والاطمئنان: فالنفس التي أشرق في عمقها نور الإيمان واستقرت في سويدائها حقيقة التوحيد تكون آمنة مطمئنة، لقوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) “الأنعام: 82”. - الرضا والثبات: إن النفس المؤمنة نفس راضية عن ربها في كل الأحوال والظروف لذلك استحقت رضا الله عنها، قال تعالى: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) “البينة، 8”. وهذه النفس هي ثابتة مستقيمة تسير على خط واحد في اليسر والعسر، شاكرة في السراء وصابرة في الضراء. - الهداية والتوفيق: إن النفس التي تسلك صراط الله المستقيم تنال الهداية والتوفيق الإلهي، والحماية والحفظ من كيد الشيطان وشركه. ولقد دلت الأبحاث في ميدان التربية، أن للجانب النفسي في الإنسان تأثيراً كبيراً على سلوكه وجميع تصرفاته، فمتى كان الجانب النفسي عنده مستقراً مطمئناً كان سلوكه مستقيماً معتدلاً، ومتى كان مختلاً مضطرباً انحرف سلوكه واعوج، وبذلك يكون السلوك الإنساني ترجمة لما يؤمن به هذا الإنسان ويشعر به في داخله. ولا شيء أقدر على تقويم سلوك الإنسان وضبطه مثل العقيدة الإسلامية، ذلك لما لهذه العقيدة من سلطان على سلوكه وتصرفاته نابع من داخل الإنسان نفسه، يحمله على التحلي بمكارم الأخلاق ومحاسنها، ويجنبه سيئها وفاسدها. حسن السلوك فالإنسان الذي آمن بالله عز وجل يكون مذعنا لأوامر ربه ونواهيه طاعة له؛ لأنه علم أن خالقه هو المتصرف في كل شيء بعدله وحكمته، وهو عالم الغيب والشهادة المطلع على ما في الصدور، والحسيب الرقيب على كل حركاته وسكناته، قال صلى الله عليه وسلم: “أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ” (متفق عليه). وبذلك تتحدد غاية هذا الإنسان من جميع سلوكاته وتصرفاته، والتي هي ابتغاء مرضاة الله تعالى في كل الأمور. قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) “البقرة، 265”. د. حياة البرهماتي
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©