الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حزن على الفوتوغرافيا

7 أغسطس 2013 23:25
تشير الفوتوغرافيا في نصوص الشاعر عبد الله عبد الوهاب إلى الحب، وتاريخ يومئ لعلاقة من نوع خاص، لذا لجأ الراوي لتذكيرنا بها، وإفشاء سر وجودها معلقة على الجدار حتى يستعين بها الراوي على تحفيز الذاكرة من أجل استعادة المرويات التي أنتجها الحب في زمن ما، لكنها ـ المرويات ـ ما زالت حاضرة والدال عليها هو الصورة الفوتوغرافية التي تمركز حولها نص “هل أغلق النافذة” حيث بروز صوت الأنا، ومنحه حضوراً أعمق، وصوت الأنا تحفيزي للاقتراب أكثر من النص، لأنه يشي بالاعتراف والبوح، مثلما فيه فيضان حنين لمرويات الحب والبقاء في محيطها، والرضا بما تقول وتعطي من حكايات هي العين السحرية المطلة على التاريخ، هو المفضل لديه، لأنه يتحرر من ملفوظ الماضي وما يفضي إليه. أنا النص متحيرة بين العودة للماضي، واستحضار مرويات/ سرديات التاريخ، التي هي متون الذاكرة الثرية بما تختزن وقد استعاضت عنها الصورة المعلقة على الجدار، المرويات، صوت التاريخ ومرآة الذات/ الأنا وتمركزها حول سرديات أنتجتها ثنائية النوع، الأنثى والذكر. غابت الأنثى عن الغرفة وحضر الذكر، واكتفت السرديات بالصورة عن الوجود المادي للأنثى التي لايمكن أن يكون بديلاً لها وعنها، ولذا تركت/ الأنا النافذة مفتوحة، ليس لأن الحاضر في الغرفة يترقب شيئاً في الفضاء الخارجي سيأتيه مثل الحلم، أو تمنحه النافذة فرصة الانتظار والترقب لمن سيأتي، هو يريده والسؤال الذي انطوى عليه عنوان النص “هل أغلق النافذة؟” يكشف لنا خضوع الأنا لتجربة صعبة ومريرة، طويلة ومتوترة. ولم تحقق له حلم التحول، من الانتظار إلى التحيين. وأعلن الصوت الحاضر وسط فضاء ليست به حريته التي يريد “هل أغلق النافذة؟” لأنه جزع من استمرار ذهابه نحو الآخر، الذي هو بالخارج، في فضاء متسع للغاية، فضاء أخضع التاريخ والحاضر، وسيتمكن من المستقبل أيضاً. إنها محنة الفردانية في مواجهة مصيرها وسط عزلة مثيرة للخوف. الفضاء والزمان النافذة مفتوحة لدلالة حلمية ـ كما قلنا ـ لكنها تحولت موضوعياً إلى مثيرة للمخاوف والقلق، والمحيط لا يشجع على بقاء الحلم حاضراً بالتصور فقط، ومن خلال وجود نافذة مفتوحة على الخارج، الداخل هو الذي يترقب، يتشوق عودة من هو خارج الغرفة، لكن الفضاء والزمان تغيرت كلياً رسائله أو شفراته الطبيعية المبثوثة للأنا وهو يعيش لحظات الإحباط والقلق وسط غرفته التي مازال أحد جدرانها راضياً بوجود الصورة الفوتوغرافية معلقة عليه، والسؤال المركزي في هذه السردية، هل صاحبة الصورة هي الغائبة؟ ليس صعباً معرفة الإجابة من خلال التفاصيل السردية الخاصة بالنص، إنها كافية لذلك، على الرغم من قلتها، لكن رضى النص بالانفتاح على التأويل متأت من شعريته المرنة/ المتحركة، والمتحولة، وكأنها مقترنة بإيقاع السرد ومتماهية معه. وقد اختار الشاعر عبد الله عبد الوهاب مرونة للسؤال ولم يجعله قاسياً وضاغطاً، لذا لم يضع علامة السؤال الاستفهام بعد العنوان، لكنه وضعها بعد العنونة المتكررة ثلاث مرات وهذا يعني بأن الشاعر جعل من عنونة النص عتبة مرنة، متجهة نحو انفتاح يومئ له التنقيط بعد العنونة. لكن ما يميز العنونة أثناء تكررها في النص، وجود علامة الاستفهام والسؤال للتعبير عن هالة الجزع والإحساس بمتاهة، لم تفض نحو خلاص متحقق، أو هناك ما يومئ باقتراب تحققه. لكن الأنا قال لنا استحالة الحياة بعيداً عن النوع الآخر/ الأنثى، وما قاله فيكتور هوغو “إذا خلا الكون من الحب انطفأت الشمس” وهذا المعنى المكشوف، هو الذي أبقى “الأنا” حاضرة في الغرفة وأمام النافذة المفتوحة التي ابتدأ شيء ما بالتغيير بوظائفها: “تحت السماء / ليل شتوي رعد وبرق ومطر / هل أغلق النافذة؟ عند بابي / الموت جاء وذهب لست أعرف إلى أين/ النهار مات ، هل تتذكرين؟ النهار الثملُ بالنوم / أيها الموت ماذا أسميك؟ في غرفة ميتة باردة / لا أفعل شيئاً سوى التحديق باكتئاب إلى الصورة /الصورة المائلة إلى اليسار قليلاً /الصورة على الحائط / صورة من أحب” القراءة الإجرائية في هذا النص الطويل لأغراض القراءة الإجرائية كشف مكثف بشعريته الساردة ـ عن زمن المروية وأجواء الأنا المضطربة والفزعة، وكأن الليل يأتي مع منسوجات الحصار والقلق والخوف من الغياب الذي تمظهر قاسياً من خلال الصورة، التي أفضت إلى ما هو عكس المراد منها. رسم النص مشهداً متميزاً نجح في تصورات عن الوحدة “رعد وبرق ومطر/ هل أغلق النافذة؟/ فضاء الخارج هذا محفز جداً للإعلان عن الخسارة والفقدان، لأن الموت تعطل عضوي، مثلما هو تصريح بالعطل، لكن الرموز الموضوعية/ المألوفة، تكشف عن اللامألوف في نوع من الصراع بين البقاء والاندثار/ الانبعاث والرماد/ التجدد والعطل، الأنا في مروياتها الأنطولوجية قدمت توصيفاً ذكياً عن الجدل في الذات الإنسانية/ الحاضرة وحيدة وسط الغرفة، لتصل في منتوج الشاعر إلى أن الحياة باقية والموت باقٍ أيضاً، لكن ديمومة الحياة والانبعاث باقية، عند بابي/ الموت جاء وذهب/ لست أعرف إلى أين؟ ينحرف النص قليلاً نحو إفضاء آخر وجديد، هو من مطلوبات المروية، كي تقول وتروي عن تراجيديا الغياب والفراق وفي الآن نفسه الحضور أيضاً، لأن المروية انفتحت بشكل مباشر نحو الغائبة كي تعاود الاستدعاء والقبول ضمن نسيج المروية الشعري: “النهار مات، هل تتذكرين ؟ النهار الثمل بالنوم أيها الموت ماذا أسميك؟ في غرفة ميتة باردة” الصورة بؤرة المروية الشعرية الهادئة في الظاهر، لكنها صاخبة في الداخل، مثل سطح البحيرة. الموت والحضور الرمزي الدال عليه بالصورة فقط، إنها دال معبر عن ذاكرة وتاريخ من الأحلام المشتركة، لكنها [الصورة] غير كافية بوجودها، لأنها غادرت كينونتها، ولم تمنح الغرفة دفئاً وحياة، مثلما هو يحلم به. الرمزية مركز وإطار للنص ولولا نص [هل تتذكرين؟] لكانت لها سيادة مهيمنة بالكامل. والصورة هي نسق النص المعلوم والمخفي/ المضمر كما أنها ذاكرة يقظة، وكأن الشاعر وظف بذكاء هيمنة الصورة الآن، لذا وظفها رمزياً، وكان المضمر فيها عميقاً، لأن الموت زاول محو الكائن والصورة أبقته مثل الذاكرة والحلم، صارت الأنا في النص مشاهدة وليست مشاركة مثل ما كانت قبلاً أثناء وجود الغائبة. واختصرت الصورة التي على الجدار كثيراً من السرد وأضفى عليها الطاقة الممنوحة لها من تداول واسع وعام جداً. لذا كانت ـ الصورة ـ بؤرة المروية الشعرية، ومنحها التكرر تمركزاً في النص، يضغط على المتلقي في إعادة القراءة والكشف عن المسكوت عنه فيها/ المضمر: لا أفعل شيئاً سوى التحديق باكتئاب إلى الصورة/ الصورة المائلة إلى اليسار قليلاً/ الصورة التي على الحائط/ صورة من أحب”. الطاقة السحرية هو حزين/ مكتئب والغائب ظل وسيظل غائباً، ولم تشفع الطاقة السحرية في النافذة بتفعيل ممكنات الاستعادة والحضور، وهذا هو الذي حفز الوحيد بغرفته على طرح سؤال أنطولوجي: أيها الموت ماذا أسميك؟ هو يعرف اسماً شاملاً مكوناً من كل تبدّيات الموت. وهي معروفة لمن عاش تفاصيله واختصرها النص بعذاب الوحدة وملاحقة الذاكرة بالمأساة المتجددة وكأنها وقعت تواً. لأن الصورة ضاغطة بتفاصيل مروياتها المشتركة، لكن الأنا في النص أدركت تماماً هوس العلاقة مع النافذة، لأن الصورة قالت له عبر مسكوت رمزي “الصورة المائلة الى اليسار قليلاً” اليسار دال رمزي على الشؤم في الأساطير الشرقية واليمنى معبرة عن الإيجاب وانتقلت هذه الدلالة إلى الديانات الموحدة. الصورة المائلة إلى اليسار قليلاً/ الصورة التي على الحائط/ صورة من أحب/ عيناها ليل/ شعرها أمواج/ في غرفة ميتة باردة/ وحيداً انتظر/ ومن وراء قبور الموتى/ صوت يناديني/ ماذا تنتظر؟/ هل أغلق النافذة؟”. التكرار كثير في النص ووظيفته معروفة في الكشف عن الأنا الحاضرة/ بالحضور الذي لا يذكر بغير الموت. وربما النص: “عيناها ليل/ شعرها أمواج/ في غرفة ميتة باردة”. هو للتذكير الدائم بقسوة الغياب وهو ينطوي أيضاً على إفضاء لدلالة الوحشة والظلمة من خلال: الليل/ أمواج، لكن الأنا/ الكائن في كينونة ناقصة بسبب فجيعة الفقدان، وحيد بوحشة الانتظار والترقب، لا يأتيه الغائب، بل يصله صوت من وراء قبور الموتى، على صوتها المتخيّل ودعوته للكف عن التعذب: ماذا تنتظر؟ هل أغلق النافذة؟/ ستظل مفتوحة حتماً لأن رسالة فيكتور هوغو راشحة بوضوح عن بقاء الحب، هل هو مروية الأنا التي تضمنها النص؟ وستبقى بحضورها القوى. أم هو حب جديد؟ لأن الكائن لا يقوى على وجود تنطفئ فيه الشمس، في اللحظة التي يخلو فيها الكون من الحب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©