الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان وإمكانية الخروج من مأزق «الفصل السابع»

11 أغسطس 2011 00:32
احترت وأنا استعد لكتابة المقال، وأحاطت بي حالة من الكآبة والحزن، وأنا أنظر في أحوال الوطن العربي الكبير الذي تحيط به المخاطر والأحزان، وتجري في بعض أقطاره الدماء والجوع والحروب الأهلية. المشهد الراهن، أعادني إلى عصور سالفة في تاريخنا المليء بالدماء والأحزان والمظالم... فأينما التفت وألقيت نظرة شاملة، وجدت ملايين الأطفال اليتامى والنساء الأرامل والشيوخ والعجزة، هم ضحايا هذا الداء الخطير، داء حب السلطة والثروة والسرقة والفساد الذي ينخر في عظام الوطن، ويدفع الناس البسطاء في لحظات الغضب واليأس إلى أن يفضلوا الموت على نعمة الحياة، كما عبر كثير من عامة الناس إبان أيام الانتفاضات التي شهدتها بعض البلدان العربية، وصارت عبارة هذه حياة أفضل منها الموت متواترة. ففي خضم الأزمة المالية في الولايات المتحدة، التي ضربت وتضرب آثارها أكبر دول العالم، انشغل قادة العالم الكبار بالبحث عن حلول لها. وبدأ الساسة الأميركيون يعملون من أجل التوصل لحل من خلال المساومة بين "الديمقراطيين" و"الجمهوريين"، إنما هو حل مؤقت، كونه لم ولن يعالج جذور الأزمة الضاربة في أساس النظام الرأسمالي الجشع، الذي لا حدود لأطماعه. في خضم هذه الأزمة يعيش الوطن العربي أكبر أزماته الحديثة. ففي سوريا، كشف النظام عن وجهه القبيح، وها هي الأخبار المتواترة تقدر أن ضحايا الانتفاضة قد بلغوا الألف من المدنيين، وأن الناس يهجرون الآن مدنهم ومساكنهم هرباً من القصف المدفعي، و"أبطال" الفرقة الخاصة التي أصبحت الحاكم بأمره في سوريا، ولم تعد حماة وحدها ضحية حرب الأسد ومن والاه، فقد شمل القتل والضرب بالرصاص المحرم دولياً كثيراً من المدن السورية حتى وصل إلى دمشق "قلب العروبة"... وقل مثل ذلك عن ليبيا واليمن وغيرهما من أقطار العرب. في هذا الجو الكئيب والمشحون بأخطار نعلم بعضها ونجهل أكثرها، يجيء قرار مجلس الأمن باستخدام "الفصل السابع" من الميثاق ضد حكومة السودان، وهو قرار ليس مفاجئاً لنا، إلا المعاندين من أصحاب السلطة وحزبها - حزب المؤتمر الوطني الذي سارع مكتبه القيادي بإصدار قرار ثوري وإدانة صارخة ضد المجلس وقراره، وكأنما أولئك الذين أصدروا القرار الثوري، قد قرروا إعلان الحرب على العالم كله نيابة عن شعب تجري في بعض أقاليمه (جنوب كردفان) حرب جديدة، ومرشح لانفجار آخر في النيل الأزرق. وأصبح سلام السودان، الذي دفع الوطن غالياً لتحقيقه وقبل باقتطاع جزء عزيز عليه (الجنوب) فداء لتحقيق سلام، حلماً لكل السودانيين الذين ذاقوا ويلات الحرب الأهلية، وعادت لغة القطع بالسيف، والتهديد بتهمة الخيانة مرة أخرى هي سيدة الموقف. من الواضح أن مشكلة "الإنقاذ" أن أهلها يتصورون عن وهْم، أن هذا الوطن بكل ما يحتويه من قوى سياسية واجتماعية ودينية، قد أصبح خاصاً بهم فقط، لأنهم "احتلوا" السلطة في ظروف استندوا خلالها إلى قوة السلاح. ومشكلتهم الأعمق هي ذلك التصور المتمثل في أنهم وحدهم مسؤولون عن السودان وشعبه، وأنهم ملكوا مفاتيح العقل والحكمة، وإنما يقول لهم عقلاء الناس من معارضين وبعض الأصدقاء، إن الخطر القادم سيدفع ثمنه الشعب السوداني كله. ومن واجب المعارضة الوطني أن تعمل المستحيل لتفادي هذا الخطر، وأن عليهم "السلطة" أن يستجيبوا لصوت العقل والحكمة، وأن يدركوا أن أمور العالم اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، وأن العالم لن يترك حاكماً يهدد سلامة وأرواح أهل بلده ويكابر ويعاند بالسيادة الوطنية... وأن اعتمادهم على صداقة الصين (مصالحها السودانية) وعلى روسيا (مواقفها المتقلبة) سيكتشفون عندئذ أنه لا الصين، ولا روسيا ستحارب العالم من أجل سواد عيونهم. نعود لهذا الشهر الكريم الذي نعلم أن ميزاته التي خصها به الله، أنه شهر التسامح والتراحم... فالناس في رمضان الفضيل يجب أن يُصفوا قلوبهم ويتناسوا خلافاتهم وصراعاتهم الدنيوية. وهذه السُنَة الحميدة لها أثرها الكبير عند السودانيين، فعندما ألمّت وعكة محمد ابراهيم نقد (شفاه الله وعافاه)، سارع رموز الحياة السياسية جميعهم حتى خصومه السياسيون وفي مقدمتهم قادة حزب "المؤتمر الوطني "و"المؤتمر الشعبي"، لزيارته والاطمئنان على سلامته وصحته، ليس فقط لأن "نقد" رمز شعبي ومحبوب (وهو كذلك)، بل أيضاً لأن القيم والأخلاق والتقاليد السودانية القديمة لم يستطع المشروع الحضاري الذي بشر به الترابي وتعهد بتغيير وجه الحياة في السودان خلال عقد واحد من الزمان، أن يقتلع جذور الأصالة السودانية. ولعل أفضل وأكرم تهنئة للحكومة السودانية بحلول شهر رمضان المعظم، يقدمها مواطن سوداني يحب وطنه وشعبه وترابه، أن تنتهز فرصة هذا الشهر المعظم وتستجيب لنداء العقل والمنطق والواقع المرير الذي يعيشه السودانيون قبل أن تداهمه الداهمة الكبرى، وأن تتحلى بشجاعة الصدق والأمانة وتجلس جلوساً متساوياً مع كل القوى السودانية على مائدة المؤتمر القومي.. وتقوم أولاً بإصلاح هذا الخطأ، وتعيد للإنسان السوداني الذي يعاني من مشكلات جمة، وتتعرض حقوقه للسلب، حينئذ سترى أن الشعب السوداني كله سيقف وقفة رجل واحد ويقول لمجلس الأمن، شكراً وسعيكم مشكور. لكننا نحن (الشعب السوداني) قادرون على حل أزمة وطننا من دون التدخل بـ"الفصل السابع"... وكل عام وأنتم بخير. عبدالله عبيد حسن كاتب ومحلل سياسي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©