الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

قضاة صدّام.. الضغوط السياسية والسعي الجاد للبحث عن العدل المفقود

10 أكتوبر 2006 01:36
فارس الخطاب: يتهم رئيس فريق الدفاع عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين مع الكثير من المختصين قضائياً وجمعيات حقوق الإنسان في العالم المحكمة الجنائية العراقية دائماً بافتقادها إلى صيغ قانونية واضحة تضمن الحيادية وتوخي العدالة وإظهار الحقائق التاريخية، كما يتفق المتهمون ومحاموهم والشهود والمشتكون أحياناً على توصيف المحكمة بشكل عام ب''المهزلة''! لكن إلى أي مدى يعد هذا الرأي صحيحاً ؟ وما حدود الفصل بين ما هو سياسي وقانوني في هذه المحاكمة ؟ وهل فعلاً المحكمة الجنائية العراقية تفتقد الصيغ القانونية التي تجعلها حيادية في أحكامها؟ هنا محاولة للإجابة عن الأسئلة السابقة• رغم انتظار العالم لمشهد يقف فيه الرئيس العراقي الذي شغل العالم طيلة عقدين من الزمن، من خلال محاكمة يقدم فيها المعلومات والتفاصيل التي كانت تغلب عليها الهيبة خلال حكمه عن أمور كثيرة كأسرار الحرب العراقية ـ الإيرانية وتفاصيل العلاقة مع الولايات المتحدة ودورها في هذه الحرب ثم ملابسات دخول القوات العراقية إلى الكويت وأسرار الدور الأميركي فيها أيضاً••وغير ذلك • معسكر'' فيكتوري'' الرئيس العراقي السابق وفي أول ظهور له ـ بعد صور الحفرة التي أريد تكريسها في وجدان المشاهد العربي ـ تحدى المحكمة العراقية الخاصة التي انعقدت داخل المقر العام للقوة المتعددة الجنسية في معسكر'' فيكتوري'' في مطار بغداد واستمرت 30 دقيقة والتي وجهت إليه تهمة ارتكاب ''جرائم ضد الإنسانية'' في 7 قضايا كبرى رافضاً التوقيع على لائحة الاتهام ضده، وواصفاً محاكمته بأنها تمثيلية• وردد صدام حسين الذي لم يمثل مقيداً أمام قاضي التحقيق، باستمرار ''أنا رئيس جمهورية العراق، أنا عراقي''• وعندما أنهى القاضي ''رائد جوحي'' جولته الروتينية مع صدام حسين طالبه بالتوقيع على إفادته، فرد عليه : ''لا يجوز بصفة رسمية توجيه التهم إلي من دون ضمانات من الدستور والقانون'' وقال مخاطباً القاضي ''اسمح لي ألا أوقع'' على لائحة التهم• لقد تفاجأ الجميع بما قدمه صدام حسين من موقف لا يتناسب والحالة التي تعرض لها منذ الاحتلال وحتى مثوله أمام القاضي مروراً بظروف وملابسات إلقاء القبض عليه واعتقاله •• أغلب الناس ظنوا أو هكذا تصوروا على أقل تقدير أن الرجل سيظهر منهاراً متهاوياً ؛ فهل ذهاب الحكم أمر هين ؟ وهل احتلال العراق أمر يمكن تجاوزه ؟ وهل فقدان فلذات أكباده عدي وقصي حدث عابر؟ وتشتت الأسرة••السجن••والقيد••وظهوره الأول أمام الكاميرات التلفزيونية وهو ليس محاطاً برفاقه ووزرائه وإنما بسجانيه وقاضيه••هل كل تلك الأمور يمكن أن يصمد معها إنسان ويتماسك نفسه ليعيد بناءها في دقائق معدودات ويحولها إلى منبر يعيد للذاكرة صورة صدام حسين القائد الذي تصور الناس أنه ذهب ولن يعود أبدا• وقف الرجل ـ وهو يشارف على السبعين في محكمة كل حضورها أعداء له، وأدار عينيه ليستطلع المكان فلم يجد أفضل من النظر إلى القاضي الشاب رائد جوحي الذي بدا عليه بوضوح أنه أمام موقف تاريخي كبير فهل يستطيع قاضٍ مغمور في محكمة النجف كان يمنّي نفسه بلقاء ''السيد الرئيس القائد'' قبل بضعة أشهر أن يجد نفسه بين ليلة وضحاها يقاضي ذات الرئيس وهو مكبل بالحديد ! لقد كانت بداية تألق للقاضي رائد جوحي من خلال التحقيق في قضية اغتيال رجل الدين الشيعي عبد المجيد الخوئي في النجف الأشرف وتكليف جوحي بها من قبل المستشارة القانونية الاميركية في إدارة بريمر ثم نجاحه في استصدار مذكرات قبض بحق عدد من المتهمين بقتل الخوئي كان أهم هذه المذكرات على الإطلاق مذكرة القاء القبض على الزعيم الديني الشيعي الشاب مقتدى الصدر مع بعض معاونيه باعتباره محرضاً على عملية القتل وهو ما لم يستطع أي قاضٍ آخر أن يجرأ عليه خاصة والفترة حينها كانت تشهد حضوراً وتألقاً وهالة تقلق جميع الأطراف بالإضافة إلى إدارة قوات الاحتلال • وفي الجلسة الوحيدة التي ظهر بها جوحي أمام شاشات التلفزيون مع صدام حسين حاول أن يحافظ على توازنه وإن كان الأخير قد أستطاع أن يرسل رسائله إلى الشارع العراقي والعربي حينها إلا أن القاضي الشاب أحترم الرجل الذي يقف أمامه في قفص الاتهام وأحترم خياره في عدم التوقيع على لائحة الاتهام مما اعتبره بعض العراقيين بداية طيبة لمحاكمة قد تكون ذات فصول معتدلة • ومما يذكر في هذا الصدد أن رئيس محكمة التحقيق الخاصة رائد جوحي أوضح أن ''صدام حسين وأركان نظامه أحيلوا إلى محكمة الجنايات الخاصة وفق المادة 12 من قانون المحكمة الجنائية، وعقوبة من يحال وفق هذه المادة هي السجن مدى الحياة أو الإعدام''•• هذا كلام قاضي التحقيق قبل البدء بالمحاكمة فلنا أن نقدر إلى أين يمكن أن تذهب هذه المحكمة في نهاية المطاف ! كرديان بينهما بعثي ابتدأت المحكمة الجنائية العراقية العليا برئاسة القاضي الكردي رزكار محمد أمين للنظر بقضية الدجيل التي ذهب ضحيتها أكثر من 143 شخصاً عام 1982 عقب محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها صدام حسين هناك• على الرغم من الانتقادات التي وجهتها عناوين بارزة في الحكومة العراقية وبعض القيادات الحزبية الشيعية حول الطريقة التي أدار بها رزكار المحاكمة، وانه يتعامل مع صدام بأدب غير مبرر، وسمح له بممارسة الخطابة السياسية خلال مداخلاته مع المشتكين أو الشهود، إلا أن رزكار حاول وعلى الرغم من الضغوط الهائلة من خلق حالة من التوازن بين المدد الزمنية المفتوحة للادعاء العام سواء في تقديم المعلومات غير الموثوق من مصداقيتها أو في استحضار شهود تم التشكيك في ولاءاتهم ودقة شهاداتهم، وبين حق المتهمين في أن يأخذوا حقهم الكامل في الرد والتعبير عن مخاوفهم أو تحفظاتهم على كل ما يخص المحاكمة بما فيها القاضي رزكار ذاته • وبعد مقاومة استمرت لسبع جلسات علنية وواحدة سرية، ونتيجة الضغوط الهائلة من اتجاهات عديدة سواء القيادات الكردية أم الشيعية أوالحكومة قدم القاضي رزكار استقالته وسط استغراب الرأي العام وفزع المتهمين وبات واضحاً أكثر فأكثر أن المحكمة لا تمثل صورة بلد يحاول أن ينتقل إلى الديمقراطية ويؤسس لاستقلال القضاء بل هي مجرد تمثيلية تفترض أن يكون القضاة والادعاء العام وغيرهم على مقاسات النص ولا مانع من الارتجال ولكن بشرط ألا يكون لصالح المتهمين ! لقد تحّدث رزكار بصراحة وجرأة عن تجربته في المحكمة الجنائية العراقية العليا، وكان من أبرز ما قاله: اتهام الأميركان وجماعة الحكم الحالي بأنهم قد أصدروا حكم الإدانة سلفاً على ''المتهمين''، وفي مقدمتهم الرئيس السابق صدام حسين• وقبل اقل من 24 ساعة على استئناف المحاكمة عينت المحكمة الخاصة العراقية قاضياً جديداً لرئاستها• وقال الناطق باسم المحكمة بعد اجتماعها أنها ''عينت القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن على رأس المحكمة العراقية الخاصة''• والقاضي الجديد كردي أيضا ولكن قبل أن يتم الإعلان على تعيينه كان قد تم تعيين نائب رزكار القاضي سعيد الهماشي، رئيساً جديداً للمحكمة، الا أن هيئة اجتثاث البعث في العراق أبدت اعتراضها على تعيين الهماشي خلفاً لامين، لان ''اسمه كان ضمن قائمة للأعضاء النشطين في حزب البعث العراقي المنحل ويتعين أن يحظر عليه نظر القضية''• ولد القاضي رؤوف عبد الرحمن عام 1941 في بلدة حلبجة التي يتهم النظام العراقي السابق بقصفها بالأسلحة الكيماوية في مارس/آذار •1988 وهو احد أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، حكم عليه بالسجن المؤبد مرتين 1965 و1973 لكنه استفاد من قراري عفو في 1967 و1976 •• مارس عمله السياسي بنشاط ثم تخصص في الجوانب القانونية والانتخابية وحقوق الإنسان في كردستان العراق • لقد شهدت جلسات القاضي رؤوف عبد الرحمن أغرب حالات التناقض الإنساني والقانوني والسلوكي الذي يمكن أن يصدر من قاضٍ متمرس في قضية عالمية سياسية وجنائية كبرى ، فمنذ الجلسة الأولى مارس سياسة الضغط على المتهمين ومن قبلهم موكليهم من محامي الدفاع وترك الحبل على الغارب للادعاء العام، ولم يستطع لا المحامون ولا المتهمون ولا حتى الرأي العام أن يعرفوا نهجاً محدداً لأسلوب قضاء عبد الرحمن مما أضاف عنصر إحباط جديداً للمتهمين وللجمعيات الحقوقية حول العالم •وحول فترة جلسات القاضي روؤف عبد الرحمن يقول رئيس هيئة الدفاع عن صدام حسين المحامي ''خليل الدليمي'': إن فترة القاضي رؤوف عبد الرحمن هي من أسوأ الفترات التي شهدتها جلسات المحاكمة حيث تم ترهيب المتهمين والدفاع والشهود، ويضيف أن أكثر من 90شاهدا لم نستطع إحضارهم إلى المحكمة بسبب موجة التهديدات التي قادها القاضي ذاته بالإضافة إلى تعرض شهود الدفاع إلى الاعتقال والتعذيب، ناهيك عن فسحه المجال على مصراعيه للادعاء العام بينما كان يستهزأ ويستخف بهيئة الدفاع مما شكل ظاهرة غير مسبوقة في عالم القضاء • الأنفال والسيناريو المعاد ما أن وضعت قضية الدجيل ملفاتها على الرف بانتظار قرارات الحكم حتى ابتدأت قضية الأنفال التي يتهم فيها النظام السابق بشن عمليات عسكرية كبيرة على إقليم كردستان العراق واستخدام الأسلحة الكيماوية في بعض العمليات••وعيّن لها القاضي عبد الله العامري لرئاسة جلسات المحاكمة• في أول ظهور له أعجب الناس بأدائه وبدا الرجل دمث الأخلاق، هادياً، متوازناً، والأهم حيادياً • ومنذ الجلسة الأولى أوضح العامري حقوق جميع من كانوا في قاعة المحكمة من دون أن يمنح تمييزاً لطرف من دون سواه، وردد عبارات مثلت رسائل للجميع سواء أكانوا داخل قاعة المحكمة أم خارجها، كالإشارة إلى رسالة الخليفة عمر بن الخطاب (رض) إلى أبي موسى الأشعري حول القضاء بين الناس، ومقولته عن قاضي السماء الذي يراقب قضاة الأرض في الإشارة إلى الله وتوخي العدالة في الأحكام• وفي خطوة شكّلت سابقة غير معهودة قضائيا، وقف المدّعي العام واتهم القاضي عبد الله العامري بمحاباة صدام والتحيّز له، مدّعياً أنه في الوقت الذي يضغط فيه القاضي على الادعاء ومحامي المشتكين (المظلومين)، فإنه يفسح المجال واسعاً أمام المتهمين ومحامييهم للتكلم بحرّية كما يشاؤون!!، ويسمح لهم بتوجيه أسئلة استهزائية إلى المشتكين، حتى انه سمح لصدام بتوجيه تهديدات للمحكمة والمشتكين، والعمل على تحويل جلساتها إلى منبر سياسي لصالحه! وأنهى المدعي العام ''مرافعته'' بالطلب من القاضي التنحّي عن النظر في هذه القضية! ومع استمرار الجلسات زاد عبء العامري على الحكومة العراقية وبدأ سلوك القاضي يتلاعب بأعصاب كافة المتربصين بمصير أركان النظام السابق وبخاصة هيئة الادعاء العام ، وبلغ الذروة عندما قال لصدام حسين ''أنت لست دكتاتوراً'' ! وعلى إثر ذلك عقد القاضي رائد جوحي الناطق الرسمي لمحكمة الجنايات المختصة بمحاكمة صدام وأعوانه مؤتمراً صحفياً، قال فيه :'' إن وصف القاضي لصدام لم يؤثر على حيادية القاضي'' وأضاف ''أن القاضي عندما قال لصدام أنت لست دكتاتوراً حاول أن يحافظ على إدارة الجلسة وان يقوض كل الفرص التي ممكن أن تؤدي إلى الإخلال في الجلسة خاصة إذا كانت هذه الفرصة تخلق جواً قانونياً للخروج من التوترات وليس لها أثر قانوني'' • وأشار إلى أن رفع جلسة اليوم كان ''بسبب عطل الأجهزة الخاصة للبث ''! ولكن هذا العطل الفني ما لبث أن تحوّل إلى أصوات من المرجعية الشيعية العليا تنتقد القاضي (الشيعي)، وتصف المحكمة بالمهزلة وغير الشرعية، ويطالب بعضها بتنحّيه، ويعتبر بعضها الآخر كلامه استهانة بتاريخ العراق• كما تنادت أصوات كرديّة بوجوب إقصاء القاضي العامري وتعيين قاضٍ آخر مكانه ''يتمتع بالحيادية وغير ملوّث بأفكار البعث''! لأنه- كما قالت أصوات أخرى- ''لم يعتبر الجرائم التي وقعت بالأكراد جرائم جماعية''• ثم صيغ كل ذلك بقرار من رئيس الوزراء العراقي'' نوري المالكي'' بإقالة العامري• المشهد الحزين ومع بدء أعمال الجلسة العاشرة لمحاكمة قضية الأنفال، فوجئ الناس ومن قبلهم المتهمين وهيئة الدفاع بقاضٍ جديد مما حدا بالمحامي بديع عارف أحد أهم أعضاء فريق الدفاع في هذه القضية إعلان انسحابه من القاعة قائلاً : ''أنا أعلن انسحابي من المحكمة لأن إقصاء القاضي (العامري) تم بطلب من خصمنا المدعي (العام) وخلال 48 ساعة''• ورد القاضي الجديد محمد العريبي بعد أن وافق على انسحاب عارف أن ''مسألة (تعيين) القاضي وشخصيته ليست محل اعتبار داخل المحكمة••انه شأن إداري خاصة بالمحكمة الجنائية العليا''• ومضى يقول مخاطباً عارف ''لا تتكلم بأشياء تجهلها••أنا أقبل انسحابك''• بعدها أعلن المحامي ودود فوزي أحد أعضاء فريق الدفاع عن صدام أنه يعلن انسحابه وكامل فريق الدفاع من المحكمة احتجاجاً على قرار المحكمة تغيير القاضي• وقال فوزي في طلب قرأه أمام القاضي العريبي يحمل توقيعات جميع محامي فريق الدفاع إن ''مخاوف فريق الدفاع تأكدت مرة أخرى بأن شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون الدولي لا يمكن أن تتوافر في ظل الأوضاع التي يمر بها العراق وهو تحت الاحتلال''• وأضاف فوزي : أن قرار إقصاء القاضيين السابقين للمحكمة رزكار محمد أمين وعبد الله العامري ''يؤكد أن القضاء في هذه المحكمة لا يتمتع بالاستقلال والحياد والنزاهة ولا تتوافر فيها شروط المحاكمة العادلة المنصوص عليها في القانون الدولي''• واتهم فوزي هيئة الادعاء العام واصفاً إياها بعدم الحيادية ''حتى في جمع الأدلة''• وبعد قيام فريق الدفاع بالانسحاب حاول صدام حسين الكلام لكن القاضي العريبي منعه• لكن صدام قال له: ''هذا حق شخصي لنا عليك أن تقرأ فقرات القانون جيداً وتتعامل معنا بالقانون''••وأضاف صدام مخاطباً القاضي ''القانون يجيز لك أن تسمع رأيي''• بعد ذلك أعلن القاضي أن المحكمة قررت ''إبعاد صدام حسين عن قاعة المحكمة وذلك لإخلاله بنظام الجلسة''، وأمر حراس المحكمة، قائلا: ''أخرجوه من القاعة لقد تعامل القاضي الجديد بكامل تفاصيل المشهد الهزلي ( الحزين ) بلا ضوابط أخلاقية ولا قانونية لإخلاله بقيم واعتبارات تلزمه بمعاملة الجميع بالمثل، ويبقى أن الحكم النهائي على إدارته للجلسات القادمة هو الذي سيقدم مزيداً من الإجابات عن الأسئلة الدائرة الآن على الساحتين المحلية والدولية بخصوص محاكمة الرئيس العراقي السابق وعدد من أعضاء فريقه لجهة الشرعية من عدمها •
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©