الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حفصة بنت سيرين ظلّت 30 عاماً في مصلاها

28 أغسطس 2014 20:05
حفصة بنت سيرين، تابعية كريمة، عاشت حياتها في عبادة الله عز وجل وخدمة دينه الحنيف، تربت في كنف صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت امتداداً للنماذج الفكرية والعملية لمنهاج النبوة، وعلى مدى سنوات عمرها السبعين كانت نموذجاً في الورع والصلاح. كان سيرين - والد حفصه - مولى لأنس بن مالك، وقد اشتراه من خالد بن الوليد، وقد استطاع أن يفدي نفسه، ويصبح حراً مقابل مال رده لأنس، وتزوج امرأة اسمها صفية كانت مولاة لأبي بكر، وحضر زفافهما مجموعة كبيرة من صحابة النبي. أولاد سيرين وتولت ثلاث من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم مهمة تحضير العروس في ليلة عرسها، وأنجب الزوجان حفصة التي ولدت في عهد الخليفة عثمان بن عفان سنة 31 هجرية، كما أنجب سيرين أربعة أبناء آخرين، ثم تزوج امرأة أخرى وأنجب منها أربعة آخرين، وقال ابن كثير عن حفصة وأخوتها: تابعون ثقات أجلاء، وقال الإمام النووي عنهم: أولاد سيرين كلهم ثقات. نشأت حفصة على حب العلم وشغف المعرفة والتفقه في أمور دينها، فتعلمت على أيدي عدد من أجلاء الصحابة والصحابيات وزوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقدمتهم عائشة أم المؤمنين، وأم عطية الأنصارية، وقد حفظت القرآن الكريم في سن اثنتي عشرة سنة، وكانت تقرأ نصف القرآن في ليلة واحدة، كما تتلمذت في مدرسة التابعين، فروت عن أخيها يحيى، وعن أبي العالية بن مهران البصري، وهو إمام مقرئ حافظ مفسر، وأحد أعلام التابعين، وفضلائهم. حرص على العبادة عرفت حفصة بالعفة والكرم والزهد والحرص على العبادة، فكانت لها خلوات تقيم فيها الليالي للتعبد، وكانت تدخل مصلاها تصلي فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ولا تزال فيه حتى يرتفع النهار، ثم تخرج فيكون عند ذلك الوضوء والنوم، حتى إذا حضرت الصلاة عادت إلى مسجدها مرة أخرى، وكانت كثيرة الصيام، وقد قال عنها مهدي بن ميمون: مكثت حفصة بنت سيرين ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو مقابلة أو قضاء حاجة، ويروي عنها أنها كانت تطيل الوقوف في صلاتها تذرف الدمع من خشية الله عز وجل. سن الشباب يروى أن حفصة كان لها ابن توفي في سن الشباب، وقد ألهمها الله عز وجل الصبر، وقد وصفت ذلك فقالت: لما مات ابني رزقني الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق، غير أني كنتُ أجد غصةً لا تذهب، وبينما أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل، إذ أتيت على هذه الآية «وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، «سورة النحل: الآيتين 95 - 96»، قالت: فأذهب الله ما كنت أجد من مرارة فقده. نالت حفصة بنت سرين مكانة كبيرة عند كبار علماء الحديث، وعند كبار التابعين وكبار المؤرخين، قال عنها إمام الحديث في زمانه يحيى بن معين: حفصة بنت سيرين ثقةٌ حجةٌ، وذكرها ابن حبان في الثقات. وكان أخوها ابن سيرين إذا استشكل عليه شيء من القرآن، قال: اذهبوا فاسألوا حفصة كيف تقرأ، وقال ابن أبي داود: سيدتا التابعيات حفصة بنت سيرين وعمرة بنت عبد الرحمن، وتليهما أم الدرداء. الأيام العشر ولم يكن ذكر الموت يفارقها طرفة عين، حتى روى أنها كانت تحتفظ بكفن دائم لها هو جزء من ملابسها فإذا حجت وأحرمت لبسته، وإذا جاءت الأيام العشرة الأخيرة من رمضان لبسته تقيم فيه، وكانت تود لو تموت شهيدة بالطاعون، قالت: سألني أنس بن مالك بأي شيء تحبين أن تموتي؟ قلت: بالطاعون، قال: فإنه شهادة لكل مسلم. وروى أحد تلامذتها عنها قال: كانت تجلس إلينا وهي العجوز وقد لبست جلبابها وتنقبت به حتى إن أحدهم أشفق عليها فقال لها ذات يوم: رحمك الله أما قال تعالى: «وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ»، «سورة النور: الآية 60»؟ فقالت له بهدوء: وأي شيء بعد ذلك؟ فأتم الآية، وقرأ: «وإن يستعففن خير لهن»، وهكذا كانت تأخذ بالعزائم ولا تتبع الرخص. توفيت حفصة بنت سرين العام 101 هجرية عن عمر يناهز السبعين سنة، وحضر جنازتها جمع كبير من تابعي البصرة، ومنهم الحسن البصري وأخوها محمد بن سيرين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©