الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريد لسانه

طريد لسانه
25 فبراير 2009 23:53
لا بدّ أن يكون الشاعر المفتتن بالهجاء امرءاً بلغ وعيه بدونية بني البشر وخسّتهم مبلغاً عظيماً حتى يعدل عن المدح والتكسب إلى الهجاء على ما فيه من مخاطر لا سيما إذا طال ذوي السلطان والنفوذ· والراجح أن دعبل بن علي الخزاعي كان يجسّد هذا الموقف المزدري لبني البشر أجمعين إذ يجمع مؤرخو الأدب على أنه كان هجّاء بذيء اللسان روّع ناس زمانه بما قاله في أكابرهم من مهاجٍ تَجمع إلى الفحش الإقذاع· فلا أحد سلم من لسانه ولا سيما خلفاء بني العبّاس وأولادهم وولاتهم· وقد بلغ من شدّة ميله إلى الهجاء أن هجا قبيلته خزاعة، وهجا زوجته وأخاه· وقد نعت ابن رشيق دعبلاً بشيطان الشعراء من شدّة استفظاعه لنهجه في الهجاء والإقذاع· ويرسم له الأصبهاني صورة الشاطر الذي يجوب الأمصار والبلدان ''ويدور الدنيا كلّها ويعود وقد أفاد وأثرى وكانت الشراة والصعاليك يلقونه فلا يؤذونه ويؤاكلونه ويشاربونه ويبرّونه''· والناظر في بعض الأخبار التي أراد أصحابها أن يفسّروا أسباب تعلّق دعبل الخزاعي بالهجاء ومغامرته بحياته في سبيل ذلك يلاحظ أن بعضها يرجع هوسه بالهجاء إلى وعيه التام بأن لا وجود لإنسان على وجه الأرض لا يستحقّ أن يوضع في حضرة مخازيه عارية· ''فلقد كان ينظم العديد من القصائد في الهجاء فإذا سئل فيمن هذا؟ قال ما استحقه أحد بعينه بعد، وليس له صاحب، فإذا غضب على رجل جعل ذلك الشعر فيه''· وحدث أن هجا صديقا له ثم اعتذر له قائلا: ''يا أخي والله ما اعتمدتك بمكروه، ولكن كذا جاءني الشعر لبلاء صبّه الله عز وجل عليك لم أعتمدك به''· والثابت تاريخياً أن دعبلاً صار طُلْبَةَ الأمراء والخلفاء ولم يكن ينجو دائماً من عقابهم وتنكيلهم· عاش دعبل حياته طريداً مطلوباً من الخلفاء والأمراء الذين هجاهم فهرب من الكوفة إلى بغداد ومن بغداد إلى خراسان ومن خراسان إلى طخارستان ثم فرّ إلى مصر ووصل إلى إفريقية بالمغرب العربي حتى قال عنه الأصبهاني: ''ولم يزل مرهوب اللسان وخائفاً من هجائه للخلفاء فهو دهره كلّه هارب''· لكن مقدرته على الفرار والتواري لم توقّه القتل· فلقد قتل دعبل بتدبير من أحد حكّام عصره· يورد كل من الذهبي وياقوت الحموي روايتين تشير الأولى إلى أن المعتصم أهدر دم دعبل ثم قتله صبرا سنة 220هـ· أما الرواية الثانية التي يرجّحها الذهبي فتقول إن الشاعر حين هجا مالك بن طوق التغلبي ''بعث إليه رجلاً ضمن له عشرة آلاف درهم، وأعطاه سمّاً؛ فلم يزل يطلبه حتى وجده قد نزل في قرية بنواحي السوس، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة؛ فضرب ظهر قدمه بعكاز لها زجٌّ مسموم، فمات من غد، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى السوس فدفن بها''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©