الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإعلام والإرهاب.. الحلقة المفرغة

8 أغسطس 2015 22:28
في مواجهة التهديد الإرهابي، تجد الحكومات- سواء في العالم العربي أو الغربي- نفسها أمام معادلة تكاد تكون غير قابلة للحل: إذ كيف يمكن طمأنة السكان القلقين، في وقت لا يوجد فيه ضامن بأن هجوماً جديداً لن يقع في المستقبل؟ إذ مهما تكن درجة التعبئة الأمنية، وهي طبعاً في حدود القدرة والممكن، فإن تحقيق درجة 0 من المخاطر يبقى متعذراً في كل الأحوال. وتصبُّ مسألة اختيار المكان والزمان، بمعني ما، في جهة الإرهابي: فهو يستطيع اختيار مكان وتوقيت تنفيذ عمله المقيت. وفي مقدوره، بكل تأكيد، اختيار هدف محدد، ولكن في حالة ما إذا كان ذلك الهدف محمياً بشكل ملائم، فبإمكانه أيضاً الذهاب إلى هدف آخر مكشوف أو أقل حماية. وبالتعريف فلا يمكن توفير حماية مضمونة لكل الأماكن، وكل الأشخاص، في الوقت نفسه. ومن هنا فلابد من وجود حالة عدم توازن أو هدف رخو، من نوع أو آخر. وحتى في حال مهاجمة هدف، كان في مقام الخطة «ب»، كبديل للهدف الأول ذي الأهمية البالغة، فالإرهابي يعرف سلفاً أن استهدافه سيشكل، على كل حال، ضربة كبيرة وواسعة الوقع والتأثير على الجمهور العريض ووسائل الإعلام. ولا يمكننا، على سبيل المثال، اتخاذ ذات الاحتياطات المتبعة عادة لحماية حركة النقل الجوي من أجل مراقبة حركة سير السكك الحديدية، أو حركة النقل الحضري الكثيفة. وبالنتيجة يستحيل حماية جميع المرافق العمومية في الوقت نفسه. وهنا قد تقع وسائل الإعلام والمسؤولون السياسيون في فخ التعارض. إذ يستحيل على وسائل الإعلام ألا تتحدث عن وقوع هجوم أو اغتيال في حالة حدوثه. ويزداد نهم الجمهور أيضاً عادة لمثل هذه الأخبار. وفي حال الحديث عنها، دون نشر أي عناصر خبرية متماسكة، فليس من شأن ذلك أن يقود إلى تحقيق شيء كبير في نشر الوعي، اللهم إلا زيادة قلق الجمهور. وهذه حلقة مفرغة. فمن أجل إرواء فضول الجمهور وتهدئة قلقه قد يجري الحديث كثيراً عن الهجمات والأعمال الإرهابية، ولكن كثرة الحديث عنها تولد أيضاً، بالتبعية، مزيداً من الفضول والقلق! ومن هنا يطرح سؤال نفسه: ألا يؤدي الانخراط، بل الإفراط في الحديث عن الإرهاب إلى خلق نوع من الجنوح أو التعويد وربما حتى الاستعداد الباطني للمحاكاة لدى بعض العقول المشوشة، التي يمكن أن يصل بها الأمر إلى تجاوز عتبة الانحراف إلى الفعل؟ وهو سؤال يمكن طرحه أيضاً بصيغة أخرى، لعلها أكثر مباشرة ووضوحاً: كيف يمكن إيجاد طريقة متوازنة بين الإخبار المشروع والإفراط في تعريض الجمهور لآثار سلبية وموضوعات ذات تداعيات عكسية؟ ليس من السهل القطع بهذا الصدد. وبطبيعة الحال فردود الفعل المشتركة بين الثنائي الإعلام/‏ الجمهور تمارس تأثيراً ضاغطاً على ردود فعل المسؤولين، الذين يستشعرون أنهم مجبرون على الاستجابة لهذا التحدي، أحياناً حتى بالمزايدة، بهدف بث جو من الاطمئنان العام، وتهدئة المخاوف. ولكنهم عندما يفعلون ذلك يثيرون أيضاً المخاوف ويجعلون أثرها العام أقوى. وهذه أيضاً حلقة مفرغة أخرى. ويقول المسؤولون السياسيون غالباً، إنه من غير الوارد سياسياً أن يتوجهوا إلى مواطنيهم القلقين بخطاب من قبيل: «إننا نواجه تهديداً خطيراً، ولكنه ليس خطراً مهدداً لوجود مجتمعنا، طالما بقينا متحكمين في ردود فعلنا. وسنفعل كل شيء ممكن لتحييد هذا الخطر، ولكننا لا يمكن أن نجزم سلفاً بأنه لن يقع أبداً هجوم، أو عمل معزول، بالنظر إلى طبيعة الإرهاب نفسه. وعلينا أن نتعلم كيف نتعايش مع وجود هذا الخطر تماماً مثلما نتعايش مع وجود أخطار أخرى كثيرة في الحياة يتسبب بعضها في عدد من الضحايا أكثر مما يتسبب فيه الإرهاب، دون أن يكون لها ذات الوقع أو القدرة على إثارة الرعب». ولكن هل يبدو قول مثل هذا الكلام صعباً، واتباع هذا النوع من خطاب المكاشفة والصراحة متعذراً سياسيا؟ أم أن الشعوب ليست مستعدة أصلاً لسماع لغة الحقيقة؟ ثم كيف سيكون الأمر في حال تكرار وقوع الهجمات والأعمال الإرهابية؟ إن علينا، في كل الأحوال، عدم الوقوع في فخ الإرهابيين بإعطاء أعمالهم أصداء مدوية صاخبة هي ما يبحثون عنه، في النهاية. وذلك لأنهم في الواقع لا يبحثون عن طريق للاستيلاء على الحكم، مثلاً، بقدر ما يسعون لإثارة الرعب والذعر وزرع الفوضى والكراهية، بالعمل على تأجيج الفتنة والفرقة في صفوف المجتمع. ويراهن الإرهابيون أساساً على إثارة الخوف وردود الفعل غير المحسوبة واللاعقلانية. ولذا فإن علينا أن نرد عليهم بإظهار الشجاعة، والمسؤولية والرغبة العميقة في العيش المشترك. وعلينا أن نقول لهم: لن تقسّمونا، ولا نخاف منكم. ومع هذا فالوعي بوجود الخطر ينبغي أن يقود إلى الحذر، لا إلى الفزع والذعر. لقد كتب عالم السياسة الفرنسي الكبير «ريمون آرون» منذ عام 1962 أن الإرهاب «عمل من أعمال العنف تكون فيه الأبعاد النفسية غير متناسبة مع النتائج المادية البحتة». وهذا الكلام ما زال صحيحاً حتى الآن. وينبغي أن ندركه حتى نواجه على نحو فعال هذا الخطر الجارف. باسكال بونيفاس* * مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©