السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما هي مقاييس الجمال في المجتمعات البشرية؟

ما هي مقاييس الجمال في المجتمعات البشرية؟
16 فبراير 2008 02:18
لماذا اقترن الحديث عن الجمال بالخيال البشري، وبذلك السعي القديم إلى معرفة الغامض من الأشياء؟ وما سر الانجذاب نحو قيم أفعال خاصة توسم بالجمال؟· في عالم الآلهة اقترن الجمال بفينوس (ربة الجمال) في (مدينة الألمب) التي طالما تغنينا بها، وبقوة الإغريق في رسم عالم رائع، مدينة الألمب حيث الإله زيوس، وأفروديت، وأدونيس، وفينوس التي مثلت في شخصها تلك المرأة المزهوة بجمالها، فالجمال قيمة في حدِّ ذاتها، لهذا شكَّل اعتدادها بنفسها مدعاة لغيرة باقي الآلهة، فيقرِّر زيوس أن يزوجها (فلكان) إله النار· في الأساطير اليونانية ارتبط الجمال بالمرأة، وكان غاية في حدِّ ذاته، رغم الاختلاف النسبي الذي وقع بين أفلاطون من جهة، وأرسطو من جهة أخرى، في تقديرهما للجمال، وبجهودهما النظرية في تحديد غاية الجمال ووظيفته، تشكَّلت المعالم الأولى لعلم الجمال أو (الاستيطيقا)· وتطور هذا العلم أكثر بالجهود النظرية للفيلسوف الأماني إيمانويل كانط، صاحب نظرية الجمال المنقطع عن أي غاية، وكذلك الفيلسوف الألماني فردريك هيغل في نظريته الجمالية· إذا تفحصنا أغلب النظريات الجمالية منذ أرسطو حتى علماء الجمال الحديث، نجد أن مواقف الناس توزَّعت بين الاعتقاد بأن الجمال غاية في ذاته، منقطع عن أي وظيفة، وبين الاعتقاد بأن ما يحدِّد الشيء ليس ماهيته بقدر ما هي وظيفته الاجتماعية· وهذا الاختلاف يجد جذوره الاجتماعية في طبيعة التناقضات داخل المجتمعات خصوصاً في مرحلتنا المعاصرة· وإذا كانت يد الملك (ميداس) قادرة على تحويل الأشياء إلى ذهب بمجرَّد لمسها، فإن يد الرأسمالية هي الأخرى قادرة على تحويل الأشياء إلى سلع بمجرِّد لمسها· وهكذا استشعر الفنان الحق أن الجمال الأصيل في المجتمع الرأسمالي يفقد كل معانيه السامية عندما يحوَّل إلى مجرَّد بضاعة؛ إنها غربة قاسية لكل القيم الإنسانية التي رسخت في أذهان البشرية منذ آلاف السنين· فلا غرابة إذاً أن يفقد الجمال الطبيعي بريقه في مثل هذا المجتمع تاركاً مكانه للجمال الاصطناعي، هذا الجمال الذي يخضع لقانون البضاعة، ولقانون العرض والطلب!· ولعلَّ جمال المرأة في مثل هذه المجتمعات خضع هو الآخر لهذا التحوُّل القيمي، فصار الجمال الطبيعي غير مرغوب فيه أمام الاجتياح الكبير للجمال الاصطناعي· أما في المجتمعات التي كانت تتبنى النظام الاشتراكي، فإن تعليم المرأة يشوه جمالها، ويكون على حساب أنوثتها، فتفقد كثيراً من قيمتها الجمالية، فكلما ارتفع المستوى التعليمي للفتاة، كلما تراجعت مفاتنها الجمالية؛ فالمرأة المتعلِّمة تكون أكثر نزوعاً إلى التمرُّد على الزوج من المرأة غير المتعلِّمة التي تتصف سلوكياتها بالطاعة والوفاء؛ لذا فإن الكساد أو نسبة العنوسة كانت مرتفعة في أوساط المتعلِّمات في تلك المجتمعات، فيما كانت الفتاة المحدودة التعليم أو غير المتعلِّمة، أوفر حظاً للزواج، وجمالها يكون في الإجابة بـ (نعم) على كل قرارات الزوج· أما في التراث العربي، فهناك تصوُّر خاص للجمال، هو مزيج من التصوُّر المادي والروحي؛ فالمرأة الجميلة هي التي تجمع بين الجمال الطبيعي، أي جمال الوجه والقوام، والجمال المعنوي، أي مجموع الصفات المعنوية التي تطوَّرت مع تطوُّر المجتمعات العربية الإسلامية· في العصور الإسلامية، وإثر امتزاج العنصر العربي بالعناصر الأخرى (الروم + الفرس)، بدأ التغاضي عن شرف النَّسب العربي، وعوض عنه بالفصاحة، خصوصاً وأن دور الغناء ازدهرت في هذا العصر، واشترط تجار القيان بالإضافة إلى الجمال الطبيعي للمرأة، أن تحسن الجميلة الغناء والفصاحة، والتاريخ العربي يزخر بأمثلة حية لمغنيات اشتهرن بفصاحتهن وذكائهن، وهذا ما جعل الشعراء يلزمون دور الغناء لعرض أشعارهم على المغنيات· اقترن الجمال في التراث العربي دائماً بالمرأة الطبيعية، ولهذا كانت المرأة البدوية أقرب إلى صورة المرأة الجميلة، ولما جاء الإسلام إلى وسط الجزيرة أضيف إلى ذلك حُسن الدين والنَّسب، لكن تغير ظروف الواقع الإسلامي جعل الشُّعراء يقرنون الجمال بالغناء والقيان، فخضع الجمال لمتغيرات الواقع· والذي كان يحدِّد القيم الجمالية هو الشاعر، إذ أن بيتاً واحداً من الشعر كان يكفي لأن يجمل المرأة أو يقبحها، ومثال ذلك الشاعر عمر بن أبي ربيعة حيث كان يُطارد من قبل النساء ليقول فيهن بيتاً من الشِّعر· لماذا ؟ لأن المجتمع تربى وجدانياً على أذواق الشُّعراء، وما زال شعراؤنا إلى اليوم يستسيغون النكهة المتميزة الرقيقة للشِّعر الغزلي القديم، ويستمدون من قاموسها مفردات عذبة شذيَّة؛ حيث الشِّعر الذي يشبه الليل، والوجه الذي يحاكي القمر، وعيون ألمها التي تحتل منا ومن شعرائنا شغاف القلوب· لكن عندما يتعلَّق الأمر بالرجل الوسيم، فسوف يكون مسخراً للعذاب، لأن القيم الاجتماعية لا تتيح له الفرصة كي يختال في الأرض، ويعبر عن نرجسيته· وتروي لنا القصص التراثية أن نصر بن حجاج نُفي إلى البصرة، لأن وجوده يغري بالفتنة والغواية، إنها ضريبة الوسامة التي دفع ثمنها غالياً وهي الغربة والتشرُّد والبُعد عن موطن الحبيبة· وقبل ذلك وفي زمن المعجزات الإلهية، فإن سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان مشهوراً بجماله، ألقي في البئر من قبل إخوته غيرة وحسداً، ولو تصفحنا قواميس اللغة لوجدنا أن كلمة (يوسف) باللغة العربية الفصحى تعني (الجمال)· كان الجمال في القديم واضحاً، وألوانه ساطعة، وعلى أطلال منازل الحسناوات بكى الشعراء وتوجعوا، وتنافس الفرسان وأبناء البيوتات العريقة وتسابقوا، لأن الجمال الطبيعي غمر القلوب بالحبِّ العذري، وعمق في شرايينها الإيمان بقدرة الخالق وإبداعه، ولم يكن مجرَّد أمر عابر جادت به الطرق، أو سحابة ماطرة امتصتها الأرض، كانت المشاعر أكثر صفاء وصدقاً، والخيال الواسع يرسم للفتاة الجميلة صورة مثالية· لكن التحوُّل الحضاري الذي طرأ في العصر العباسي، جعل الناس يتعلَّقون بالمرأة الأجنبية المتحضِّرة التي تحسنُ الغناء، لذا ظهر عنصر الصوت كسمة جديدة من سمات الجمال، وهام الشعراء بالمرأة ذات الصوت الجميل التي تجيد الغناء وكان البعض منهم يدفع آلاف الدنانير لصاحبة هذا الصوت من أجل أن تغني له بيتاً من الشعر· أما في المجتمع الأندلسي، فامتاز الجمال بطابع حضاري، وكان مطلوباً من المرأة حتى تبدو جميلة في نظر الآخرين أن تفقه اللغة العربية، وأي خطأ في النُّطق، أو تعثر في التعبير يفقدها الكثير من جمالها، ويشوِّه صورتها، ففي ذلك المجتمع ظهرت وظيفة الغناء، والموشحات الأندلسية التي امتازت بالرقة والنعومة والسلاسة، وعلى أنغام الموسيقا، وأوتار (زرياب) كانت المرأة الفاتنة تصدح بصوتها العذب الطروب، وتتمايل بقدها لتنثني فينثني الحاضرون معها، ويتذوَّقون ما لذَّ وطاب من طعام أو شراب· مجمل القول: إن المواصفات الجمالية للمرأة سواء في عصر العباسيين أو في مجتمع الأندلس تغيرت، وصارت المرأة المتحضرة ضمن مقاييس ذلك الزمان هي النموذج، لذلك فإن المستوى التعبيري لا بد من أن يتجاوز، هو الآخر، الإطار القديم، ويحلِّق في آفاق الحب والأجواء الساحرة، وكان مطلوباً من المرأة ألا تكون خافتة الصوت أو باهتة اللون حتى تظفر بقلوب العشاق، وتنتزع مكانتها في المجتمع· لم يتغرب الجمال كما هو في العصر الحديث، فالحياة نفسها أصبحت غريبة عندما تعقَّدت الأمور إلى درجة أصبح فيها الإنسان الجديد هو الإنسان الآلي، يقوم بعمله بشكل روتيني دون أن يتذوَّق طعم الحزن أو الفرح، أو يشعر بالحب والكراهية، ذلك أن الزمن لم يمهله فيصير فيلسوفاً أو شاعراً أو إنساناً بسيطاً· إن مقاييس الجمال العصرية تعتمد على (الصرعات) والانسجام مع الموضة، فكلما كانت الفتاة متمشية مع الموضة وأكثر عصرية من حيث الشكل، كلما كانت أكثر جمالاً، فإذا قرر مصمِّم الأزياء أن يكون اللون الأزرق هو لون الموسم تصبح المرأة الزرقاء هي الجميلة، وإذا اختارت لجنة التحكيم في مسابقات الجمال الملكة سمراء، فإن كل سمراء تعتقد أنها الملكة، أما إذا اختارتها من ذوات الخصر الرفيع، فإن النحافة تصير رمزاً للجمال، ألم يقل أحد المفكرين: (إننا نستنشق مع الهواء الإعلانات إضافة إلى الأكسجين)· لقد عبر الكاتب الكولومبي جابرييل خوسيه ماركيز عن هذه المأساة حين جعل من بطله يواكب الموضة، حيث يصاب في النهاية بالإفلاس، ويضطر للاستدانة ، فالبطل يريد استبدال سيارته القديمة بسيارة جديدة من أجل أن يتابع الموضة حيث يعرض عليه صاحب الوكالة، ويغريه بالأقساط، ثم يسأله لماذا تتكلَّم معي بتلفون قديم، ويعرض عليه أن يغير له التلفون بآخر جديد· ماركيز يكشف في هذا تقنية العرض والطلب حيث يفلس البطل في النهاية، وهكذا الحال بالنسبة للمرأة ـ الموضة التي تعيش طيلة عمرها من أجل تلبية رغبة الموضة التي تؤدي بها إلى المديونية والإفلاس حتى تبدو في نظر الآخرين جميلة· فيا ترى هل المرأة التي تقف عند حدود دخلها الاقتصادي، ولا تواكب الموضة، متأخرة ومتخلفة، ولا تتمتع بالجاذبية والجمال؟· في تصورنا إنها أجمل الجميلات ولو بعد حين!!·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©