الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة الاعتبار للعنصر المرجعي

إعادة الاعتبار للعنصر المرجعي
10 أغسطس 2011 22:29
من بين الندوات المهمة التي نظمت مؤخراً في مدينة أصيلة، في إطار احتفاء مؤسسة منتدى أصيلة بدولة الكويت التي كانت ضيف الشرف على موسم أصيلة الثقافي، ندوة “الأدب الكويتي خلال نصف قرن”، وكان هدف الندوة هو إبراز جوانب متميزة من المكانة التي يحتلها الأدب الكويتي داخل نسيج الأدب العربي، وقد أوضح المشرف على موسم أصيلة الوزير المغربي السابق محمد بنعيسى في كلمته أن الحضور الأدبي الكويتي في المشهد الأدبي العربي ناتج عما راكمته الحركة الثقافية الكويتية من نصوص، وبما خلقته من أجيال وأسماء مبدعة. شارك في هذه الندوة ثلة من النقاد المغاربة نذكر منهم: حسن بحراوي، محمد عز الدين التازي، إبراهيم السولامي، رشيد بنحدو، أحمد العاقد، علي آيت أوشن، إبراهيم أولحيان، زهور كرام، محمد آيت لعميم. وأسماء أخرى. عوالم خليجية في مداخلته “محكي الانتساب العائلي في الكتابة الروائية المعاصرة”، اعتبر الدكتور حسن المودن أن الرواية العربية تكتب اليوم وتنتج في بلدان عربية عديدة ومختلفة، فلم تعد الروايات تصلنا من المراكز الكبرى فحسب (مصر، الشام، العراق)، بل هي صارت تصلنا من بلدان عربية أخرى (السعودية، الكويت، اليمن..) لم تتجرأ على الإنتاج في هذا الجنس الأدبي الحديث إلا أواسط القرن الماضي، تقريبا كبلدان المغرب العربي، ولم تتوسع في الإنتاج الكمّي والنوعي إلا أواخر القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة. ولكنها مع كل ذلك استطاعت أن تلفت أنظار القرّاء والنقاد، وأن تحصد جوائز الأدب، وأن تفوز بفرص الترجمة إلى اللغات الأخرى، وأن تتحول إلى رافد أساس من روافد الرواية العربية المعاصرة، معتبرا أن وجود أسباب عديدة، من داخل الأدب ومن خارجه، تقف وراء العناية التي يلقاها أدب هذه البلدان العربية الأخرى. ومع ذلك يمكن أن أزعم أن ما جعل الأدب الروائي القادم من بلدان الخليج يحتل المكانة التي يحتلها اليوم أنه استطاع أن يتجاوز المأزق الذي تشهده الرواية العربية، وخاصة في نماذجها التي نزعت إلى التجريب الشكلاني، وجعلت الكتابة منكفئة على نفسها، تكاد تقطع كل روابطها بالإنسان والمجتمع والتاريخ، فلا تهتم إلا بجمالياتها ومتاهاتها الشكلانية. فالرواية في بلدان الخليج عملت على إعادة الاعتبار للعنصر المرجعي (الذات، المجتمع، التاريخ، الآخرين)، وتميزت بجرأتها على أن تقول ما لا يقال، أن تقول الشيء السياسي، وأن تلامس المناطق المحرمة وأن تقتحم فضاءات المسكوت عنه... وبعبارة أخرى، يقول الدكتور حسن، نفترض أن الأدب الروائي العربي بدأ يعرف، منذ سنوات غير قليلة، نقلة نوعية. وتتميز هذه النقلة النوعية بالعودة إلى الأدب المتعدي، فلم يعد الأمر يتعلق بتلك الكتابة التي لا تعتني إلا بذاتها وبمشاكلها الخاصة الشكلية والجمالية، بل أضحى الأمر يتعلق بكتابة شيء ما، وقد يصدر هذا الشيء عن الواقع أو الذات أو التاريخ أو الذاكرة أو العائلة. ونجد أن الكتابة الروائية المعاصرة قد صارت تشتغل بواسطة العودة إلى المحكي. فبعد التغيير الذي عرفته الكتابة مع النزعات التجريبية والحساسيات الجديدة ذات النزعة الشكلانية، عادت الكتابة مرة أخرى إلى الاشتغال بواسطة المحكي. وقد لعبت الرواية الخليجية عموماً دوراً لافتا في تحقيق هذه العودة، مع النجاح، أحيانا، في استثمار التغييرات التي أحدثها المجددون والتجريبيون. وإذا كانت الكتابة الروائية المعاصرة قد عادت إلى المحكي، فان اللافت للنظر أن المحكي المعاصر يستأنف اشتغاله بروايات الأصول وبالحكايات العائلية التي كانت دوما سندا أساسا للأدب. ونحن نعرف، منذ تعرفنا إلى تحليلات مارت روبير، إلى أيّ حدّ يخترق العنصر العائلي الكتابة السردية في العمق. ولكن أن تظهر “الرواية العائلية” من جديد، وبقوة، في الرواية العربية المعاصرة، والخليجية بالأساس، أمر له بلا شك دلالة ما، خاصة إذا كان هذا المحكي العائلي يكشف عن وعي بأن الذات ليست كائناً مستقلاً، وليس كائنا من دون محددات، وأن دور الرواية هو أن تسائل الذات من خلال العنصر العائلي الذي يؤسسها، ومن خلال الأصول التي تكونها. وأشار الدكتور حسن المودن إلى أن محكي الانتساب العائلي مصطلح لم يستعمل إلا في بعض الدراسات النقدية المعاصرة التي صدرت خلال العشرية الأولى من الألفية الثالثة، والفرنسية بالأخص. لكن بدايات المحكي تعود عند الغربيين إلى القرن 19: في إحدى روايات بلزاك، يقول أحد النبلاء الشباب لأمّه: “اليوم لم يعد هناك وجود للعائلات، فلا وجود إلا للأفراد”. والواقع أنه منذ الثورة الفرنسية، أصبح الفرد الحديث مجرد كائن مجرد من أصله، ولم يعد النظام الجنيالوجي (نظام السلالة) ملائما مع نهاية النظام القديم، وتكاثر اللقطاء واليتامى أواخر القرن 19، وخاصة بعد الحربين العالميتين، ولم تعد العائلة بالانسجام والتماسك السابقين. وبالطبع، فشروط محكي الانتساب العائلي في مجتمع عربي، كالمجتمع الكويتي، لابد أن تكون مختلفة: الاستعمار، تأسيس الدولة الحديثة، طبيعة المجتمع الذكورية والمحافظة، صدمة الحداثة.. وهذا ما يجعلنا نفترض وجود خصائص عامة مشتركة بين محكي الانتساب في الأدب الغربي ومحكي الانتساب في الأدب العربي (الانتقال من نظام إلى نظام، وضعية الفرد المعاصر، تفكك العائلة، غياب التماسك والانسجام العائليين..)، ولاختلاف الشروط والخصوصيات، لابد بالطبع من أن يكون لمحكيات الأدب العربي العائلية من الخصائص ما قد يغني المقاربات التي تتناول اليوم محكي الانتساب العائلي. ويعود الدكتور حسن المودن ليوضح أن البحث في الأصول العائلية ومساءلة الحكاية العائلية، يحيل، ويشكل متقدم أوجها مختلفة للذات، وينسج صورة صارخة عن هشاشة الهوية، وبطريقة يتقدم بها الماضي العائلي كأنه حمل ثقيل أو جرح غائر في الأعماق. ويتابع: لنسجل أن محكي الانتساب العائلي في رواية “سلالم النهار” يكشف النقاب عن قلق في الذاكرة، قلق من الأصول العائلية الغريبة المقلقة. وهذه الغرابة المقلقة مصدرها أشياء عديدة، منها أساسا أن فهدة تعود أصولها العائلية إلى مجتمع الــ”بدون”، هل نقول بدون جنسية، بدون هوية، بدون اعتراف بالمواطنة؟”. أجناس تعبيرية أما الناقدة المغربية زهور كرام، فاعتبرت في ورقتها أن الجنس الروائي، يظل، من أكثر الأجناس التعبيرية، قدرة على تشخيص وضعيات وتحولات الوعي في المجتمعات. وذلك، لكون مساحة الرواية الفنية والتقنية التي تسمح لها باحتواء المحتمل والممكن، وباستقبال اللغات والأصوات، من خارج منطقها الأدبي، تمكنها من قدرة/ قوة الانخراط السريع في مجتمعات وبيئات مختلفة عن مناخ تأسيسها. وبفضل ذلك، استطاعت الرواية ـ بفعل هذه المرونة في التعايش مع الثقافات والحضارات واللغات ـ أن تجدد أصالتها التكونية، وتعرف تطوراً في مستوياتها الفنية والأدبية، بدعم من نصوص وخطابات وممارسات لغوية وثقافية متباينة السياقات. من هذا المنطلق، يمكن الحديث عن روايات عربية، أو بتعبير ـ أكثر دقة ـ عن الجنس الروائي في المجتمعات العربية، بدون تعميم الحكم على الممارسة الروائية عربيا وفق النموذج الواحد، ومنحها مظهرا موحدا، أو اختزال تنوع التجارب الروائية العربية في تصور أحادي للرواية العربية، مما قد يغيّب جوانب التطور في التجربة، ومعها نغيّب وقع ثقافات/ سياقات عربية مختلفة ومتنوعة على الجنس الروائي العربي. فالرواية المكتوبة في مصر ليست هي نفسها المكتوبة في مناخ ثقافي وتاريخي خليجي، وليست هي نفسها المكتوبة في المغرب العربي. كما أن القضايا المطروحة في الروايات العربية، وان تشابهت في مواضيعها، اختلفت في طريقة تأملها تخييلياً. لا نعني بهذا التخريج، الدخول في منطق المقارنة واعتماد مبدأ الأفضلية، ولكن إدراك الجنس الروائي في التربة العربية وفق الوعي بمرونة الرواية وتعاملها مع سياقات مختلفة، هو الذي يجعلنا نؤمن بخصوبة التجربة بفضل تنوع التجارب العربية، وهو وضع يغني الممارسة الروائية العربية، ويجعلها تتكلم أصواتا كثيرة، كما أنها تستوعب أسئلة المجتمعات العربية، والتي وإن تشابهت في بعضها اختلفت في البعض الآخر. يسمح لنا مثل هذا التصور، بإضاءة حياة الجنس الروائي في الثقافة العربية، باعتماد البعد السياقي المحلي لمختلف التجارب الروائية العربية، وهو واقع يجعلنا نعيد ترتيب منطق انشغالنا/ اشتغالنا بالرواية العربية من فكرة “الوحدة المنسجمة” إلى فكرة “التعدد المتنوع”. تغني فكرة “التعدد المتنوع” النقاش حول الرواية العربية، كما تجعلنا نتجاوز بعض الأفكار التي تعيق التواصل النقدي الموضوعي مع كل التجارب العربية، وذلك عندما نظل نعتمد على المقياس، والمقارنة، واعتماد مبدأ النموذج. وأشارت الدكتورة زهور كرام إلى أن “كل تجربة روائية عربية، هي وليدة سياقها المحلي، في تفاعل بنيوي مع تجارب عربية وأجنبية مختلفة. وما يدعونا إلى التأكيد على مثل هذا التصور في تأمل الرواية العربية، إن أغلبية الأعمال الروائية التي أسست مرحلة التأصيل للجنس الروائي في التربة العربية، لم يكن الهدف من وراء كتابتها/ وضعها، إدخال شكل سردي جديد، والاهتمام به في الثقافة العربية، وإنما الكتابة من خلال التعبير الروائي كان بهدف تمرير أفكار الإصلاح والتغيير والثورة. أي أن إصلاح المجتمع كان وراء اختيار الجنس الروائي ليكون المساحة السردية المؤهلة لاحتضان الأفكار الجديدة التي يقترحها الكاتب من أجل إصلاح مجتمعاتهم، أو الدعوة إلى تغيير منظومات ذهنية، تعيق سبل التحرر واستشراف المستقبل. ولهذا، فإن تأمل التجارب الروائية العربية، باعتماد أسئلة السياق المحلي، مؤهلة ـ أكثر ـ لإنتاج معرفة حول مسار وإيقاع التحولات التي يعرفها كل مجتمع على حدة، دون تذويب تجارب مجتمعاتها في مفهومي “النموذج” و”الوحدة المنسجمة”. وتقارب الدكتورة زهور كرام رواية “صمت الفراشات”، للروائية الكويتية ليلى العثمان، معتبرة أن هذه الرواية تمضي في نفس “الأفق الروائي الذي أعلنته الكاتبة الكويتية ليلى العثمان منذ بداية تعبيرها عبر الكتابة، والتي أخذت من الكتابة السردية (قصة ورواية ومحكيات)، مجالا رمزيا لمحاكمة أنماط الوعي السائدة في المجتمع الكويتي، تلك التي تتعامل مع المرأة باعتبارها موضوعا مفعولا به، يتم التصرف فيه تبعا لحالات الوعي السائدة، ولنظام الأعراف المألوفة، ولحاجيات السلط المهيمنة، وهو وضع غيّب الوعي بالمرأة باعتبارها ضميرا واعيا، وذاتا موجودة بذاتها ولذاتها، وموقعا اجتماعيا مسؤولا عن قراراته في الحياة والمجتمع والسياسة، كما عطّل الإصغاء إلى المرأة باعتبارها منتجة لخطاب يخص رؤيتها للأشياء والعالم”. وأضافت الدكتورة زهور كرام “في مسار الكتابة السردية للكاتبة ليلى العثمان سنلاحظ، أن الانتصار إلى المرأة باعتبارها ضميرا مفردا حيا، يعد من أهم الرهانات الإبداعية السردية لدى الكاتبة، وهو رهان شمل مختلف حكايات نصوصها السردية، التي عالجت وضعية المرأة المقهورة والمأزومة، ضمن ثقافة ما تزال تعيش ثبات المفاهيم، والتصورات، وتتحكم فيها سلطة الأعراف، مما يعطي لكتابات ليلى العثمان الطابع الأطروحي، الذي يشتغل بالحكاية المتخيلة من أجل تشخيص سلوك اجتماعي، مع اقتراح الممكن من المعالجة، عبر إعلان المرأة في الكتابة السردية صوتا وإرادة وضميرا حيا. وهنا، نقترح تساؤلا، نجدد به التفكير في هذا النوع من الكتابة، الذي يظل وفيا للانتصار إلى ضمير المرأة، من خلال تشخيص حالات قهر هذا الضمير: هل الاستمرار في هذا النوع من الكتابة، يشخّص استمرار هذا النوع من الوعي الذي يصادر ضمير المرأة؟ أم أن الأمر يتعلق بحالة الوعي الضمني للكاتبة/ الكتابة؟. وبرأي الدكتور زهور كرام، فرواية “صمت الفراشات”، حكاية الشخصية النسائية المحورية “نادية” التي تم تزويجها من عجوز وهي بعد شابة، لكي تقترح للتأمل وضعية المرأة في المجتمع الكويتي، وخضوعها لذهنية ما تزال تتعامل مع المرأة باعتبارها موضوعا مفعولا به، معتبرة أن الرواية اعتمدت في بناء الحكاية على “شكل أفقي، يجعل للحكاية بداية ونهاية، كما يجعل مسارات الحكي تعرف تتابعا مسترسلاً، مما يجعلنا ـ كقراء ـ أمام منطق ألف ليلة وليلة، نظراً لكون الشخصية “نادية” هي التي تسرد حكايتها، وتبعث بها إلى القراء بطريقة تستفيد من الحكي الشفهي”. إذا كانت حكاية “نادية” قد تحكمت فيها أنماط الوعي الاجتماعي السائدة في المجتمع الكويتي، والتي نالت من حرية “نادية” حين أجبرتها على الزواج من عجوز، وعندما طلبت منها الرضوخ إلى منطق العبودية في قصر زواجها، ثم حين رفضت حبها لعطية ـ العبد سابقا ـ فان “نادية” أنجزت مجموعة من أفعال الخرق لمختلف المؤسسات الذكورية، التي كبّلت صوتها، وجعلتها مجرد ضمير مفعول به، تبعاً لسلطة الأدب والأسرة والزوج والأعراف. خارج الأدب أما الروائي المغربي محمد عز الدين التازي، فاعتبر في مداخلته أن كتابات ليلى العثمان تتميز بكونها مثيرة للجدل، وهو جدل ـ برأي التازي ـ لا يدور “حول جوهر أعمالها، من داخل مسألة الأدب الذي تكتبه، بل هو جدل قائم على وضع يوجد خارج الأدب، باعتبارها قد تعرضت للمحاكمة بسبب ما رآه بعض المتزمتين من تجرأ كتاباتها على الأخلاق والمواضعات الاجتماعية. لكن الجوهري، أن أدب هذه الكاتبة، له سماته التعبيرية والجمالية الخاصة، التي تستقي موضوعاتها من خصوصيات المجتمع الكويتي، حيث يشتغل السرد الروائي على بيئة اجتماعية لها خصوصيتها المحلية، ومواضعاتها، ومعيشها اليومي الخاص، الذي تصوره الأديبة بقدرات سردية إبداعية جمالية ذات تميز خاص. بين الإبداعي الذي يخص اشتغال الأديبة على الكتابة وتميزه بالجرأة واقتحام موضوعة الجسد الأنثوي المشبع بالرغائب، وبين عدم تقبل فئة من القراء، وهم من يمثلون المجتمع التقليدي للصوت الأنثوي وهو يخوض في موضوع الجسد وعلاقته بالرغبة قام العراك بين نصوص الأديبة وبين قراء محافظين اعتبروا أن اقتحام الكتابة الروائية التخييلية لموضوعة الجسد أمر محرم، بتحريم ممن يعتقدون أنهم يقفون حراساً على الأخلاق العامة. من كتابتها لأعمالها الروائية، إلى محاكمتها، أصبحت ليلى العثمان تحاكم باسم معيش شخصياتها النسائية والرجالية، للرغبة، وهي ليست رغبة إباحية كما نعتقد، بل إنها رغبة نابعة من الصبوات التي يستشعرها الجسد لجسده الآخر ويعرب عنها بما يتجاوز أبعادها الغريزية إلى جوهرها الإنساني. بسوء فهم لجرأة الأديبة على اقتحام موضوعة الجسد، تبادر إلى بعض الأذهان أن الأديبة تخدش القيم السائدة في مجتمعها الكويتي لكونها امرأة سعت إلى تحطيم الكثير من الثوابت في العقلية الرجولية العربية، التي لا تسمح بإعلاء صوت المرأة عاليا، للتعبير عن “أناها” الأنثوية، بما يمنحها حرية الحديث عن الأوضاع العاطفية والجنسية التي يحضر فيها جسد المرأة وهو في حاجة دائمة إلى توق للقاء بجسد الرجل. واعتبر التازي أن “الوضع الذي تتحدث عنه روايات الأديبة ليلى العثمان، هو وضع إنساني، طبيعي، بعيد عن الإثارة، لكون تلك الروايات تذيب موضوعة الجنس في سياق العلاقة الزوجية، كما هو الحال في روايتها “العصعص”، فقد وجد بعض القراء المحافظين في رواياتها خرقا لبعض القيم ترتبط بالسري والمسكوت عنه، كخطوط حمراء لا ينبغي للكتابة الروائية بأبهائها التخييلية أن ترتادها وان تجعل منها كموضوعة من موضوعات الرواية، مما يدعو إلى النظر في تعارض كبير بين سلطة مجتمعية تحتمي بسرية الممارسات التي تتعلق بتوق الجسد الأنثوي إلى الجسد الرجولي، وبين حرية الكتابة في أن تقتحم كل الموضوعات، بما فيها ما يرصد الوجود الإنساني لجسد المرأة، باعتباره رمزاً للخصب والنماء، وسراً من أسرار استمرار الوجود الإنساني. وأشار التازي إلى أن السمة المهينة على رواية “العصعص”، هي “الطابع الاجتماعي الذي يتجلى من خلال الحياة اليومية لأسرة كويتية فقيرة، هي أسرة “معيوف” وزوجته “سعاد” وأولادهما الثلاثة: “جسوم” و”سلوم” (تصغير لجاسم وسالم)، وأختهما “وضحة”. كما تحضر في الرواية شخصيات أخرى من قبيل والد “معيوف” وأصدقائه في محل النجارة والجيران وسكان الحي الشعبي، مما يشكل فضاء اجتماعيا له خصوصيته المتجذرة في الحياة الكويتية، وخاصة في مظهرها الشعبي الذي يحفل بتفاصيل المعيش اليومي، وصراع الخير والشر (الخير: ممثلا في “معيوف” وزوجته “سعاد” المتخلقين بالأخلاق الحسنة، والشر ممثلاً في “فرزانة” الساحرة، الخبيثة اللسان، وابنتها “فطوم”). مع أن ما يشكل بؤرة أساساً في مسارات السرد في الرواية، هو الأفعال الشاذة، الغريبة، التي يقوم بها الولد “سلوم”، والتي تتجلى في ولعه بقص ذيول الحيوات، من قطط وكلاب ودواب، وحيث تحضر رغبة “سلوم” المتحكمة في شخصيته من أول فصل في الرواية إلى آخر فصل منها، يحضر “العصعص” (الذيل)، باعتباره عنصرا مهيمنا، في العنوان الذي اختارته الأديبة لروايتها. الحبر الرقمي أما الناقد المغربي أحمد العاقد، فقارب في بحثه “الشعر بالحبر الرقمي: البعد الافتراضي للتواصل الشعري”، مدى استفادة الشعر الكويتي الحديث من “التقنيات الجديدة للمعلومات والتواصل خاصة المتعلقة بالفضاء الافتراضي حيث أتاحت مجموعة من الصفحات الإلكترونية التسويق الرمزي للقصيدة الكويتية ووفرت إمكانية الاستمتاع بمختلف الممارسات الشعرية المحلية التي أنتجتها الثقافة الإبداعية الكويتية. وقد استطاعت العديد من المواقع الإلكترونية المهتمة بالشعر العربي رصد التجربة الكويتية في مختلف اتجاهاتها الفنية وتجلياتها الإبداعية من خلال إدراج نماذج شعرية متميزة لأهم الأصوات الشعرية في المجال الإبداعي الكويتي. إنها نماذج إبداعية ذات حساسيات مختلفة وصياغات متباينة تبرز بشكل واضح إنصات الشواعر والشعراء في الكويت للقضايا الجوهرية ذات البعد الإنساني والوجودي (الوطن، الحرية، العشق...)، كما تتيح بلورة رؤية شاملة عن كيفية تفاعل الذات الشاعرة الكويتية مع الأشكال الشعرية الأساسية إن على مستوى استثمار الكلمة الشعرية وتوظيف اللغة المبدعة أو على مستوى تفعيل التصوير الشعري وتشكيل البنيات التخييلية”. وأضاف العاقد، في مداخلته أن تحول “الشعر الكويتي من شعر ورقي إلى شعر وسائطي أدى إلى خلق مجالات شاسعة للتواصل مع الأصوات التي تزخر بها الثقافة الإبداعية الكويتية مما أفرز أنماطاً جديدة في المسار التواصلي للمنجز الشعري والمتمثل في التفاعلية المنفتحة القائمة بين الشاعر والمتلقي (المبحر). وضمن هذا النمط التفاعلي، يتحقق الأداء المشترك بين مختلف الفاعلين في عملية التواصل الشعري: الشاعر الكويتي والمصمم الإلكتروني والمتلقي المبحر من أجل الإسهام في ضمان تفاعل شعري افتراضي. غير أن الأهم في التواصل الشعري يتجلى في التفاعل الرمزي عبر التمثل الذهني والفضاء الوسائطي بين الشاعر الافتراضي (الشاعر الكويتي بوصفه صوتاً شعرياً متاحاً في الواجهة الرقمية) والقارئ الافتراضي (المبحر الإنساني الذي يلج الصفحات الشعرية الإلكترونية)”. وكان موسم أصيلة في دورته الـ32 العام الماضي قد احتفى بالأدب الإماراتي المعاصر من خلال تخصيص ندوة كبرى لهذا الأدب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©