السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاء الصيام فجاء الخير أجمعه

جاء الصيام فجاء الخير أجمعه
10 أغسطس 2011 22:23
يدور شهر الصيام على المسلمين عِبْرَ أيام السنة كلها فيصومه المسلمون في الفصول الأربعة، وكان الشعراء أكثر اهتماماً بنظم القصائد, إذا جاء شهر رمضان في فصل الربيع، فصل البهجة والسرور، أما فصل الصيف اللاهب فيومه طويل وحرّه يفضي إلى العطش والتعب عندهم، على الرغم من أنّنا نصوم أيامه في عزّ الشتاء القارس الماطر. ولبيان طائفة من الشواهد الشعرية، نذكر ما أنشده الشاعر السَريّ الرفّاء في طول أيام الصيام: إذا طالَ شَهرُ الصَّومِ قَصَّرتُ طُولَه بِحَمْرَاءَ يَحكي الجُلّنارَ احمِرَارُها يُقصِّر عُمْرَ الليلِ ـ إنْ طالَ ـ شِرْبُها ويَعْمَلُ في عُمْرِ النَّهارِ خِمَارُها ثم رسم الشاعر ابن الحجاج رمضان بصورة ثانية إذا حلّ ضيفاً علينا في شهر آب (أغسطس) فيقول في هذا البيت: شهرٌ أراهُ يلجَّ مَعَ مَنْ يغتاظُ من طولِهِ ويُدْرِدِ أما شهر آب (أغسطس) الذي يقع شهر رمضان خلاله، فأيامه حارة لاهبة، بقول الشاعر ابن الرومي: شَهْرُ الصّيامِ مُبَارَكٌ ما لم يَكُنْ في شَهْرِ آب خِفْتُ العَذَابَ فَصُمْتُهُ فَوَقَعْتُ في نَفْسِ العَذَاب وبيَّن الشاعر بشار بن بُرد شدة تعبه من الصوم والجهد ونحول جسمه أيام رمضان فقال: قُلْتُ لَشَهْرَ الصّيامِ انْحَلْتَ جِسْمِي فمتى يا تُرَى طُلوعُ الهِلالِ أجْهد الآنَ كلّ جُهْدِكَ فِيَنا سَنَرَى مَا يَكُونُ في شَوّالِ شهر طويل وللشاعر ابن الرومي إبداع في تصوير طُول أيام الصيام الرمضاني في غير مقطوعة، بما ألهمه من دقة الوصف، والغوص على المعاني البعيدة الغور، أو لتأليف الأخيلة البارعة، والقدرة على توليد الأفكار الدقيقة واستقصائها، مع رهافة الحاسة الفنية المستوعبة، على الرغم لشغف الشاعر بالذم والهجاء، والسخرية والتهكم. فأورد له علي الجندي في” قرّة العين في رمضان والعيدين” نماذج من شعره في هذا المجال، منها قوله: شهر الصيام وإن عظمت حُرمته شهرٌ طويل ثقيل الظل والحركه يمشي الهُوينى فأما حين يطلبنا فلا السليك يُدنيه ولا السلكه كأنّه طالب وتراً على فَرَسٍ أجد في أثر مطلوب على رمكَه أذمه غير وقت فيه احمده منذ العشاء إلى أن تسقع الدِيَكَه إلى أن يقول الشاعر: وكيفَ أحمد أوقاتاً مُذممة بين الدؤوب وبين الجوع مستركه يا صدق مَن قال: أيام مُباركة إن كان يُكنّى عن اسم الطول بالبركه شهرٌ كأنّ وقوعي فيه مِن قلقي وسوء حالي وقوع الحوت في الشبكه لو كان مولى وكُنّا العبيد له لكان مولى بخيلاً سيئ الملَكه قد كاد لو لا دفاع الله يسلمنا إلى الردى ويؤدينا إلى الهَلَكَه وكان عدد من الشعراء قد أكثروا التبرّم برمضان، إذا حلّ عليهم في فصلي الربيع أو الصيف الملتهب. أما فصل الربيع، فلأنه عندهم يُعدّ فصل التفتح والتيقظ والبهجة والإيناس، بينما فصل الصيف فإنّه طويل يؤدي إلى الجوع، وحرّه يفضي إلى العطش. يقول الخالدي في رمضان الذي جاء في فصل الربيع: إنّ شهر الصيام إذ جاء في فصل ربيعٍ أودى بحُسنٍ وطِيبِ ويقول ابن عون الكاتب في هذا المعنى: جاءنا الصومُ في الربيع فهلا اختارَ ربعاً من سائر الأرباع وكأنّ الربيع في الصوم عقد فوق نحر غطاء فضل قناع ويقول صفى الدين الحلي، وقد ورد الورد في أوائل رمضان: أرسلت طيفاً إلى “ملام” لائماً لي وما على ملام قائلاً لي هجرتني شر هجر بعد وصل ولي عليك ذمام وشباب الربيع في أول العمر لثغر الزمان منه ابتسام وجيوش الورود قد نشرت للسوسن الغض حولها أعلام قلت شهر الصيام قد جاء والشر ب ولو في دجاه عندي حرام قال لي اشرب فما عليك عتاب للبيت ولا عليك آثام فإذا الصوم جاء في زمن الور د، على الصوم لا عليك الملام وقال أيضاً: شهر الصيام مُبارك لكنّما جعلت لنا بركاته في طُوله مَن كان يألفه فليت خروجه عني بجَدْع الأنفِ قبل دخوله وكتب أحد الشعراء بمقدم شهر الصيام: جاء الصيام فجاء الخير أجمعه فالنفس تدأب في قول وفي عملِ ولهبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة: تَهَنَّ بهذا الصوم يا خير صائر ومن صام عن كل الفواحش عمره إلى كل ما يهوى ويا خير صائم فأهون شيءٍ هجره للمطاعم كما تحدث العديد من الشعراء العرب على مر العصور الإسلامية عن فضائل شهر القرآن، فقال أحدهم: أدِم الصيام مع القيام تعبدا قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم فلربما تأتي المنية بغتة يا حبذا عينان في غسق الدجى فكلاهما عملان مقبولان إلاّ كنومة حائر ولهان فتساق من فرس إلى أكفان من خشية الرحمن باكيتان وتغنى الكثير من الشعراء بشهر الصوم الفضيل، كقول أحدهم في هذا المقام: رمضانُ أقبلَ يا أُولي الألبابِ فاستَقْبلوه بعدَ طولِ غيابِ عامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ فَتَنَبَّهوا فالعمرُ ظلُّ سَحابِ وتَهيّؤوا لِتَصَبُّرٍ ومشقَّةٍ فأجورُ من صَبَروا بغير حسابِ اللهُ يَجزي الصائمينَ لأنهم مِنْ أَجلِهِ سَخِروا بكلِّ صعابِ لا يَدخلُ الريَّانَ إلا صائمٌ أَكْرِمْ ببابِ الصْومِ في الأبوابِ وَوَقاهم المَولى بحرِّ نَهارِهم ريحَ السَّمومِ وشرَّ كلِّ عـذابِ أو كقول الآخر: فديتك زائراً في كلّ عام تحيا بالسلامة والسلامِ وتقبّل كالغَمام يفيض حينا ويبقى بعده اثر الغَمامِ وكم في الناس مَن كلف مشوّق إليك وكم شجي مُستهامِ ركزت له بألحاظ الليالي وقد عَيَّ الزمان عن الكلام فظل يعدّ يوماً بعد يومٍ كما اعتادوا لأيام السقامِ ومدَّ له رواق الليل ظِلاً ترُّفُ عليه أجنحة الظلامِ فباتَ وملء عينيه مَنام لتنفض عنهما كَسَل المَنامِ إلى أن يقول في قصيدته الطويلة: ولم أر قبل حبك من حبيب كفى العشاق لوعات الغرامِ فلو تدري العوالم ما درينا لحنت للصلاة وللصيامِ بني الإسلام هذا خير ضيف إذ غشي الكريم ذرا الكرام يلمكم على خير السجايا ويجمعكم على الهمم العظامِ فشدوا فيه أيديكم بعزم كما شد الكمى على الحسامِ وقوموا في لياليه الغوالي فما عاجت عليكم للمقامِ ويختم الشاعر قصيدته بالقول: وكم نفر تغرهم الليالي وما خلقوا ولا هي للدوامِ ودخلوا عادة السفهاء عنكم فتلك عوائد القوم اللئامِ يحلون الحرام إذا أرادوا وقد بان الحلال من الحـرامِ وما كل الأنام ذوي عقول إذا عدوا البهائم في الأنامِ ومن روته مرضعة المعاصي فقد جاءته أيام الفـطامِ كما أورد أبو الفرج الأصفهاني في “الأغاني” حكاية عن محمّد بن سلاّم ذكر فيها: أنّ الناس في أيام الخليفة المهدي العباسي والد هارون الرشيد صاموا شهر رمضان في عزّ فصل الصيف، وكان الشاعر أبو دُلامة إذ ذاك يطالب بجائزة وعدها إياه المهدي، فكتب إلى الخليفة رُقعة يشكو إليه ما لَقِي من الحرّ والصوم، قائلاً فيها: أدعُوك بالرَحِمِ التي جمعت لنا في القُرْبِ بين قريبنا والأبعَدِ ألا سمعتَ وأنتَ أكرم مَن مشى مِن مُنشد يرجو جزاء المُنشَدِ حلّ الصيام فصمته مُتعبّداً أرجو ثواب الصائم المُتعبِّدِ وسجدتُ حتى جبهتي مشجُوجَة مما أكلف من نِطَاح المسجدِ فلما قرأ الخليفة المهدي الرُقعة، قال: أي قرابة بيني وبينك؟ قال أبو دُلامة: رَحِم آدم وحوّاء! فضحك المهدي منه، وأمر له بجائزة. وروى صاحب يتيمة الدهر “الثعالبي” روايات لشعراء تجنّوا على حُرمة الشهر الكريم، فأشار إلى قول الصاحب بن عبّاد: قد تعدّوا على الصيام فقالوا حرّم الصب فيه حسن العوائدِ كذبوا في الصيام للمرء مهما كان مُستفظعاً أتم الفوائدِ موقف بالنهار غير مريب واجتماع بالليل عند المساجدِ وقال أيضاً مُتغزلاً على سبيل المُغالطة والتوريط: راسلتُ مَن أهواهُ أطلبُ زورة فأجابني أو لست في رمضانِ فأحببته والقلب يخفق صَبوَة أتصوم عن برٍّ وعن إحسانِ صُمْ إن أردتَ تعففاً وتحرّجاً عن أن تكِدَ الصبّ بالهجرانِ أولاً فزرني والظلام مُجلل واحسبهُ يوماً مرَّ مِن شعبانِ مثل المطر بعد تلك الصور الشعرية لرمضان الكريم، نُعرّج لنحكي عبر إضمامة لعدد من الصور النثرية من آثار السلف التي دبجوها مُعبرّين فيها عن بيان فضائل وأجر شهر الصيام وعظمته بين شهور السنة كيف لا وهو شهر الله والقرآن المعجز. ومن نماذج القطع النثرية الخاصة برمضان، ما ذكره محمّد رجب السامرّائي في كتابه “رمضان في الحضارة العربية الإسلامية”، منها قول الإمام ابن الجوزي في “بستان الواعظين ورياض السامعين”: “مَثَلُ الشهور الاثنيّ عَشَر، كَمَثَلِ أولاد يعقوب، وكما أَنَّ يُوسُفَ أحبُّ أولاد يَعْقُوب إليهِ، كذلك رَمَضان أحَبُّ الشُهُورِ إلى اللهِ وكما غَفَرَ لهم بِدَعوةِ وَاحِدٍ مِنْهُم وَهُو يُوسُف كذلك يَغْفِرُا للهُ ذنوب أحَدَ عَشَرَ شَهْراً بِبَركَة ِرَمَضَان”. كما هنأ الأدباء والكُتّاب والعلماء بقطع نثرية جميلة مرسلة حلول غُرة شهر رمضان الكريم، فكتب الإمام جعفر الصادق عليه السلام قائلاً: “الصوم جُنَّة من آفات الدنيا، وحجابٌ من عذاب الآخرة، فإذا صمت فإنّه بصومك كفُّ النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشياطين”. وكتب الإمام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ عن شهر الصيام قائلاً: “إنّ الله تعالى قد جعل رمضان مضماراً لخلقه، يَسْتَبِقُونَ فيه بطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا فالعجب للضاحك اللاّعب في اليوم الذي فاز فيعه المسارعون، وخابَ فيه الباطلون، فالله الله عباد الله اجتهدوا أن تكونوا من السابقين ولا تكونوا من الخائبين، في شهر شرَّفَهُ ربّ العالمين”. أمّا الصاحب بن عبّاد فأرسل قطعة نثرية يهنئ فيها أحد الأمراء بمقدم شهر الطاعة والغفران جاء فيها: “كتابي أطال الله بقاء الأمير، غُرّة شهر رمضان، جعل الله أيامه غرّاء، وأعوامه زهراء، وأوقاته إسعاداً، وساعاته أعياداً، وأتاه في هذا الشهر الكريم مورده ومأتاه أفضل ما قسم فيه لمن تقبل أعماله فبلغه آماله..”. ومن القطع النثرية الأخرى ما كتبه أبو الحسن سعد مُهنئاً أحد الأصدقاء بحلول شهر الصيام قائلاً: “جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف، شروط آماله، وأحكام أماليه، في حاضر أمره وعاقبته، وعاجل دنياه وآخرته، وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده في ظل عيش يرضاه ويحمده”. وله أيضاً في تهنئة أحد الولاة بقوله: “عرف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيامه، وأعانك على صيامه وقيامه، ووصل لكَ ما يزيد من فضله وإكرامه، وتابع لكَ المزيد من مَنائِحِه، وإنعامِهِ، وختم لكَ بالسعادة العظمى بعد الانتقال في الجّاهِ والرّياسةِ إلى أبعد المدى، وفي الخير والثروة إلى أقصى المُنى”. وقال الشيخ عبدالقادر الجيلاني: “السنة شجرة، ورجب أيام إبراقها، وشعبان أيام أثمارها، ورمضان أيام قطافها”، وقال أبو بكر الورّاق: “مثل رجب مثل الرياح، وشعبان مثل السحاب، ورمضان مثل المطر”. كما قيل عن الشهر الكريم: “رجب شهر إلقاء البذور، وشعبان شهر السقيّ، ورمضان شهر الحصاد، فمن لم يبذر الطاعة في رجب، ولم يسقها بماء العين في شعبان، كيف يصل إلى حصاد الرحمن في رمضان”. وقيل أيضاً: “رجب خُصّ بالمغفرة من الله، وشعبان بالشفاعة، ورمضان بتضعيف الحسنات”، وكذلك: “رجب شهر التوبة، وشعبان شهر المحبة، ورمضان شهر القُربَة”. لتعمّ بركته أما ابن عربي فقال: “إنّما اختار الحق ـ تعالى ـ من الشهور رمضان، لمشاركته اسم الله ـ تعالى ـ فقد ورد: إنّ رمضان من أسمائه ـ تعالى ـ فتعينت لهُ حُرْمَة، ما هي لسائر شهور السنة”. ثم قال: “وإنّما جعله الشارع من الشهور القمرية، لتعم بركته جميع شهور السنة، فيحصل لكل يوم من أيام السنة حظٌ منه. فإنّ أفضل الشهور عندنا رمضان، ثم شهر ربيع الأول، ثم رجب، ثم شعبان، ثم ذو الحجة، ثم شوال، ثم ذو القعدة، ثم المُحرّم”. إلى أن يقول أيضاً في منزلة شهر الله: “وإلى هنا انتهى علمي في فضيلة الشهور القمرية، وأما بقية الشهور، وهي صفر، وربيع الآخر، والجماديان، فهي متساوية في الفصل، فيما يغلب على ظني، وأني ما تحققت فيها تفاضلاً، فلم يتمكن لي أن أقول ما ليس لي به علم”. أما وكيع القاضي فقال: “في قوله تعالى “كُلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية”: إنّها أيام الصوم؛ تركوا فيها الأكل والشرب”. وروي عن قتادة أنّه كان يقول: “مَن لم يغفر له في رمضان، فلن يغفر له في غيره”. بينما قال الرازي: “إن الله سبحانه وتعالى خصّة بأعظم آيات الربوبية، وهو أنّه أنزل فيه القرآن، فلا يبعد أيضاً أن يخصصه بنوع عظيم من آيات العبودية، وهو الصوم”. أيامه قلبيّة ونقرأ من الأدب العربي الحديث تهاني لعدد من الأدباء، ومنهم لصاحب وحيّ القلم الأديب مصطفى صادق الرافعي الذي قال: “شهرٌ هو أيامه قلبية في الزمن، متى أشرفت على الدنيا قال الزمن لأهله: هذه أيام من أنفسكم لا من أيامي، ومن طبيعتكم لا من طبيعتي، فيقبل العالم كله على حالة نفسية بالغة السمو، يتعهد فيها النفس برياضتها على معالي الأمور ومكارم الأخلاق، ويفهم الحياة على وجه آخر غير وجهها الكالح، ويراها كأنما أجيعت من طعامها اليومي كما جاع هو”. وعبّر الأديب الراحل عباس محمود العقاد عن شهر رمضان شهر الإرادة قائلاً: “رمضان شهر الإرادة... أدبه أدب الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير في الدين وما الخلق إلاّ تبعات وتكاليف، وعماد التبعات والتكاليف جميعا إنها تُنَاطُ بمريد ومن ملك الإرادة فزمام الخلق جميعاً في يديه”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©