الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضرورة الحفاظ على التواصل الحضاري

ضرورة الحفاظ على التواصل الحضاري
13 أكتوبر 2006 01:29
الاتحاد - خاص: كان وضع تصور يحكم العلاقات بين الحضارات المختلفة الملف الشاغل للعديد من المفكرين المهمومين بالمنظومة العالمية المعقدة، حتى يمكن التوصل لفهم ناضج لطبيعة الأحداث وتقليص سلبياتها التي تطفو على السطح من حين لآخر عندما تظهر مشكلة هنا أو تطرح قضية هناك· وانطلقت العديد من النظريات تحاول جاهدة فهم الواقع وتوجيه دفته إلى ما فيه النفع للبشرية· وظهرت أقوى تلك الطروحات، قبل أكثر من عقدين· وكان العالم ما زال يتعامل بواقع ثنائي القطب إلى حد ما خرج المفكر الفرنسي روجيه جارودي على العالم أجمع بنظريته الرائدة ومشروعه للجمع بين الحضارات المختلفة على أساس أرضية مشتركة للتفاهم على مستوى شعوب الأرض وسماه بـ ''حوار الحضارات''· واتسم مشروعه بالنقد الشديد للهيمنة الغربية· وبشر في ثنايا نظريته بزوال الغرب عموما لكن هذه لم تجد الصدى اللائق· ومع انهيار الاتحاد السوفييتي بدأت نظريات أخرى بالصعود إلى السطح والظهور لتفسير كيفية تعامل القطب الأحادي مع العالم في ضوء الواقع الجديد ومن هذه النظريات ما خرج به الأميركي الجنسية الياباني الأصل ''فوكوياما'' بما يسمى ويعرف بنظرية نهاية التاريخ، التي قامت على تصوير انتصار الرأسمالية على الأرض باعتبارها نهاية التاريخ· وأن الإنسان الأميركي هو من وصل إلى أقصى مستوى حضاري ممكن· وجاءت مقالة المفكر الأميركي صمويل هتنجتون تحت عنوان ''صدام الحضارات'' والتي نشرت في دورية ''الشؤون الخارجية'' كمحاولة لقراءة مستقبل العالم المعاصر· وقرر فيها أن الصراع خلال القرن الواحد والعشرين سوف يكون صراعا بين الحضارات وليس بصراع اقتصادي أو أيديولوجي· حدد في نظريته تلك سبع حضارات أساسية يتوقع أن يلتهب بينهم الصراع ولا بد في هذا الصراع من زوال البعض وخضوع البعض الآخر لهيمنة الأقوى· وقرر في النهاية أن الحضارات المتوقع لها الاستمرار حتى النهاية لما تحمله من إمكانيات ومقومات للبقاء، هي ثلاث حضارات الإسلامية والغربية والكونفوشيوسية·وحذر العالم الغربي من تحالف الحضارة الإسلامية مع نظيرتها الكونفوشيوسية· وطرح الكثير من المفكرين الذين عارضوا نظرية صراع الحضارات بديلا قويا يقوم على حوار الحضارات كوسيلة لتجنيب المجتمع ويلات الحروب والقتال· وتم عقد العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية لترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلا من الصدام· وتبني عدد من الكتاب هذه النظرية ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يمكن لكل طرف أن يتفهم الآخر ويتعايش معه· وحددت الأمم المتحدة 2001 كعام لحوار الحضارات· لكن هذا الطرح لم يخل من جدل شديد ونقد دائم مستمر حتى من جانب المفكرين المسلمين (دراسة نشرت على موقع مفكرة الاسلام بعنوان: حوار الحضارات الجذور والتاريخ)· ولم يقف الجميع فيه على نسق واحد فمنهم رافض للفكرة من أساسها لعدم واقعيتها فكيف ستتحاور مع من يهدم بيتك ويشرد أهلك في أنحاء متفرقة من العالم الإسلامي إلى فريق آخر مؤيد للفكرة على الإطلاق وداع لها بغض النظر عن الواقع الحالي للأمة وفريق ثالث لا يستوعب المعنى المقصود من حوار الحضارات بل يحتفظ كل فرد في الفريق الثالث بفهم خاص له لهذا المصطلح· وعلى المعطيات السابقة يمكن إلقاء الضوء على نظرية حوار الحضارات وتحديد المقصود الدقيق بهذا المصطلح ثم بعد ذلك قياس حجم المصالح والمفاسد المترتبة على العمل بمقصودها ومن ثم تتضح إمكانية الحكم عليها· لأنه على الحضارات أن تكون لها قاعدة من الثوابت المشتركة بينها تنطلق منها إلى حوار يؤمن بالتعددية وعدم هيمنة حضارة على الأخرى· هذا الحوار سيمكن كل طرف من تفهم الآخر والتعايش معه بدلا من الاصطدام والحروب· ويجب أن يكون الهدف المحورى في مجال التواصل بين الحضارات الحفاظ على التواصل الحضاري القائم أو الوقاية من لحظة انقطاع التواصل القائم، وتطويره في اتجاه تصحيح الأخطاء وخلق المناخ الملائم للتقريب بين أبناء الحضارات المختلفة· لأن أطروحة صراع أو صدام الحضارات في رأي البعض بالعالم الإسلامي جزء من الدعاية الغربية لفرض حضارتها على الشعوب الأخرى· وفي نظر المفكر الألمانى ايكيهارت شولتس أن أطراف أي صراع حقيقي لا بد أن تكون متكافئة ليس حضاريا فحسب بل أيضاً اقتصاديا وعسكريا، وأن تكون الرغبة في التصارع متبادلة وتمثل إرادة الطرفين· ومن الضرورى وجود نوعين من التواصل· أحدهما، التواصل في إطار الحضارة الواحدة·والثاني، التواصل بين الحضارات المختلفة· وفي تقدير ايكيهارت أن التواصل الداخلي انقطع في أكثر من حضارة· فكيف نستطيع أن نحقق التواصل بين الحضارات دون الوفاق أو الوحدة الداخلية في تعريف القيم لكل كيان حضاري؟· وهل يمكن مناقشة تباين القيم مع الحضارات الأخرى إلا بعد الاتفاق على تحديد القيم المميزة لكل منظومة حضارية· وما هي قيم الغرب؟ وما هي قيم الشرق؟ وهل تسميات ''الغرب'' و''الشرق'' أصلا تسميات صحيحة؟ أم أنها مجرد محض أوصاف جغرافية ومكانية تحولت بحد ذاتها؟· إننا نحتاج إلى حلول تعتمد على تضافر مختلف فروع العلوم الإنسانية والاجتماعية والتعاون بينها، والمعنيون في هذا الأمر هم الفلاسفة واللغويون وأصحاب الدراسات الثقافية والسياسية والتاريخية والدينية والقانونية والاقتصادية والذين يجب أن يعملوا بصدق على تحليل كل ما يحيط بالتواصل بين الحضارات ومشاكله والحواجز التي تعيق تقدمه نحو تعاون حضاري طويل الأجل بعيدًا عن الحسابات الاقتصادية قصيرة الأجل التي تواجه مخاطر جمة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي على أي حال، ما استمرت الأوضاع الداخلية والتوازنات الإقليمية والدولية على ما هي عليه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©