الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أحمد محمد عبيد يحقق في مرويات هشام بن محمد الكلبي عن «يوم قيسبة»

أحمد محمد عبيد يحقق في مرويات هشام بن محمد الكلبي عن «يوم قيسبة»
9 أغسطس 2013 00:50
جهاد هديب (دبي) - كانت «أيام» العرب في أيامهم الخوالي كثيرة، كثرة أيامهم هذه. حيث «اليوم» منها بمعركة تسيل فيها الدماء وتطير رؤوس الفرسان وتغيب شموس ممالك لتنهض أخرى يخلّدها الشعر. إنما مَنْ هم الذين من بيننا قد قرأوا عن «يوم قيسبة» أو تناهت إلى مسامعهم أنباؤه؟ في كتاب «الأيام» لمؤلفه هشام بن محمد الكلبي، تحقيق أحمد محمد عبيد والذي يقع في 330 صفحة من القطع المتوسط، يروي مؤلفه المؤرخ والعالم في الأنساب وأيام العرب، الذي عاش في النصف الثاني من القرن الهجري الثاني ومات في مطلع الثالث، حكاية «قيسبة» ويومه، فيروي ما مفاده أن «قيسبة» كان ملكا يمانيا أراد الحج، حيث كانت «العرب تحجّ في الجاهلية فلا يعرض بعضها لبعض» فمر ببني عامر بن عقيل، وربما كانوا لا يعرفون مَن هو، فـوثبوا عليه وأسروه وأخذوا ماله وما كان معه وألقوه في القدّ، وهو سير من جلد مدبوغ، فمكث في ديارهم ثلاث سنين فانقطع خبره عن اليمن إلى حدّ أن أهلها قد شاع بينهم أن الجنّ «استطارت» الرجل. وبينما هو في يوم قرٍّ شديد في بيت عجوز منهم إذ قال: أتأذنين لي أن أذهب إلى ذلك المرتفع فأتوجه نحو الشمس، فقالت: نعم. فمضى الرجل إلى هناك والقيد، على خفية، في قدميه ويديه، وعندما ألقى ببصره صوب اليمن أقبل عليه رجل سأله عن حاجته وأين يريد الذهاب، فقال الملك: اليمن، ثم سرد للرجل حكايته وكشف له عن أغلاله. وبعد أخذ وردّ وعد قبيسة الرجل بمئة ناقة حمراء لقاء أن يصل خبره إلى أخيه في صنعاء. ثم طلب سكينا منه وحفر على خشبة في مؤخرة الرحل بخط المسند الذي لا يكتب إلا في اليمن: «بلّغا كِندة الملوك جميعا حيث سارت بالأكرمين الجمالُ أنْ رِدوا العين بالخميس عجالا واصدروا عنه والروايا ثِقالُ هزئت جارتي وقالت عجيبا إذ رأتني في جيديَ الأغلالُ إنْ تريني عاري العظام أسيرا قد برانيي تضعضع واختلال فلقد أقدُم الكتيبةَ بالسيْ فِ عليّ السلاح والسربالُ» غير أن الخبر قد بلغ صاحبه بعد لأْيٍ، غير أن الملك قد أُنقذ وإنْ بعد لأي أيضا». هناك الكثير من الحكايا التي يسردها كتاب «الأيام» ويتداخل فيها المُتخيَّل الحكائي مع الشعر والسيرة، التي تكون أحيانا ذاتية وأحيانا أخرى غيرية الممتعة، لكنها بالمقابل تثير تساؤلات وإشكالية معرفية تتعلّق بالتاريخ وحقيقة الأحداث والوقائع. فماذا نسمّي هذا الصنيع في التأليف والكتابة الذي أتى عليه أحمد محمد عبيد؟ هو الذي كتب في الغلاف الأول لـ»الأيام»: «تحقيق: أحمد محمد عبيد» فهل هو تحقيق حقّا؟ يشير الصانع هنا إلى أنه «لم يكن أمامي سوى جمع مرويات ابن الكلبي عن الأيام من المصادر والمظان، أسوة بما قام به عادل جاسم البياتي من جمع كتاب الأيام لأبي عبيدة معمر بن المثنى» بسبب فقدان أي نسخة أصيلة أو غير أصلية مما كتبه إملاءً عنه تلامذة ابن الكلبي ومريدوه على الإطلاق سوى ما نقل عنه المؤرخون الآخرون من مجايلين وتابعين ومحدثين فتفرق في بطون الكتب والمخطوطات، فقام بجمع ما اتصل منه بأيام العرب المحقق أحمد محمد عبيد في كتابه هذا. إذن، فالكتاب ليس قد تمّ تحقيقه ومقارنة نسخه بعضها بالبعض الآخر بل بُذل فيه جهد علمي ومعرفي من نوع آخر هو «تحقيق المرويات» أي الحكايا ذات الصلة نقلا عن أبيه، الذي كان بدوره عالما نسّابا، أو الآخرين، وذلك بعد البحث عنها ولملمتها ثم مقارنتها كل واحدة منها بأخرى وردت في كتب المؤرخين الآخرين، وكذلك جمع تلك الأيام التي لم ترد أخبار عنها إلا لدى ابن الكلبي. مرة أخرى، ماذا نسمي هذا الصنيع في التأليف؟ هل نأخذ بأسباب الأدب وتصنيفاته بأنواعها وأجناسها وأشكالها؟ بالتأكيد ستكون الإجابة ها هنا لا، لأن هذه التصنيفات غير قارّة أو راسخة، كما أنها عُرضة للتغير بأسرع مما هي التصنيفات الأخرى في أنواع أخرى من التأليف والكتابة. أم نأخذ بأسباب الكتابة التاريخية؟ ثم لنتساءل هل التأليف في حقل الكتابة التاريخية هو نقل وتحقيق لأحداث ووقائع قد حدثت ووقعت بالفعل ثم تدوين لها بعد تناقلها عبر أجيال من الرواة؟ أم يكفي أن الحكايا المنقولة ها هنا هي من «أيام» العرب ليكون ذلك سببا في تداولها بين المؤرخين قديما وجديثا ثم يجري محضها الثقة المطلقة؟ هي أسئلة فحسب، ومن غير الممكن الإجابة عليها إذ تحتاج إلى أهل الاختصاص العالمين بأمور الكتابة التاريخية ومناهجها ليقدّروا بالفعل ما يسميه المحقق أحمد محمد عبيد «تحقيق المرويات». غير أن الجهد لافت، إذ إن الكتاب هو جمع لحكايا، ويشبه الجهد المبذول فيه ما يسمّى في هذه الأثناء، في الثقافات الحيّة، بالأنطولوجيات. لكن فضلا عن الحكايا التي لم ترد لدى مؤرخين آخرين مثل «يوم قيبسة»، فإن الجانب الممتع الآخر في الكتاب هو ذلك الشعر الذي يرافق كل حكاية وكأن أصل ما يمكن أن يقال وما هو أجدر بالرواية كان بالنسبة إلى العرب هو الشعر، ففي «يوم الكلاب الثاني» ينقل أحمد محمد عبيد عن المصادر أبيات من الشعر لتسعة عشر شاعرا من الذين خلّدوا ذلك اليوم شعرا مثل عبد يغوث ومحرو بن مكعبر الضبيّ وذي الرمّة والبراء بن قيس الكندي ووعلة بن عبد الله الجرميّ وسواهم حتى لكأن الصدور إذ تحفظ الشعر فإن الذاكرة تستعيد الحكاية نثرا. وكذلك يهتم الصانع ها هنا بنقل حكايا الأيام التي للشعراء دور كبير فيها كالنابغة الذبياني مثلا لا حصرا، إلى حدّ أنه، ربما، ما من مبالغة في القول إن الأيام والشعراء هو حقل للدراسة والبحث الأكاديمي قائم بحد ذاته. ولعل من أطرف ما جاء في كتاب «الأيام» ما يسمّى بـ«يوم البويلة» وهو يوم من أيام العرب، ربما لم يرد له اسم أو توصيف في مرويات ابن الكلبي مثل قوله بـ«يوم أوارة» أو «يوم السلف» أو «يوم الرقم» وسواها، ما دفع بأحمد محمد عبيد إلى أن يبحث عنه في المصادر الشعرية الكلاسيكية ويأخذه من ديوان حسّان بن ثابت. و«يوم البويلة» هو يوم من أيام دارت رحاها بين الأوس والخزرج ونصها كما أوردها الكتاب على النحو التالي: «ثم ّ إنّ الخزرج أجمعوا أمرهم على القتال، واستعدوا له. واستعدت الخزرج فالتقوا بالبويلة فاقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الدائرة يومئذٍ للخزرج على الأوس».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©