الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المشربيات فن إسلامي من وحي الطقس الحار

المشربيات فن إسلامي من وحي الطقس الحار
10 أغسطس 2013 20:52
تقع ديار الإسلام في المناطق شبه المدارية إلا مناطق محدودة في العروض الشمالية ووجد المعماريون والفنانون المسلمون أنفسهم في مواجهة ضوء الشمس القوي بأوقات النهار، وخاصة في فصل الصيف الطويل وراح هؤلاء يعالجون تنظيم مرور الضوء لداخل منشآتهم المعمارية بطرق فنية. د. أحمد الصاوي (القاهرة) - وقد نجمت عن معالجة مشاكل الإضاءة الطبيعية في دار الإسلام حزمة متكاملة من الحلول التي عبرت عن نفسها في فنون الإسلام بما يمكن أن نسميه أحجبة الخشب الخرط والتي استخدمت لتغطية الفتحات بالمباني ولحجب أشعة الشمس عن المناطق المفتوحة بكامل اتساعها. وجد الفنان المسلم ضالته في أحجبة الخشب الخرط التي راح يثبتها على فتحات النوافذ العلوية بواجهات المنازل وعلى الفتحات الداخلية المطلة على الفناء أو الصحن، وقد عرفت إجمالاً باسم المشربيات ربما لوضعها بالنوافذ، حيث تشرئب الأعناق لرؤية ما يجري خارج الدور أو لأن أواني شرب الماء الفخارية كانت تعلق عند تلك الفتحات ليبرد الماء بها. أسلوب الخرط والثابت أن الفنان المسلم استخدم أسلوب الخرط لتشكيل القطع التي تتألف منها الأحجبة الخشبية والتي تعرف باسم البرامق ويجري تشكيلها بعجلة تدور معها القطع الخشبية فيما يتولى النجار تشكيلها أثناء الدوران بآلة حادة على هيئة اسطوانية ذات أطراف أقل اتساعاً في محيطها من الوسط، وتكون تلك المناطق في الأطراف هي نقاط الاتصال مع البرامق الأخرى باستخدام أسلوب التعشيق من دون حاجة لاستخدام المسامير المعدنية أو مواد اللصق لصناعة الأحجبة من أي حجم. يفرق صناع المشربيات بين نوعين من الخرط أحدهما دقيق وتتميز برامقه بصغر الحجم وضيق المسافات بينها وهو ما يعرف بالخرط الميموني أما النوع الثاني الغليظ البرامق والذي ينفرد باتساع الفتحات بين برامقه فيعرف باسم الخرط الصهريجي. وفي كلا النوعين من الخرط تحقق أحجبة الخشب غرضاً رئيساً هو كسر حدة أشعة الشمس وتكسيرها قبل أن تدخل الأماكن وهو ما يمنح الوحدات الداخلية إضاءة ناعمة تأخذ من الشمس ضياءها من دون حرارتها وتتجنب أيضا تأثيرات الأشعة الضارة بها. وتعطي تلك الإضاءة الناعمة راحة كبيرة للعين فلا تحتاج لأن يضيق أصحابها الحدقات بحثا عن الرؤية الواضحة المريحة. وقد استخدم الفنان المسلم أحجبة الخرط الميموني الدقيق في سد فتحات شبابيك البيوت المطلة على الطريق العام فيما استخدمت أحجبة الخرط الصهريجي في حجب فتحات النوافذ الداخلية المطلة على فناء الدار أو في فصل الأماكن المفتوحة عن بعضها بغرض توفير قدر من الخصوصية حتى في الأماكن المفتوحة. ومن هذا النوع الأخير نرى عدة أمثلة في البيوت والمساجد فهناك بمسجد ألطنبغا المارداني بالقاهرة، وهو من عمائر المماليك البحرية لجأ الفنان لحجز ظلة القبلة عن الصحن المكشوف بحجاب كبير من خشب الخرط ويعتقد أن ذلك تم لتوفير خصوصية لدروس العلم التي كانت تعقد بالمسجد طبقا لشروط وقفية المير ألطنبغا المارداني. ويعتبر هذا الحجاب الأقدم والأكبر والأكثر دقة بين أحجبة الخشب الخرط المعروفة في عمائر مدينة القاهرة. الخرط الميموني أما أحجبة الخرط الميموني فنادراً ما كانت تستخدم في غير نوافذ البيوت المطلة على الطريق العام ويتوخى الفنان المسلم من وجودها بتلك الأماكن أن تقوم بدور مزدوج فهي إلى جانب الغرض الأصلي في كسر حدة أشعة الشمس وتوفير الإضاءة الناعمة لداخل المنزل تقوم أحجبة الخشب أيضاً بغرض اجتماعي ديني وهو توفير الخصوصية لسكان البيت من الحريم اللاتي يمكن لكل واحدة منهن أن تتطلع من النافذة لمعاينة الطريق العام وتنسم الرياح المنعشة وهي في أمان ومعزل عن عيون الفضوليين من المارة بالطريق. ويعتبر بعض مؤرخي الفنون الإسلامية أن غرض الحجب هذا كان الدافع الأهم وراء ابتكار أحجبة الخشب الخرط واستخدام المشربيات لتغطية نوافذ البيوت لتقليل دخول أشعة الشمس إليها. ولكن حقيقة استخدام الأحجبة من أحجام مختلفة في غير النوافذ المنزلية يبرهن على أن الغرض كان بيئياً مناخياً بامتياز، ولكن تحقيق الخشب الخرط لغرض الحجب منح للمشربيات مكانتها الأثيرة في نوافذ المنازل بكل المناطق الإسلامية ذات المناخ شبه المداري الحار إذ نرى هذه الأحجبة مع اختلاف مسمياتها تغطي شبابيك الدور في مدن عريقة مثل بغداد حيث تعرف بالشنشيلة وكذا في مدن الخليج العربي ولعلَّ منازل جدة القديمة خير شاهد على ذلك. تركيب البرامق والفن لم يتوقف عند جماليات تباين الظل والنور التي تميز أحجبة الخشب الخرط، بل راح يزيد عليها خططاً تشكيلية تعظم القيمة الفنية والزخرفية لتلك الأحجبة حتى ليظن أن الغرض من وجودها هو غرض جمالي قبل أن يكون نفعياً. فقد لجأ الفنان إلى تركيب البرامق داخل إطارات متنوعة الأشكال من مربعات أو مستطيلات مختلفة المساحات ورص هذه الإطارات في أشكال زخرفية ثم زاد بتشكيل البرامق ذاتها على هيئات زخرفية متنوعة فمنها ما بات يعطي أشكالاً مثل المشكاوات والرسوم الهندسية أو النباتية المجردة ومنها أيضاً ما احتوى على كتابات بالخط الكوفي المربع الذي تلائم طبيعته الهندسية أشكال البرامق الخشبية وطريقة اتصالها ببعضها. ومن أجمل الأمثلة على استخدام الكتابات الكوفية ما نراه في أحجبة الخشب الخرط المستخدمة في بيت الكريتلية بالقاهرة أو متحف جايير أندرسون وهي تعطي مثالاً متكاملاً على الامتزاج العبقري بين الغرض الوظيفي النفعي لأحجبة الخشب الخرط والشخصية الزخرفية الفنية التي طالما تميزت بها المنتجات التطبيقية للفنون الإسلامية. وتجدر الإشارة إلى انه رغم دخول الآلات الحديثة في صناعة الأحجبة من خشب الخرط فإن المشربيات ما زالت تستخدم لليوم في المباني بالعالم الإسلامي وخاصة لإسباغ الطابع التراثي والتعبير عن الشخصية الأصيلة للعمارة الإسلامية. جلسة التختبوش من أمثلة الخرط الصهريجي أيضاً أحجبة تحجب جلسة التختبوش في بيت السحيمي بالقاهرة عن فناء الدار الخلفي والتختبوش هي جلسة خاصة بآل البيت داخل الدار وتقع أسفل قاعة علوية شيدت بشكل طائر أي من دون أن تكون تحتها قاعة أرضية وغالباً ما تواجه الجلسات من هذا النوع الجهة الشمالية في الدور لاستقبال النسمات المنعشة للرياح الشمالية الغربية للبحر الأبيض في فصل الصيف ويعتبر الغرض من وضع أحجبة خشبية تحجبها عن الفناء الخلفي هو كسر حدة أشعة الشمس بأوقات الظهيرة وتوفير إضاءة طبيعية ناعمة للجلوس بمقاعد التختبوش.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©