السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

د.عبدالوهاب المشهداني: بوكاسا أسلم في حضرتي وغير اسمه إلى صلاح الدين

10 أكتوبر 2006 22:23
روى الإمام البخاري في صحيحه بسنده عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله '' : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى، وَفَرَجَ بينهما• اليتيم هو الطفل - ذكراً كان أو أنثى - الذي فقد والده والعائل الذي يرعاه، فقد القلب الذي يحنو عليه، والروح التي كانت تحوطه وترعاه حتى تقوى أعصابه، وتنمو جوارحه وينشرح صدره، وتبتسم له الحياة• اليتيم هو الذي فقد البسمة على شفتيه والفرحة في قلبه، هو الذي فقد حنان الأب وحبه الذي ينعم به كل طفل يعيش في كنف والديه ورعايتهما• اليتيم فقد بموت أبيه كل ذلك، حيث أسلمته المقادير الى الكآبة، وتشتت البال والحرمان• وكافل اليتيم: قد يكون قريباً لليتيم، كأن يكون جداً له، أو عماً، أو أخاً أو خالاً، أوجدة، أو عمة، أو أختاً، أو خالة، ونحو ذلك من الأقارب• وقد يكون غير قريب له: كمن كفل يتيماً لعائلة من المسلمين لا قرباة بينهم وبينه، وقد أوضح لنا ذلك الرسول '' في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه حيث قال: أنا وكافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو في الجنة كهاتين وأشار مالك بن أنس - راوي الحديث - بالسبابة والوسطى• وكافل اليتيم: هو الذي يقوم بتربيته، وتعاهده، وتعليمه، وتوجيهه وإرشاده، ورعاية مصالحه، وحفظ ماله - إن كان له مال - وتنميته بالبيع والشراء والاستثمار ونحو ذلك على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، فإن قام بذلك واتقى الله فيما يتعلق باليتيم، وصبر على القيام بشؤونه، واحتسب ما أنفقه عند الله نال الجزاء الأوفى يوم القيامة بدخول الجنة وقرب منزلته من الرسول صلى الله عليه وسلم• وإذا كان اليتيم يحس بمرارة اليتم لأنه فقد عائله ونصيره المباشر الذي يرعاه ويقوم بشؤونه وهو (الأب) فإن اليتيم يربطه برباط وثيق بالنصير الذي ليس فوقه نصير والمعين الذي ليس فوقه معين وهو (الله عز وجل) • وهذا هو ما حدث لرسول الله '': فقد توفى و الده (عبدالله) وهو حمل في بطن أمه، ولما بلغ السادسة من عمره المبارك وهو في كنف أمه وكفالتها اصطحبته ومعها أم أيمن بركة الحبشية جارية أبيه لزيارة أخوال جده عبدالمطلب وزيارة قبر أبيه، فلما وصلوا الى المدينة أقاموا في دار النابغة من بين النجار شهراً، وزاروا قبر والده (عبدالله)، وحركت هذه الزيارة ما كان ساكناً في نفس الرسول '' من فقدان الأب الذي لم يره، وانطبع معنى اليتم في نفسه بعد أن كان لاهياً عنه• وبعد هذه الزيارة عادت به أمه وحاضنته أم أيمن، وفي الطريق بين مكة والمدينة مرضت أمه آمنة واشتد عليها مرضها وتوفيت ودفنت بالأبواء - قرية بين مكة والمدينة، وهكذا شاء الله لرسوله '' أن يذوق مرارة فقد الأبوين وهو طفل صغير، نشأ الرسول '' يتيماً لتكون هذه النشأة، وهذا اليتم سلوى وعزاء لكل يتيم فقد والده وهو صغير• ولد الرسول '' يتيماً ليكون لهذا اليتم أثره في نفسه ونشأته، حيث يتعلم لأول مرة في الحياة أن الذي تعود عليه الأطفال لأول أمرهم في الحياة والنشأة أن يكلوا إليه أمورهم غير موجود بالنسبة له وهو (الأب) وذلك بدوره يدفعه مباشرة في الظهير الذي فوق كل ظهير، والنصير الذي فوق كل نصير وهو الله سبحانه وتعالى، فإن اليتم يشده مباشرة برباط وثيق منذ نعومة أظفاره، وتفتح عينيه على الحياة بخالقه، ثم يعلمه بعد الاعتماد على الله الاعتماد على النفس، وكان لهذه الانطباعات الأولى في حياته من معاني اليتيم أثرها في دينه الذي أرسل له وفي أحاديثه ووصاياه وفي جبر خاطر اليتامى، وفي مدى العناية التي أوجبها دين الإسلام بهم، وفي بيان أنهم أفق من آفاق المجتمع أو خلية من خلاياه، أو لبنة من لبنات بنائه• وقد ذكر الله تعالى بهذه النشأة لما أبطأ الوحي عليه '' أياماً: فقد جاء في صحيح البخاري: ان امرأة - من المشركين - جاءت الى رسول '' لما فتر عنه الوحي أياماً وقالت له: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله عز وجل: والضحى والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى، ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى، فأما اليتيم فلا تقهر • فأقسم الله له بالضحى إذا أشرق بضوئه، والليل إذا أقبل بظلامه، انه ما تركه ولا أبغضه، وأن الآخرة خير له من الأولى، وانه سوف يعطيه من الإمدادات والإكرامات ما يرضيه وتقر به عينه في الدنيا والآخرة• ثم ذكره الله تعالى - في هذه الآيات- - بيتمه وفقد أبويه، وانه سبحانه أواه وبسط عنايته عليه وكان على مدد متصل به في صغره، فكيف يجفوه بعد الرسالة في كبره، ثم قال له في نفس السورة: فأما اليتيم فلا تقهر • والمعنى إذا كنت قد كابدت معنى اليتيم في صغرك فليكن لذلك انعكاسات بالعطف على اليتيم في كبرك، فأنت أدرى بما لليتيم من وقع في النفس• لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها وهكذا أرادت حكمة الله تعالى أن ينشأ رسوله يتيماً، تتولاه عناية الله وحده، ثم تقلب أثناء الحياة في مستويات عديدة حتى كان أباً لكل يتيم، بل لكل مسم، بل أباً لأمته جميعاً، قال تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم الآية (6) سورة الأحزاب• وكفالة اليتيم فرض كفاية على المسلمين إذا قام به بعضهم سقط عن الآخرين، وإذا تركه الكل أثموا جميعاً، ومعنى ذلك أنه لو بات طفل يتيم واحد في مكان ما ليلة محروماً من طعام أو شراب أو كساء، أو ضرورة من ضروريات حياته فإن المسلمين في هذا المكان يأثمون جميعاً• رزقنا الله وإياكم حسن العمل، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم•
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©